العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

عشرون عاما من الفشل والخيبة في العراق!

بقلم : فاروق يوسف

الثلاثاء ٠٧ مارس ٢٠٢٣ - 02:00

قد‭ ‬يزعم‭ ‬البعض‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحول‭ ‬العراق‭ ‬إلى‭ ‬ولاية‭ ‬أمريكية‭ ‬ديمقراطية‭ ‬لولا‭ ‬رؤوس‭ ‬أبنائه‭ ‬الناشفة‭. ‬فلقد‭ ‬فضلوا‭ ‬الوصاية‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬الولاية‭ ‬الأمريكية‭. ‬هم‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬عبر‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭. ‬وليست‭ ‬الأحزاب‭ ‬التي‭ ‬حكمت‭ ‬العراق‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تحكمه‭ ‬بالعصا‭ ‬الطائفية‭ ‬اختراعا‭ ‬أمريكيا‭ ‬بل‭ ‬إنها‭ ‬انبعثت‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬العراقي‭ ‬المعاصر‭ ‬الغاص‭ ‬بالفتن‭ ‬الطائفية‭. ‬فالعراقي‭ ‬طائفي‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يعلن‭ ‬ذلك‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬العراقيين‭ ‬يفضلون‭ ‬نفايات‭ ‬إيران‭ ‬السامة‭ ‬على‭ ‬حدائق‭ ‬الغرب‭ ‬النضرة‭. ‬لذلك‭ ‬فإنهم‭ ‬حرموا‭ ‬أنفسهم‭ ‬من‭ ‬التمتع‭ ‬بمنافع‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬وقاوموه‭ ‬وألصقوا‭ ‬به‭ ‬جرائم‭ ‬ومجازر‭ ‬ضد‭ ‬الإنسانية‭ ‬ارتكبتها‭ ‬شركات‭ ‬أمنية‭ ‬جلبتها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مضطرة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ألا‭ ‬يمعن‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬في‭ ‬أخطائه‭ ‬ويكرر‭ ‬مهازله‭ ‬التي‭ ‬أبعدته‭ ‬عن‭ ‬الحضن‭ ‬البريطاني‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬ينفع‭ ‬فاختار‭ ‬الشعب‭ ‬العراقي‭ ‬السقوط‭ ‬في‭ ‬المستنقع‭ ‬الإيراني‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬ارتقاء‭ ‬مبنى‭ ‬أمباير‭ ‬ستيت‭ ‬في‭ ‬منهاتن‭.‬

كل‭ ‬هذه‭ ‬الهرطقات‭ ‬وسواها‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تُقال‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬ما‭ ‬يُسمى‭ ‬بالفشل‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬نفسها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬تعهدت‭ ‬بنشر‭ ‬‮«‬الديمقراطية‮»‬‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬لم‭ ‬تتعهد‭ ‬يوما‭ ‬ما،‭ ‬لا‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ ‬ولا‭ ‬في‭ ‬خضم‭ ‬كوارثه‭ ‬بأن‭ ‬تقيم‭ ‬دولة‭ ‬معاصرة‭ ‬وحية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ولم‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬إنشاء‭ ‬نظام‭ ‬سياسي‭ ‬حديث‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬مستعدة‭ ‬لوضع‭ ‬شركاتها‭ ‬في‭ ‬خدمة‭ ‬مشاريع‭ ‬تنموية،‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جزءا‭ ‬من‭ ‬برنامج‭ ‬إنقاذ‭ ‬ينتقل‭ ‬بالعراق‭ ‬من‭ ‬حقبة‭ ‬الحروب‭ ‬المتلاحقة‭ ‬إلى‭ ‬حقبة‭ ‬سلام،‭ ‬تكفي‭ ‬ثروته‭ ‬لتمويل‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تحتاجه‭ ‬تلك‭ ‬الحقبة‭ ‬من‭ ‬مقومات‭ ‬وعوامل‭ ‬تطور‭ ‬ورقي‭.‬

‭ ‬لم‭ ‬تُخبر‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬العراقيين‭ ‬بأن‭ ‬قواتها‭ ‬جاءت‭ ‬محررة‭ ‬وكان‭ ‬الفتح‭ ‬الأمريكي‭ ‬قد‭ ‬عبَّر‭ ‬عن‭ ‬أسوأ‭ ‬صور‭ ‬ترجمته‭ ‬الأهلية‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مجلس‭ ‬الحكم‭ ‬الذي‭ ‬أسسه‭ ‬الحاكم‭ ‬المدني‭ ‬الأمريكي‭ ‬ليكون‭ ‬صورة‭ ‬لنظام‭ ‬الحكم‭ ‬المستقبلي‭ ‬في‭ ‬العراق‭.‬

ولأن‭ ‬مجلس‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬الإنجاز‭ ‬السياسي‭ ‬الوحيد‭ ‬لسلطة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الأمريكي‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬الخيال‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬أدرك‭ ‬في‭ ‬وقت‭ ‬مبكر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الإقليمية‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينافس‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬الرغبة‭ ‬بإبقاء‭ ‬العراق‭ ‬دولة‭ ‬ضعيفة،‭ ‬منتهكة‭ ‬السيادة‭ ‬ومهددة‭ ‬دائما‭ ‬بنشوب‭ ‬حرب‭ ‬أهلية‭ ‬بين‭ ‬مكوناتها‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قد‭ ‬رعت‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬وقعت‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2006‭ ‬و2008‭ ‬فإن‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬ترعى‭ ‬حروبا‭ ‬أهلية‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭ ‬لها‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترى‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬حسب‭ ‬تعاليم‭ ‬مؤسس‭ ‬جمهوريتها‭ ‬الإسلامية‭ ‬الخميني‭ ‬سوى‭ ‬مسيرة‭ ‬جنائزية‭.‬

تختلف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬المسألة‭ ‬العراقية‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬عبر‭ ‬العشرين‭ ‬سنة‭ ‬الماضية‭ ‬هو‭ ‬تجسيد‭ ‬لتسوية‭ ‬أمريكية‭ ‬‭ ‬إيرانية‭. ‬

وليس‭ ‬من‭ ‬العقل‭ ‬أن‭ ‬يُقال‭ ‬إن‭ ‬إيران‭ ‬فاجأت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بحضورها‭ ‬الضخم‭ ‬في‭ ‬العراق‭. ‬تلك‭ ‬كذبة‭ ‬ينبغي‭ ‬عدم‭ ‬تصديقها‭. ‬

لقد‭ ‬تم‭ ‬التمهيد‭ ‬للغزو‭ ‬الأمريكي‭ ‬باتفاق‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬غير‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬الغزو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬أن‭ ‬يُنجز‭ ‬لولا‭ ‬تعاونها‭. ‬ولأنها‭ ‬تملك‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأسباب‭ ‬للانتقام‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬ومن‭ ‬شعبه‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬مساهمتها‭ ‬ضرورية‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬الغزاة‭ ‬الذين‭ ‬فتحوا‭ ‬حدود‭ ‬العراق‭ ‬لمليشياتها‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬سقط‭ ‬النظام‭ ‬العراقي‭.‬

اليوم‭ ‬تضغط‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬الحالي‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬خفض‭ ‬تبعية‭ ‬حكومته‭ ‬وليس‭ ‬العراق‭ ‬لإيران‭. ‬يمكن‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬تلك‭ ‬المقاربة‭ ‬المرنة‭. ‬

ليس‭ ‬هناك‭ ‬اعتراض‭ ‬أمريكي‭ ‬على‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬على‭ ‬العراق‭. ‬الاعتراض‭ ‬يضع‭ ‬الحكومة‭ ‬وحدها‭ ‬موضع‭ ‬المساءلة‭ ‬وبالأخص‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التحويلات‭ ‬المالية‭ ‬الصريحة‭ ‬التي‭ ‬تمر‭ ‬عبر‭ ‬نظام‭ ‬‮«‬سويفت‮»‬‭. ‬دائرة‭ ‬يمكن‭ ‬الهروب‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬اختراع‭ ‬سبل‭ ‬جديدة‭ ‬لتهريب‭ ‬الدولار‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬ومليشياتها‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬واليمن‭ ‬وسوريا،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬تعهد‭ ‬رئيس‭ ‬الحكومة‭ ‬العراقية‭ ‬لن‭ ‬يكون‭ ‬ملزما‭ ‬لقوى‭ ‬تحالف‭ ‬الإطار‭ ‬التنسيقي‭ ‬الموالية‭ ‬لإيران‭ ‬التي‭ ‬تدعمه‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التسوية‭ ‬الأمريكية‭ ‬‭ ‬الإيرانية‭.‬

عشرون‭ ‬سنة‭ ‬مرت‭ ‬على‭ ‬الغزو‭ ‬لم‭ ‬تكف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عن‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تُدير‭ ‬العجلة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬من‭ ‬مكانها‭. ‬ما‭ ‬من‭ ‬إجراء‭ ‬حقيقي‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬العراق‭ ‬على‭ ‬طريق‭ ‬استقلاله‭ ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمامه‭ ‬لتأكيد‭ ‬سيادته‭ ‬التي‭ ‬صارت‭ ‬مجرد‭ ‬وهم‭. ‬

حين‭ ‬دق‭ ‬الأمريكان‭ ‬جرس‭ ‬تهريب‭ ‬الدولار‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬فإنهم‭ ‬قد‭ ‬حصروا‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬دولارهم‭ ‬ولم‭ ‬يخفضوا‭ ‬من‭ ‬مستوى‭ ‬كراهيتهم‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬خاضوا‭ ‬فيه‭ ‬حروبا‭ ‬صغيرة‭ ‬ستظل‭ ‬تدينهم‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬الفلوجة‭.‬

 

{ كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا