أن يخطئ الإنسان فهذا أمر طبيعي، فالإنسان والخطأ غير المتعمد صنوان، لذلك فإنه من الذكاء الإداري في العمل المؤسسي أن نفهم أبعاد وسيكولوجية الخطأ حتى وإن قمنا بالتصدي للخطأ أن يكون تصدينا له علاجًا إداريًا علميًا موضوعيًا.
والخطأ في لسان العرب يعني: أن «يذنب على غير عمد»، أما إداريًا فإنه أن يَقصُد الموظف الأمر فيصيب غيره، بسبب نقصٍ في إجراءٍ أو طريقةٍ أو علم، فيؤثر ذلك في صدق النتائج، أو بسبب عدم اتباع الأسلوب أو الطريقة الموضوعة. ويذهب البعض إلى أن الخطأ في بيئة العمل المؤسسي له وجهان، أحدهما متعمد والآخر غير المتعمد، إلا أن كلاهما يؤثر في كفاءة وفاعلية العمل المؤسسي، وبالتالي فإن الخطأ في بيئة العمل يمكن تعريفه على أنه المشكلات التي تصدر عن الأفراد في العمل نتيجة تصرف أو سلوك خاطئ متعمد كان أو غير متعمد، بما يؤثر في فاعليته في أداء المهمة الموكلة إليه، نتيجة ضعف في الانتباه أو تعمد أو قلة تأهيل أو ضعف في الاتصال من ناحيته أو في المؤسسة ككل، أو لقلة وضوح الدور أو المهمة.
أسباب الأخطاء في بيئة العمل
تلخص بعض الدراسات والأدبيات المؤسسية أن هناك ثلاثة مصادر لحدوث الأخطاء في بيئة العمل؛ وهي كالتالي:
1-أخطاء أساسها الدور، وتتمثل في فشل الفرد في اتباع القواعد المتعارف عليها أو التعليمات الإلزامية.
2-وأخطاء أساسها المهارة، وترتبط بحالة فشل الفرد في تنفيذ الأعمال بشكل جيد أو تطبيق المهارات الصحيحة لإنجازها.
3-وأخطاء أساسها المعرفة، هي أخطاء ناجمة عن الفشل في حل المشاكل كالفشل في التفكير بشكل صحيح والفشل في استعمال المعلومات المتوفرة بالشكل الملائم والفشل في اتخاذ القرارات، بالإضافة إلى قلة المعرفة والمعلومة.
وتذهب بعض الأدبيات الأخرى إلى أن أسباب الخطأ في بيئة العمل يمكن أن تكون بالأسباب التالية:
1- ضعف الأمان النفسي، وقد أشاروا فيه إلى النواحي النفسية للفرد من حيث القدرات والشخصية والدافعية والاهتمام وغيرها،
2- العوامل الجسدية، وتتمثل في الإحساس بالإجهاد من عبء العمل، أو للطبيعة الجسدية لهم، أو لقلة فترات الراحة والنوم،
3- والعوامل البيئية، وتمثلت في سوء البيئة الداخلية والخاصة بدرجة الحرارة وغيرها، وسوء البيئة الخارجية والمرتبط بالطقس والغذاء وغيره، والعوامل المرتبطة بالأسرة.
وكذلك تُصنف في بعض الأحيان إلى:
1- أسباب مرتبطة بالوظيفة، وتتضمن التعليمات الناقصة أو الغامضة،
2- وعبء العمل الزائد وظروف العمل غير المرضية،
3- ظروف مرتبطة بالفرد، مثل ضعف الكفايات والمهارات، والإجهاد، والملل وقلة الدافعية أو مشكلات صحية،
4- وأسباب متعلقة بالإدارة مثل ضعف التخطيط للعمل المؤدي إلى ارتفاع ضغط العمل، وقلة التعامل مع الأخطاء السابقة، وضعف الاتصالات الإدارية، وضعف كفاءة التنسيق والمسؤوليات.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن الأدبيات تشير إلى أسباب أخرى وكثيرة، إلا إننا لا نرغب بالتحدث عنها، فهي جزء من العمل الميداني أكثر من أنها تكتب في مقال.
ولكن الذي يهمنا هنا، هو تصنيف تلك الأخطاء حسب نوعياتها فهي التي تهم المسؤول الإداري القائد، والتي عليه أن يعرفها ويتعرف عليها حال وقوعها، ليتمكن من تصنيفها تحت أي نوعية بهدف إدارتها وتصحيحها.
تصنيف الأخطاء البشرية
لقد وجدنا أن الأخطاء البشرية تصنف إلى:
أخطاء في الفعل أو الأداء؛ وتشمل الزلات والهفوات، فأما الزلات فهي الفشل في تنفيذ إجراءات المهمة. وتوصف بأنها أفعال ليست كما هو مخطط لها، مثل: تنفيذ إجراء في وقت مبكر جدًا أو تركه بعد فوات الأوان، أو حذف خطوة أو سلسلة خطوات من مهمة، أو القيام بعمل بقوة كبيرة جدًا أو قليلة جدًا، كما تتضمن تنفيذ الإجراء في الاتجاه الخاطئ أو القيام بالشيء الصحيح، ولكن على الكائن الخطأ أو إجراء فحص خاطئ، ولكن على العنصر الصحيح، أما الهفوات فهي مرتبطة بعدم القيام بالعمل نتيجة النسيان أو تبدل الأدوار في العمل أو التشتيت والانقطاع عن المهام.
أخطاء في التفكير؛ وتتضمن أخطاء مستندة على القواعد وأخطاء مستندة على المعرفة، وهذه النوعية من الأخطاء الأدائي تُعد أكثر تعقيدًا من الخطأ البشري حيث يفعل الفرد الشيء الخطأ معتقدًا أنه صحيح. يتضمن فشل العمليات العقلية التي تتحكم في كيفية تخطيط وتقييم المعلومات وصنع النوايا والحكم على العواقب. أما الأخطاء المستندة إلى القواعد فتحدث نتيجة اختيار قاعدة خاطئة بسبب تصور خاطئ للموقف، أو إغفال في تطبيق القاعدة بسبب اعتماد سلوك الفرد على قواعد أو إجراءات مألوفة، حيث يكون لدى الأفراد ميل قوي لاستخدام القواعد أو الحلول المألوفة حتى عندما لا تكون الأكثر ملاءمة أو كفاءة، أما الأخطاء المستندة للمعرفة فهي ناتجة عن نقص المعرفة أو التطبيق غير الصحيح الناتج عن التشخيص غير الصحيح والحسابات غير الدقيقة.
أخطاء بسبب عدم الإذعان؛ وهذه هي الانتهاكات التي تحدث بسبب متعمد، وهي التي عادة تحدث بسبب الإهمال أو عدم الرغبة في العمل أو ربما بسبب محاولة إحباط العمل، عمومًا فهي محاولة تتسبب في فشل المؤسسة، وهذه تحتاج من المسؤول الإداري القائد وقفة مع المخطئ تختلف عن المخطئ بسبب الأخطاء السابقة غير المتعمدة.
درجات الخطأ
نحن نعلم أنه يصعب التمييز، وتصنيف الأخطاء حسب درجة خطورتها أو مدى تأثيرها على العملاء أو المؤسسة نفسها، إلا أنه – كما نعتقد – يجب أن يكون هناك نوع من التصنيف حتى يتمكن المسؤول الإداري القائد من التعامل وإدارة تلك الأخطاء، فليس من المعقول أن نعامل طبيبا تسبب في خطأ أدى إلى فقدان حياة إنسان بسبب إهمال أو لا مبالاة أو موظف أدى توقيعه إلى خسارة المؤسسة وإلزامها دفع ملايين الدنانير لعميل مع شخص أخطأ في أمر تافه أدى إلى انسكاب قهوة على طاولة عليها بعض الأوراق غير المهمة. فالتعامل مع الخطأ وإدارته يجب أن يكون حسب درجة خطورة الخطأ ومدى تأثيره في حياة البشر أو خسارة المؤسسة. ولقد وجدنا أن تصنيف درجات الخطأ تختلف حسب الأنظمة والقوانين والمراجع والدول وما إلى ذلك، لذلك سنحاول أن نأتي ببعضها حسب ما يمكن طرحه، وبصورة عامة فهي تقسم كالتالي:
1-الخطأ البسيط،
2-الخطأ المتوسط الحدة،
3-الخطأ الجسيم،
4-الخطأ بالغ الجسامة،
5-الجسيم استثنائي الجسامة.
ويمكن الملاحظة في هذا التصنيف أنه لا توجد حدود فاصلة وواضحة لمثل هذا التصنيف وهذا الدرجات، لذلك دعونا نتعرف على التصنيف الآخر ربما يكون أكثر وضوحًا، وهو:
1-الخطأ التافه، وهو ذلك النوع الذي يقع بالقدر الطفيف من الإهمال وعدم الانتباه، وهي من أكثر الأخطاء التي تحدث بصفة يومية في المؤسسات، وهي التي لا تحدث أي أضرار للغير، مثل: تسجيل الرقم الشخصي بالخطأ أو التوقيع في المكان الخاطئ وما إلى ذلك.
2-الخطأ المركب، وهي من تلك النوعية من الأخطاء التي لا يقترفها الإنسان الحريص الذي تتوافر به المسؤولية، إذ إنه – ربما – تترتب عليها بعض الضرر على الغير، كالتشخيص الخاطئ للمرض، أو وصف دواء لا يصلح للمريض إلا أن هذا الدواء لا يؤدي إلى الوفاة، وكذلك تأخير معاملة مواطن أو إهماله عند أخذ المواعيد، وما إلى ذلك.
3-الخطأ الجسيم، وهو الخطأ الذي لا يُغتفر على الرغم من أنه غير متعمد أو مقصود، مثل السخرية من مراجع أو الكذب عليه، وهذه النوعية من الأخطاء ربما يعاقب عليها القانون في بعض الدول، إذ إنها ربما تتسبب في بعض الأضرار الجسدية أو النفسية، وهذه النوعية من الأخطاء مثل التي تؤدي إلى حوادث العمل والأخطاء الطبية التي تؤدي إلى الوفاة.
والخطأ الجسيم – كما تشير بعض القوانين وفي بعض الأحيان – هو ذلك الخطأ يحدث ويفترض به سوء النية، وفي أحيان أخرى الإهمال أو عدم التبصر.
وتشير بعض الأنظمة الأخرى أن الخطأ الجسيم عبارة عن الإخلال بواجب ثابت محقق ولا جدال في شأنه، وفي المقابل اعتبره البعض خطأ عاديًا لا يتميز عن غيره في شيء.
عمومًا، أيًا كان الخطأ وتعريفه أو تصنيفه أو درجته، إلا أنه في المؤسسات لا ينبغي عندما يحدث الخطأ أن يتم تصنيفه وفقًا للأهواء أو وجهات النظر، فالمسؤول – ربما – يجد أن الحدث الذي وقع يمكن أن يُعد خطأ جسيما، والموظف يعتقد أنه خطأ بسيط يمكن تجاوزه، وهذا التفاوت يمكن أن يحدث في أي مكان ويمكن أن يؤدي إلى بلبلة ومشاكل تتعدى الخطأ نفسه.
لذلك فإنه يجب أن توجد معايير ودساتير ومراجع لكل نوعية من الأخطاء التي يمكن أن تقع في المؤسسات، سواء كانت حكومية أو خاصة أو أهلية. فالجميع يخطئ وهذا أمر طبيعي، ولكن من غير الحكمة أن نعاقب في كل الأخطاء التي تقع، وإنما أولاً أن يكون لدينا دستور نعود إليه في حالة وقوع الخطأ ونتحاكم به لتصنيف الخطأ الذي وقع، وثانيًا؛ علينا أن نقوم بوضع منهجية لإدارة الأخطاء، والتي تنقسم إلى ثلاثة مستويات، وهي: قبل أن يقع الخطأ، اكتشاف الخطأ، وأخيرًا، إدارة الخطأ.
وهذا حديث آخر.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك