عقب مرور عام على «الحرب الأوكرانية»، اجتمعت كلمة القادة والمسؤولين الغربيين على رفض تصرفات «موسكو»، وإعادة تأكيد دعمهم لاستقلال «كييف». وبهذه المناسبة، أكد الرئيس الأمريكي «جو بايدن»، أن إدارته «ستدافع عن السيادة الأوكرانية»، وأن التحالف الغربي «رفض قبول عالم يحكمه الخوف والقوة»؛ لكنّ مثل هذه المفاهيم القوية، والتصرفات الداعمة، قد غابت بشكل ملحوظ في رد «واشنطن»، على تصاعد العنف ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، الأمر الذي يدل على ازدواجية المعايير في الحالتين.
وتأكيدًا لهذا التحليل. ففي حين أيدت الدول الغربية مرارًا وتكرارًا، قرارات «الأمم المتحدة»، التي تدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتدعو إلى انسحاب فوري لقواتها في فبراير 2023، فقد لجأت «إدارة بايدن»، إلى «المناورات الدبلوماسية»، وممارسة نفوذها لوأد قرار من مجلس الأمن، يُدين توسيع إسرائيل للمستوطنات، والبؤر الاستيطانية غير القانونية.
وجاء أحدث اندلاع للعنف في الشرق الأوسط، في شكل هجوم وصفته «بيثان ماكيرنان»، في صحيفة «الجارديان»، بأنه حالة «اقتحام عنيف» من قبل المستوطنين الإسرائيليين في بلدة «حوارة»، بالضفة الغربية، والذي استشهد بسببه فلسطيني، وخلف أكثر من 350 جريحا، فضلًا عن حرق عشرات المنازل، وتدمير عدد لا يحصى من السيارات، وهو ما أثار انتقادات حادة من المعلقين والمحللين الغربيين، للحكومة الإسرائيلية وداعميها من الأمريكيين.
وبعد يوم واحد فقط من موافقة المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين على «التزام مشترك»، نحو تقليل التصعيد عقب المحادثات التي استضافتها «الأردن»، وأشرفت عليها «الولايات المتحدة»؛ أوضحت «ماكيرنان»، أن «أعمال الشغب التي قام بها المستوطنون في وقت متأخر من الليل»، أثارت الشكوك على الفور، بشأن جدوى تلك الاتفاقات، بحيث تحمل تأثيرا حقيقيا لتهدئة التوترات على الأرض. وفي رد فوري على هجمات 27 فبراير في بلدة «حوارة»، وصف «ديفيد غريتن»، من شبكة «بي بي سي»، الحادث بـ«عملية اقتحام»، قام بها المستوطنون الإسرائيليون، مضيفا أنه «غير مسبوق» من حيث حجمه ووحشيته، مؤكدا أنه «أسوأ حادثة عنف على يد المستوطنين منذ عقود».
وبالإشارة إلى الاتفاق الذي تم التوصل إليه في «الأردن»، قبل يوم واحد فقط من الهجوم؛ رأى «باتريك وينتور»، في صحيفة «الجارديان»، أن الهجمات في حوارة، «قضت على فرصة محدودة لهدوء الأوضاع»، والتي أوجدها الاتفاق «في غضون ساعات».
وسجل المراقبون الغربيون أيضًا كيف أن الهجمات الأخيرة، تشكل جزءًا من نمط العنف الإسرائيلي المتزايد في الأراضي المحتلة. وأوضح «غريتن»، أن قوات الأمن الإسرائيلية «نفذت موجات من عمليات البحث والاعتقال وجمع المعلومات الاستخبارية» في الأسابيع الأخيرة». كما أشار «مارتن تشولوف»، في صحيفة «الجارديان»، إلى أن الغارة التي شنها الجنود الإسرائيليون، والتي أسفرت عن استشهاد 11 فلسطينيا في مدينة نابلس، قد تمت مضاهاتها بـ«المذبحة»، كما تضاف إلى «الوضع القابل للاشتعال بالفعل» في الضفة الغربية.
وعلى الرغم من ذلك، اتخذت ردود فعل الحكومات والمسؤولين الغربيين إزاء هذا العمل العنيف، «شكلًا أكثر تحفظًا» بدرجة ملحوظة. وفي حين أبدى «الاتحاد الأوروبي»، «قلقه» من الهجمات، حث «نيل ويغان»، سفير بريطانيا لدى إسرائيل، الحكومة الإسرائيلية على «معالجة عنف المستوطنين»، مع تقديم المسؤولين عن ذلك «إلى العدالة»؛ كما بدا التحيز واضحا في الطريقة التي دعا بها المسؤولون الغربيون إلى تحلي الإسرائيليين والفلسطينيين بقدر أكبر من المسؤولية.
وكان وزير المالية الإسرائيلي، «بتسلئيل سموتريتش»، قد أصدر في وقت سابق خطابًا عدوانيًا، حث فيه الجيش الإسرائيلي على «ضرب الفلسطينيين من دون رحمة»، وباستخدام «الدبابات والمروحيات» في حوارة؛ وهو البيان الذي جعل «يائير لابيد»، رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، يؤكد أن البلدة كانت ضحية «لمليشيات سموتريتش». وحثت الإدانات اللاحقة للعنف من قبل «الاتحاد الأوروبي»، «السلطات من جميع الأطراف»، على «التدخل لوقف هذه الحلقة اللانهائية من العنف». وفي حين شجب «توم نيديس»، السفير الأمريكي في إسرائيل، هجومًا سابقًا ضد إسرائيليين، باعتباره «عملًا لا معنى له من أعمال العنف»؛ فقد التزم الصمت بشأن إدانة عنف المستوطنين الأكثر تدميرا ضد الفلسطينيين في حوارة.
وبصرف النظر عن التصريحات التي تدين العنف، فإن ازدواجية معايير الغرب تجاه الانتهاكات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، تتجلى بشكل أوضح على مستوى «الأمم المتحدة». وجاء قرار «الجمعية العامة»، في فبراير 2023، بتأكيد إدانة روسيا والدعوة إلى إنهاء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، وسحب قواتها، وحظي بتأييد كبير من قبل جميع أعضاء التحالف الغربي، واعتبره «جيك سوليفان»، مستشار الأمن القومي الأمريكي، «تعبيرا واضحا»، لـ«دفاع الغرب» عن الحرية للشعوب في أي مكان».
وعلى الرغم من تحذير «تور وينيسلاند»، منسق «الأمم المتحدة»، الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط المتكرر حول التصعيد وتدهور الوضع الأمني في المنطقة، وشجب الإجراءات الإسرائيلية في حوارة، بما في ذلك القول، بأنه «لا يوجد مبرر للحرق العمد، أو أعمال الانتقام ضد المدنيين الفلسطينيين»؛ فقد جاءت الاستجابة الأوسع للحكومات الغربية «ضعيفة»، في المنظمة متعددة الجنسيات.
وبشكل مباشر، تدخل الدبلوماسيين الأمريكيين لعرقلة قرار فلسطيني، يدين التوسعات الاستيطانية الإسرائيلية والانتهاكات في الأراضي المحتلة، وهو أمر أشار إليه «تشولوف»، أنه «كان سيشكل تطورًا مهمًا»، في «علاقة إسرائيل المتوترة»، بمنظمة الأمم المتحدة. وبدلاً من ذلك، تم «تفادي» هذا التصويت من خلال العديد من المناورات الدبلوماسية، التي قادها وزير الخارجية الأمريكي، «أنتوني بلينكين»، والذي استطاع انتزاع «تعهد من إسرائيل»، بتعليق التوسعات الاستيطانية، مقابل «بيان مخفف غير لاذع» من مجلس الأمن، والذي أكدت «إيديث ليدرير»، من «وكالة أسوشيتد برس»، أنه «لم يدن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، أو يطالب بوقفه».
ووفقًا لـ«أيمن محي الدين»، من شبكة «إم إس إن بي سي»، فإن «التناقض في طبيعة ردود الفعل الدولية»، تجاه أزمة الأوكرانيين والفلسطينيين في الأراضي المحتلة، «يثبت مرة أخرى»، أنه في نظر الحكومات الغربية «لا يمكن تقييم عمليات الاحتلال غير القانونية، والحروب العسكرية بالميزان نفسه». فبينما في «كييف»، يتم «الإشادة» بتقديم المساعدات المالية والأسلحة الثقيلة على اعتبار أنها تساعد في «الكفاح من أجل الحرية»، نجد أنه في الشرق الأوسط تقوم «الولايات المتحدة»، بالعكس تمامًا من خلال «تمويلها وحمايتها لكيان محتل». وبينما أدان «محي الدين»، الطريقة التي تقوم بها «روسيا»، بضم مزيد من الأراضي الأوكرانية، وتتسارع الدول الغربية «لإدانتها بقوة، وتعبئة المحافل الدولية لرفض مثل هذه الإجراءات»؛ لكن عندما تقوم إسرائيل بتوسيع مستوطناتها، وارتكاب أعمال عنف ضد الفلسطينيين في المقابل، فهي محمية من أدنى مساءلة دولية.
وعلى خلفية هذه المواقف، بدا تناقض الموقف الأمريكي «واضحًا»، بشكل أكبر، لاسيما في ضوء حقيقة أنه مع تولي متطرفين إسرائيليين لمناصب حكومية رفيعة المستوى لها نفوذ داخلي أكثر من «بنيامين نتنياهو»؛ هناك احتمال قوي بأن يتجاهل المسؤولون الإسرائيليون اتفاقياتهم السابقة مع الفلسطينيين، ويتذرعون بحماية أسس الأمن القومي؛ لتقويض محاولات تهدئة وتيرة التصعيد الراهنة.
وتأكيدًا لهذه الحقيقة، فإنه على الرغم من «بيان» العقبة، الذي قالت فيه إسرائيل، إنها «ستوقف المناقشات بشأن بناء وحدات استيطانية جديدة في الضفة الغربية المحتلة مدة أربعة أشهر»؛ فقد أصر «نتنياهو»، بعد ذلك بوقت قصير، على أن بناء وترخيص مستوطنات إسرائيلية جديدة «سيستمران وفقًا للتخطيط الأصلي، وجدول البناء المخطط له سابقًا». وهذا التناقض اعتبره «وينتور»، رمزًا «للسياسات الفوضوية التي يتبناها ائتلاف الحكومة الإسرائيلية، كما يعد «انعكاسًا» للقوة الكبيرة، «للمتشددين أمثال وزير المالية، «بتسلئيل سموتريتش»، ووزير الأمن القومي «إيتمار بن غفير».
وعلى الرغم من أن المسؤولين الأمريكيين، مثل السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة، «ليندا توماس جرينفيلد»، تحدثوا كثيرا عن «معارضة البيت الأبيض بشدة وبصورة غير مباشرة للتوسع الاستيطاني الإسرائيلي؛ إلا أن وجهة النظر السائدة بين المعلقين، هي أن «إدارة بايدن»، امتنعت عن توجيه أية انتقادات علنية خارجية تجاه إسرائيل، حتى مع تصاعد وتيرة الهجمات التي تستهدف الفلسطينيين العزل. ومع ذلك، سارع المراقبون الآخرون إلى شجب نهج الولايات المتحدة تجاه المنطقة، ودفاعها عن حكومة إسرائيلية يمينية تعمل على تفكيك المؤسسات والكيانات الديمقراطية بالفعل داخل بلادها.
وفيما يتعلق بالدور الأمريكي، أوضح «تشولوف»، أن الجهود الأمريكية لتهدئة التوترات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ظلت «ثابتة المستوى»، خلال «إدارة ترامب»، لكن سرعان ما ظهرت علامات واضحة على استئنافها بـ«مستوى غير مسبوق»، بعد عامين من رئاسة «جو بايدن». وأضاف «وينتور»، أن صعود الحكومة الأكثر يمينية في إسرائيل، وموجة «العنف المتصاعدة»، تفضح «التأثيرات الدبلوماسية غير الفعالة»، من قبل الغرب تجاه الشرق الأوسط، حيث إن المحادثات التي استضافتها الأردن، ما هي إلا «فرصة متأخرة للحد من أضرار «عدم تدخل الولايات المتحدة لتهدئة التصعيد الإقليمي».
من جانبه، أشار «محي الدين»، إلى تصريح السناتور الأمريكي، «بيرني ساندرز»، بأنه «قلق للغاية، مما يحدث للفلسطينيين، حيث اقترح أن تضع «الولايات المتحدة»، بعض الشروط المرتبطة بالدعم المالي والعسكري لإسرائيل، وهو ما توافق عليه العديد من السياسيين الأمريكيين، مؤخرًا ممن أدان أفعال إسرائيل وانتهاكاتها في الأراضي المحتلة».
ومع استمرار تصاعد التوترات والهجمات العنيفة، مثل تلك التي وقعت في مدينة «حوارة»، الفلسطينية، والتي من المقرر أن تصبح أكثر تكرارا، وإضرارًا مع مرور الوقت؛ خلص «وينتور»، إلى أن المسؤولين الأمريكيين الآن لديهم «قرار يتعين عليهم اتخاذه»، بشأن «ما إذا كانوا سيفعلون أكثر من مجرد دعوة خافتة ومؤقتة لضبط النفس من قبل كلا الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي»، وكذلك العمل لمواجهة «التشكيك في نزاهة الاتجاه الديمقراطي لإسرائيل واستقلاليته».
ونظرًا إلى سجلها الحافل في رفض الإدانات العلنية للانتهاكات الإسرائيلية؛ فإن التوقعات من «واشنطن»، بأن تضمن «المساءلة الكاملة»، و«الملاحقة القانونية للمسؤولين الإسرائيليين»، و«التعويض عن المنازل المدمرة والممتلكات المفقودة للفلسطينيين»، جراء الهجمات الأخيرة، هو ما «لا يتوقع حدوثه».
على العموم، فإن الهجمات العنيفة من قبل المستوطنين الإسرائيليين ضد الفلسطينيين في «حوارة»؛ يؤكد تحذيرات خبراء الشؤون الأمنية من أن المنطقة، تتجه نحو تصعيد لا يمكن السيطرة عليه، مع تشجيع المتطرفين الإسرائيليين، ودعمهم لأبعد حد من قبل حكومة يمينية. ومع حدوث ذلك، فإن الاتفاق الذي تم التوصل إليه في «الأردن»، بين المسؤولين الإسرائيليين والفلسطينيين قد بدا على الفور «غير ذي صلة»، بمحاولات التهدئة المستقبلية، لاسيما في ظل إصرار حكومة «نتنياهو»، مواصلة التوسعات، وعمليات الهدم المخطط لها من دون أي رادع.
وفي الأخير، أثارت هذه الوتيرة من العنف والتصعيد الإسرائيلي مرة أخرى انتقادات لاذعة للولايات المتحدة، ليس لمجرد تجاهلها، وعدم وجود مبادرة من جانبها للحد من التوترات؛ ولكن أيضًا لدعمها المستمر للحكومة الإسرائيلية، حيث لم تتخذ أية إجراءات حاسمة لوقف أو كبح هذه الأعمال.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك