في ظل التوجيهات السامية من حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة حفظه الله ورعاه، وحضرة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء لوضع مملكة البحرين على الخريطة السياحية العالمية، والعمل على إبراز المملكة كوجهة سياحية واعدة وفق الرؤى والتطلعات المستقبلية للقيادة الحكيمة؛ لذا فقد تمت ترجمة هذه التوجيهات السامية من قبل القائمين على تنظيم هذا السباق العالمي الذي حقق نجاحًا مبهرًا في الأوساط الرياضية على مستوى العالم، والذي يضاف إنجازًا عالميًا للمملكة وفخرًا واعتزازًا لكل بحريني تجاه هذا الحدث الرياضي، وهذا لم يتحقق إلا نتيجة للعمل وجدية الاهتمام بالتسويق السياحي لجذب أكبر عدد من السائحين من الخارج، خاصة لمحبي السّياحة الرياضية، بالإضافة إلى توظيف استراتيجيات الترويج الفاعلة التي تعدُ عصب المنتج السياحي، حيثُ تشهد الصناعة السياحية حاليًا نموًا متسارعًا في مختلف دول العالم ذلك لارتباطها بالتنمية بمختلف أنماطها، وباعتبار السياحة من القطاعات الخدماتية، فإن التسويق يمثل المحور الرئيسي وركيزة استراتيجية للتطوير السياحي الذي يسهم في تدفق وزيادة عدد السائحين، والتعرف على المنتجات السياحية المعروضة وتكوين اتجاهات إيجابية لهذه المنتجات التي يكون له دور فاعل في الترويج لها بين معارفه وفي بلاده.
لذا فقد أصبحت السياحة اليوم في مملكة البحرين ضرورة حتمية لتحقيق التنمية المستدامة بجميع أبعادها، لما لها من مساهمة فعالة تسهم مواردها في تنمية الدخل الاقتصادي، وذلك إذا تم استغلال القطاع السياحي بشكل جيد وفعال على غرار استثمار موسم الفورمولا (1) لدعم التنمية السياحية ورفد الاقتصاد الوطني البحريني، وهذا ما تقوم به مملكة البحرين اليوم من خلال سياساتها التنموية في هذا القطاع الحيوي، وزيادة العمل على تطوير برامجها التنموية بهدف التسويق للمقصد السياحي البحريني وتنميته داخليًا وخارجيًا. وحتى يتمكن السائح من التعرف على مميزات المقاصد والمناطق السياحية في المملكة، حيث كان للاعتماد على إستراتيجية تسويق سياحية فعالة له أثر واضح في نجاح موسم جائزة البحرين الكبرى «فورمولا 1»؛ لذا فإن الترويج السياحي لهذا الموسم يعتبر من أهم عناصر التسويق السياحي فمن خلاله تم الوصول إلى السائح بشكل مباشر وفعال ما سمح بتلبية حاجاته وتوقعاته لدى وجوده في ربوع المملكة التي تميزت بوجود مرافق فندقية ومنشآت سياحية حديثة.
وتصنف جائزة البحرين الكبرى «الفورمولا 1» من أهم أنماط السّياحة الرياضية ذات التأثير الاقتصادي الواضح للمملكة، والتي تعدُ من الأنماط السّياحية القديمة التي بدأ الإنسان بممارستها بالاشتراك أو الاستمتاع بالمشاهدة في الماضي، ولقد أصبحت الرياضة ظاهرة عالمية اجتماعية تجمع الناس من كل أنحاء العالم وتنشط التبادلات الحضارية في إطار العولمة، فهي تدفع الناس إلى السفر وتجعلهم يغيرون ويشكلون الصورة السّياحية للدولة المضيفة، وهي مفيدة لكل مستويات المجتمع، وتعنى السّياحة الرياضية بإشباع رغبات السائحين في ممارسة رياضتهم المفضلة، سواء عن طريق استغلال عناصر الطبيعة مثل التزلج على المياه والتجديف أو رحلات صيد الأسماك أو ممارسة أنواع الرياضة البحرية أو تسلق الجبال أو صيد الطيور والحيوانات بالإضافة إلى الدورات الرياضية المحلية والإقليمية والدولية، وتحقق السّياحة الرياضية أهدافًا إنسانية مهمة حيثُ تؤدي الألعاب الأولمبية والدورات الرياضية إلى التقاء شباب العالم وتعارف وتبادل ثقافات الشعوب بينهم؛ لذا فإن مملكة البحرين وفق الرؤية الاقتصادية 2030 ارتأت أن تجعل من هذا الحدث العالمي جسرًا لعبور العالم إلى رحاب المملكة، إن العمل على زيادة استغلال هذا الموسم للترويج والدعاية لجميع الأنماط السياحية سيفتح مسارات تنموية لمنتجات سياحية جديدة، منها السّياحة الطبيعية في المملكة والقائمة على المحميات الطبيعية والسواحل والجزر البحرية، وما نملكه من تنوع للمقومات الطبيعية والاجتماعية والبيئية والثقافية، إلى جانب نمط السياحة التعليمية التي تُمثل جامعاتنا ومعاهدنا التدريبية المتخصصة كنزًا سياحيًا لم يستغل على نطاق أوسع، ولن يحدث هذا إلا بزيادة الترويج القائم على التخطيط المدروس للجامعات والمعاهد التدريبية وكل التخصصات التي تدرس في مملكة البحرين، والتي تواكب متطلبات سوق العمل والمرحلة المستقبلية.
لقد انطلقت سباقات (الفورمولا1) للسيارات في مملكة البحرين عام 2004م، وأخذت تستقطب عديدا من السّياح الخليجيين والعرب والأجانب المحبين لهذه الرياضة التي تقام سنويًا على حلبة البحرين الدولية في منطقة الصخير البرية، ومن أهم المنجزات الوطنية التي تحققت في موسم سباق جائزة البحرين الكبرى «الفورمولا 1» بروز الأفكار المستقبلية لمنتجات سياحية أكثر استدامة، حيثُ أعطت «الفورمولا 1» الضوء الأخضر في رسم خطوط مستقبلية لقياس تقدم وثبات قدرة المملكة على تنظيم بطولات عالمية، والمساهمة في خلق جو توعوي وتثقيفي وترفيهي للجمهور المحلي والعالمي، وذلك حتى يصبح المنتج السياحي للمملكة موردًا مهمًا قادرًا على جذب أجناس مختلفة من السياح؛ لذا نحن بحاجة إلى توليد أفكار لبناء منتجات سياحية جديدة وفق مراحل الإنتاج للمنتج السياحي وخدماته الأساسية كالاستثمارات الكبيرة في المرافق الفندقية والمنشآت السياحية، والاهتمام المتزايد بتطوير طرق النقل والمواصلات تجنبًا للاختناقات المرورية التي تعدُ تحديًا كبيرًا أمام الخدمات السياحية، كذلك كان لموسم الفورمولا (1) هذا العام دور حيوي في إظهار جانب من الموروثات الحضارية والثقافية للمملكة، والعديد من الفعاليات والأنشطة السياحية الجاذبة التي برزت بشكل لافت، من أبرزها زاوية الصناعات الحرفية والتراثية التقليدية التي تعد مكونا عريقا من مكونات الحضارة البحرينية، ومنها «صناعة السلال» التي ساهمت بتعريف جمهور الزوار والسائحين على التراث البحريني القديم المتحدد بأشكاله وأنواعه، والتي تعد جزءًا مهما من المقومات السياحية لأى بلد لنيلها بالغ الاهتمام لدى الأمم والشعوب، باعتبارها خزانات تاريخية تحفظ مستقبل المملكة وتعبر عن أصالة هويتها، وهنا يأتي دور وسائل الإعلام في سبيل تحقيق التواصل المستمر بين الأجيال وآليات نقل الموروثات الثقافية والاجتماعية بينهما، والعمل على ربط جميع فئات المجتمع للاستجابة في محيطهم وتحقيق المصلحة العامة والمشتركة تماشيًا مع أهداف التنمية المستدامة بجميع أبعادها الاقتصادية والاجتماعية والبيئية بغية التوصل إلى مجتمع مستقر ومنتج ومستدام في جميع القطاعات.
وختامًا: إن نجاح موسم جائزة البحرين الكبرى «فورمولا1» يفتح أفاقًا جديدة لتنظيم واستضافة الكثير من الأحداث العالمية، لذلك فإنّ لزيادة الطلب على منتجاتنا السياحية مستقبًلا، أرى ضرورة نشر وزيادة الوعي المجتمعي وتشجيع أفراد المجتمع المحلي على المعارض الشخصية والنوعية التي تحاكي وتسهم في الترويج لعراقة وتاريخ المملكة بشكل أكبر، وتنشيط جميع المواقع السياحية في المملكة بالترويج باستخدام شتى وسائل التواصل، وكذلك دعم المواطنين من أصحاب الموهبة والإبداع للاستفادة من المشروعات الاستثمارية الخاصة في دعم مسيرة التنمية السياحية في المملكة، بالإضافة إلى تنمية الموارد البشرية الوطنية والاهتمام بها للارتقاء بالقطاع السياحي وتنشيطه، والاستفادة من التجارب والنماذج في الدول المجاورة التي تتفق مع المملكة في كثير من الخصائص الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية، وتجهيز وصياغة الشعارات والعلامات التسويقية الإعلامية للمكتسبات والمنتجات السياحية والتعريف بتاريخ وثقافة المملكة، وذلك عن طريق معرفة احتياجات السائح ودراستها جيدًا قبل حلول المواسم السياحية، وذلك حتى نتمكن من تصميم المُنتج القادر على إشباع هذه الاحتياجات التي ستسهم فعليًا في جذب واستقطاب أكبر عدد ممكن من السياح كُل موسم سياحي مستقبلي يقام في المملكة، ومُتماشيًا مع القدرة الشرائية للسائحين.
لقد تمت دراسة أثر هذا الموقع السياحي المهم ضمن نتائج دراسة دكتوراه حول المواقع السياحية في المملكة، واستطلاع آراء عينات الدراسة (ذوي الاختصاص والخبرات، المكاتب السياحية، الجمهور) ، وقد كان موقع حلبة البحرين (الفورمولا1) مدرجًا ضمن محور درجة فاعلية مقومات السيَاحة والسيًاحة البيئية في المواقع السيًاحية المهمة بالمملكة، والتي بلغ عددها (19 موقعًا) وكانت حلبة البحرين من ضمنها، حيث حققت المرتبة الأولى حسب رأي جميع عينات الدراسة والتي دلت على أن هذه المواقع لها أهميتها البالغة كعامل من عوامل الجذب السياحي في مملكة البحرين.
{ مختصة في فلسفة الدراسات
البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك