أن تعاني شعوب الدول التي التحقت بالمعسكر الإيراني من تدهور أوضاعها المعيشية فإن السر يكمن في أن تلك الدول كانت قد وظفت ثرواتها في خدمة الاقتصاد الإيراني مخافة أن ينهار فيسقط تلقائيا نظام الولي الفقيه.
تلك معادلة لم ينج منها أحد من الضالعين في المشروع التوسعي الإيراني القائم على إلغاء حق شعوب المنطقة في الامتزاج بالعالم من منطلق المعاصرة.
إن المنطلقات النظرية للنظام الإيراني والتي تشكل العمود الفقري للبنية العقائدية للأحزاب والجماعات الموالية له لا تسمح بالانفتاح على العالم إلا بقدر نفعي ضيق، يقع في مجمله في الجانب الاستهلاكي الذي يشمل بشكل أساس الصناعة العسكرية التي تلتهم الجزء الأكبر من ثروات البلاد. فليس للثقافة الحرة على سبيل المثال حيز في التعامل مع العالم باعتباره خزانة للجهد المعرفي وليس مجرد آلة لإنتاج بضائع تذهب إلى الزوال بمجرد استهلاكها.
إن أنظمة تعتبر النظام الإيراني مثالها وقدوتها ولا بد أن تحذو حذوه في الاستخفاف بحياة الشعوب التي قُدّر لها أن تقع تحت هيمنتها. فإذا لم تكن أحوال تلك الشعوب أسوأ من أحوال الشعوب الإيرانية فهي على مستوى السوء شبيهة بها. وليس ضروريا أن يطلع العراقي أو اللبناني أو السوري أو اليمني على أحوال الشعوب الإيرانية ليكون على بينة من تردّيها. يكفيه أن يلتفت إلى أحواله ليُصدم بقوة التخلف الذي صار مقياسا للحياة في ظل الهيمنة السياسية لعمائم ملالي إيران.
بالنسبة إلى إيران وأتباعها ليس للحكم من فلسفة يمكن من خلالها تنظيم علاقة حسنة بالعالم. ذلك لأن العالم يجب أن يكون عدوا ليتحقق النظام السياسي من سلامة توجهاته القائمة على مبادئ الموت الذي يهديه إلى الشعوب مغلفا بغطاء الشهادة دفاعا عن القضية التي هي في حقيقتها كذبة يحافظ من خلالها النظام على بقائه.
وما الموت البطيء الذي يعيشه الفقراء في دول المقاومة إلا عبارة عن جرعات الزوال النهائي. وليس أمامهم أمل في الارتقاء بسبل العيش إلا إذا تحرّروا من عقدة الولاء العقائدي الذي لا يمتّ بصلة إلى طريقة التفكير الحر بكل معطياتها الإنسانية. فذلك الولاء هو الذي يعمي البصيرة عن رؤية الحقيقة التي تضع العالم في مكانه الحقيقي وتبعد عنه صفة العدو التي لا معنى لها إلا في خيال فقهاء الظلام في إيران.
ما يحدث للاقتصاد في الدول التي تقع تحت الهيمنة الإيرانية يتشابه في كل مظاهره ونتائجه. تنهار العملة الوطنية في مواجهة العملات الصعبة فتتردّى الأوضاع المعيشية نتيجة للتضخم وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للفقر.
وإفقار الشعوب في الدول المحيطة بإيران هو هدف مرسوم على خارطة العقل السياسي الإيراني، من غيره يشعر الناس العاديين في إيران بحجم الهوة التي أوقعهم نظام آيات الله فيها. يجب أن يكون العراقيون على سبيل المثال فقراء ليتساووا مع إخوتهم في المذهب في إيران.
ولأن إيران في حالة حرب دائمة مع العالم فإن تلك الحرب يجب أن تشمل كل أرض تطأها أقدام مقاتليها المقاومين. فالمقاومة في سياق التفكير الإيراني هي تجسيد لتبني مبدأ العداء للعالم الذي يجب أن يخضع صاغرا لشروط إيران في امتلاك السلاح النووي الذي سيكون في أيدي صبيان الولي الفقيه ورجال عصاباته، وهو ما يعني أن على العالم بكل إنجازاته الحضارية أن يرضخ للخطر الإيراني الذي سيجلب الفناء الشامل في أيّ لحظة سهو كما حدث للطائرة المدنية الأوكرانية التي أسقطها سلاح المدفعية التابع للحرس الثوري من غير أن تقول إيران أن ذلك حدث خطأً.
ليس لدى إيران برنامج سوى برنامج الموت الذي يبدأ بكراهية الآخرين ومن ثم التفكير في قتلهم الذي سيؤدي بالضرورة إلى ردهم دفاعا عن أنفسهم.
وهكذا تكون العقيدة الإيرانية المنتشرة كالوباء بين صفوف أفراد المليشيات المنتشرة في الدول المبتلاة بالهيمنة الإيرانية هي الدرب الذي يقود إلى الموت وذلك ما يتبناه «حزب الله» في لبنان والمليشيات العراقية والأفغانية والباكستانية في سوريا والحوثيون في اليمن.
وحين توصف تلك الجماعات بالتخلف فلأنها لا تقوى على الاقتراب من مشكلاتها المعقدة إلا عن طريق العنف الذي تمارسه ضد الآخرين. ولأنها مطمئنة إلى التواطؤ الغربي المؤقت فإنها تعيث في الأرض فسادا إلى أن تعلن الساعة الغربية عن نهاية الهدنة مثلما حدث مع تنظيم القاعدة والجماعات التي انبثقت منه.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك