يعد الاقتصاد الرقمي جزءا من عملية أوسع هي الرقمنة أو التحول الرقمي والذي يعرف بأنه استخدام التقنيات الرقمية الجديدة، مثل الهاتف المحمول، والذكاء الاصطناعي، والحوسبة السحابية، وسلسلة الكتل، وإنترنت الأشياء، وشبكات التواصل الاجتماعي والواقع المعزز والروبوتات وتحليل البيانات الكبيرة وغيرها من التقنيات المعاصرة لإحداث تطوير نوعي في العمليات التجارية، وفي الادارة والتخطيط المجتمعي ولتحسين تجربة العملاء.
كما عرف بأنه الاستثمار في الفكر وتغيير السلوك لإحداث تحول جذري في طريقة عمل قطاعات المجتمع، من خلال الاستفادة من التطور التكنولوجي لخدمة المستفيدين بشكل أسرع وأفضل، ويوفر التحول الرقمي قاعدة علمية ومعلوماتية واسعة لبناء مجتمعات فعالة، وتنافسية ومستدامة، عبر تحقيق تغيير جذري في الأداء ونوع الخدمات التي تعرضها مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع من مستهلكين وموظفين ومستفيدين، مع تحسين تجاربهم وإنتاجيتهم عبر سلسلة من العمليات المتناسبة، والمترافقة مع إعادة صياغة الإجراءات وإعادة هيكلة القواعد اللازمة للتفعيل والتنفيذ. ويتطلب التحول الرقمي تمكين وإطلاق ثقافة الإبداع والابتكار في بيئة العمل، إلى جانب تغيير هيكل العمل، بدءا من البنية التحتية، ونماذج التشغيل، وانتهاء بتسويق الخدمات والمنتجات، ما أدى إلى تأثير واسع ومتعدد الأوجه للتحول الرقمي على استراتيجيات الأعمال لاسيما التي يتم إعدادها للعقود القادمة ولمختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، الأمر الذي جعل التحول الرقمي يمتد إلى مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويحدث فيها تطورات جوهرية، ويسهم في تحقيق قيمة مضافة فيها مثل قطاعات النفط والغاز والزراعة والصناعة التحويلية والخدمات المالية والاتصالات والمواصلات والخدمات اللوجستية وريادة الأعمال والمدفوعات والنشاطات المالية والمصرفية الإلكترونية وجذب الاستثمار والتعليم والتدريب والقطاع الصحي والسياحة والثقافة والترفيه والخدمات الإسكانية والعقارية وأعمال الأمن وحفظ النظام وذلك باعتباره خدمات معززة ومكملة وموفرة لسلسلة القيمة فيها.
ويشير تقرير صدر مطلع عام 2023 وحمل عنوان الرقمنة السعودية 2023 إلى مؤشرات عالمية غاية في الأهمية تفصح عن الحجم الراهن للتحول الرقمي في العالم فقد بلغ مستخدمو الإنترنت (5.16) مليارات مستخدم يمثلون نسبة (64,4%) من عدد سكان العالم البالغ (8.01) مليارات نسمة، وبلغ عدد مستخدمي شبكات التواصل النشطين نحو (4.76) مليارات مستخدم يمثلون نسبة (59.4%) من سكان العالم، فيما بلغ عدد مستخدمي الهواتف المحمولة ( 5.44) مستخدمين.
أما الدول الأعلى استخداما للإنترنت في العالم فهي أيرلندا، السعودية، الإمارات، النرويج وبنسبة (99%) لكل منهم، وبلغت نسبة التسوق الإلكتروني لشراء منتج أو خدمة أسبوعيا (57,6%)، فيما بلغت نسبة استخدام خدمة الدفع الآجل (18,4%)، وجاءت تايلاند بالمركز الأول بنسبة (66,8%) تليها كوريا الجنوبية بنسبة (65,6%) واحتلت تركيا المركز الثالث بنسبة (64,6%)، وفي مجال الإنفاق على التجارة الإلكترونية احتلت الملابس المركز الأول تليها الإلكترونيات، فيما جاءت الألعاب بالمركز الثالث والأثاث بالمركز الرابع وأدوات التجميل بالمركز الخامس والأطعمة بالمركز السادس.
أما في مجال المدفوعات الرقمية فقد بلغ عدد المستخدمين نحو (4,14) مليارات مستخدم، فيما بلغ إجمالي القيمة السنوية لمدفوعات المستهلكين الرقمية نحو (8.49) مليارات دولار، وتتوزع أنماط المدفوعات الرقمية على المحافظ الرقمية بنسبة 45% والبطاقات المصرفية بأنواعها 32% والتحويل البنكي بنسبة 11% والدفع نقدا عند التوصيل بنسبة 4% وأنماط أخرى بنسبة 6%.
وبلغ الإنفاق على المحتوى الرقمي عالميا نحو (331.8) مليار دولار، وتعد جمهورية الهند أعلى دول العالم إنفاقا على المحتوى الرقمي بنسبة 81,6%، ثم المكسيك بالمركز الثاني وبنسبة 78,5%، تليها الصين وفيتنام بنسبة 78,2% لكل منهما.
أما أبرز المخاطر التي تواجه الاقتصاد الرقمي فتتمثل بالتهديد السيبراني واختراق أمن المعلومات والبيانات الذي رافق نمو الاقتصاد الرقمي وأضاف كلفا جديدة إليه، والذي يعرف بأنه الجرائم التي تستهدف النظم الرقمية والبنى التحتية والمعلوماتية للمؤسسات الحكومية والشركات الخاصة والأفراد من خلال اختراق وسرقة بيانات الهواتف وأجهزة الحاسوب والألواح الذكية وغيرها من التقنيات المعاصرة.
الأمم المتحدة والكيانات المرتبطة بها مجموع من الإجراءات لمكافحة الإرهاب السيبراني وأبرزها استراتيجية مكافحة الإرهاب السيبراني، فقد اتخذ مجلس الأمن عام 2017 القرار رقم 2341، حيث دعا الدول الأعضاء إلى «إنشاء أو تعزيز الشراكات الوطنية والإقليمية والدولية مع الجهات صاحبة المصلحة من القطاعين العام والخاص، بحسب الاقتضاء، لتبادل المعلومات والخبرات من أجل منع الهجمات الإرهابية على الهياكل الأساسية الحيوية والحماية منها والتخفيف من آثارها والتحقيق فيها ومواجهتها والتعافي من أضرارها، وذلك بوسائل منها التدريب المشترك واستخدام أو إنشاء شبكات ملائمة للاتصال والإنذار في حالات الطوارئ». وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك