الصوم هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو يجمع بين التدريب المعنوي والتدريب البدني، وإذا كان امتناع المسلم عما حرم الله تعالى عليه في غير رمضان له ما يبرره، فإن امتناع المسلم عما أحل الله تعالى عليه في رمضان قد يبدو غير مبرر إذا قصرنا أسباب التحريم فيما يضر فقط، أما حين نطلقها، فإننا نجد أن من أسباب تحريم الحلال طاعة لله تعالى وإن غابت عنا الحكمة ساعة الامتناع، ولكنها قد تظهر لنا لاحقًا.
من هنا ندرك المقام الرفيع لهذه الفريضة حين يختارها الله تعالى لنفسه، فيقول كما ورد في الحديث: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك) رواه الإمام البخاري في صحيحه.
هذا المقام الرفيع، وهذه المنزلة العالية اختص الله تعالى بها فريضة الصوم لأننا لم نسمع - كما يقول الشيخ الإمام محمد متولى الشعراوي - أن أحدًا قد تقرب إلى عظيم من العظماء، أو وجيه من الوجهاء بأفعال الصوم، أو مظاهره، أما باقي العبادات، فمن الممكن أن يتقرب بها، أو بشيء منها إلى من يعظمون من الخلق لكن الصوم يبقى عبادة خاصة لله تعالى لا يشاركه فيها أحد من الخلق.
وإذا كانت هذه منزلة الصوم في الإسلام، وهذا قدره العظيم بين العبادات التي فرضها الله تعالى على عباده المؤمنين، فما الآثار التي نستفيدها من الصوم؟
من مظاهر الصوم وآثاره الاجتماعية تجديد الولاء لله تعالى بإفراد هذه العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، ومن آثاره أيضًا الإحساس بحاجة الفقراء والمساكين للعطاء والإنفاق بعد أن يشعر الغني بالجوع والعطش رغم ما يملك من المال والثراء هنا تتنزل الرحمة في قلوب الأغنياء على الفقراء، ويطلقون أيديهم من عقالها في البذل والعطاء، وتحدثهم أنفسهم إذا كان هذا شعورهم في شهر واحد فما بال الفقراء والمساكين الذين يعانون طوال أشهر السنة، فيكون في ذلك دافعًا لهم، ومحرضًا لهم على البذل والعطاء، وأيضًا فإن من آثار الصوم ومظاهره أن الله تعالى يلقي في روع الأغنياء أنه من وسائل القرب إلى الله تعالى في رمضان المسارعة إلى البذل والعطاء، ومشاركة الفقراء والمحتاجين إلى شيء مما يملكون، ويدرك الأغنياء أن هناك سبيلًا للسعادة لا يجدونه في التملك والحرص على الأموال وكنزها، وليتذكروا قوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم) البقرة /261.
ومن آثار الصوم الاجتماعية اجتماع الأسرة حول مائدة الإفطار، وكان نادرًا ما يجتمعون في غير رمضان لاختلاف مواعيد أعمالهم، واختلاف مواعيد عودة أبنائهم من المدارس، وهم في رمضان مضطرون إلى ذلك لتناول طعام رمضان لأنهم امتنعوا عن الطعام الحلال بأمر من الله تعالى، وهم كذلك مأمورون من الله تعالى أن يتناولوا الطعام في وقت محدد لا يجوز تأخيره، بل مستحب التعجيل به لأنها سنة نبوية مباركة. أما تناول طعام السحور للاستعانة به على صيام النهار، فهذا متروك لكل صائم يختار الوقت الذي يناسبه أما عند الإفطار، فإنهم يجتمعون في وقت واحد لا يتجاوزونه وعندها يشعرون بحلاوة التجمع أو الاجتماع بعد أن ذاقوا مرارة التفرق في غير رمضان.
ومن آثار الصيام الاجتماعية توثيق عرى المحبة والأخوة، ووصل ما انقطع من العلاقات في بقية شهور السنة.
وفي رمضان ومن آثاره الطيبة شعور المسلم بقوة إرادته التي تجعله يمتنع عن الحلال من الطعام والشراب فضلًا عن الحرام مرضاة لله تعالى، ومن قبل كان يعلل ارتكابه المعاصي بضعف إرادته، وغلبة نفسه الأمَّارة بالسوء على نفسه اللوامة.
إذًا، فهو قوي الإرادة قادر على أن يطوع نفسه، ويخضع شيطانه لمرادات الله تعالى. ومن مظاهر رمضان، وآثاره الطيبة شعور المسلم بلذة العطاء حين يبذله إلى الفقراء والمساكين، وهذا الشعور قد يكون ضعيفًا أو غير واضح في بقية شهور السنة، أمًا في رمضان عندما يتساوى الغني القادر مع الفقير العاجز في الامتناع عن الطعام والشراب، ويشعر الأغنياء بالجوع والعطش مثل الفقراء رغم ما في أيديهم من مال.
ومن آثار الصيام الاجتماعية أيضًا الإحساس بوحدة الأمة، واستجابتها لدواعي الخير، ونهي النفس عما تهوى وتشتهي، يقول سبحانه وتعالى: (وأمًا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى(40) فإن الجنة هي المأوى(41)) النازعات.
هذه بعض آثار الصيام، ومظاهره الاجتماعية التي قد يشعر بها المسلم في شهر رمضان.. شهر الوحدة الإسلامية.. وشهر العطايا والمنح الربانية.. بل هناك العديد من الهدايا التي جاء رمضان ليوزعها على الصائمين الذين أجاعوا نهارهم، وأسهروا ليلهم، واستجابوا لربهم سبحانه وتعالى.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك