الحج هو الركن الرابع من أركان الإسلام الخمسة، وسلامة هذا الركن في نفس المسلم، وقوة تماسكه فيما يحدثه من آثار اجتماعية في حياة المسلمين عمومًا. الحج إذًا هو التعبير العظيم لأمة الإسلام التي أشار إليها الحق سبحانه في قوله: (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الًأنبياء / 92.
إذًا، فحين تستقيم عقيدة الأمة في الإيمان بخالقها سبحانه وتعالى تتحقق وحدتها، ويعلم عدوها سر قوتها، وسبب تماسكها فلا يجرؤ على التعرض لها بسوء.
ومن آثار الحج الاجتماعية تجديد الولاء للخالق تعالى وذلك حين يرددون في يقين وثيق: «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك» هذا النداء العظيم والخالد يشعر الأمة بقوة انتمائها لعقيدة واحدة، وإله واحد لا شريك له سبحانه، ومعلوم أن من شروط هذه الوحدة أنهم يلهجون بالدعاء لإله واحد لا شريك له، وهم كذلك يتجهون في صلاتهم إلى جميع الجهات: الأصلية والفرعية، فيحققون بهذا الالتزام الصارم وحدة الأمة، وكمال الرسالة، قال تعالى: (..اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا) المائدة / 3.
أيضًا هم يتحدون في لباس واحد بحيث لا يتفاضل بعضهم على بعض بنفاسة ما يلبسون أو يملكون، وبهذا تحققت وحدة المظهر، فلا فرق بين غني وفقير، ولا بين واجد ومعدم، وتحقق لهم وحدة الجوهر والاتباع، وهم يناجون ربهم سبحانه وتعالى بدعاء اجتمعوا عليه بعد أن فرقتهم الغايات الأخرى، والمصالح المختلفة.
ولأن فريضة الحج قد تكون الرحلة الأخيرة في حياة المسلم، وقد تكون بلا عودة، فالحق سبحانه وتعالى يوصي عباده، ومن نوى الحج ويسره الله تعالى له بأن يعد نفسه إعدادًا يليق بعظمة هذه الزيارة لبيت وضعه الله تعالى للناس، ليتوجوا ويختموا حياتهم بهذه الزيارة التي يعلنون فيها انتماءهم لهذه الرسالة، كما يؤكدون بذلك صدق ولائهم لرب هذا البيت الذي أفاض عليهم سبحانه بالنعم الجزيلة، والعطايا الكثيرة، وهداهم إلى سواء السبيل، وصراطه المستقيم، يقول تعالى: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب) البقرة / 197.
وكأن الحق سبحانه وتعالى يأمر عباده المؤمنين الذين اختارهم واصطفاهم لزيارته، وقد تكون الزيارة الأخيرة التي يعلنون فيها الولاء لله تعالى، ويقدمون له فروض الطاعة سبحانه لهذه الزيارة ولما قد ينتج عنها وفيها من رفث وفسوق وجدال، فيأمرهم بأن يدربوا أنفسهم على كظم الغيظ، والتسامح لما قد ينشأ من ازدحام الحجاج، ما يصدر منهم بسبب اختلاف طبائعهم من الغضب وسوء التصرف، وهنا يجب على الحاج أن يتمالك نفسه، وأن يدفع نوازع الشر التي قد تحمله على رد الإساءة بمثلها وربما بأعظم منها، وهذا لن يتحقق ما لم يدرب المسلم نفسه على ضبط انفعالاته من خلال التدرب على مناسك الحج في بلاده حتى إذا جاء الأراضي المقدسة تجنب كل ما يثير الغضب، فيعبدون الله تعالى على علم، وهذا ما تقوم به بعض الدول الآسيوية حيث تنظم للراغبين في زيارة الأماكن المقدسة دورات تدريبية لأداء مناسك الحج.
ومن الأمور التي تلفت الانتباه ويستشعرها المسلم القادم من البلاد العربية احترام الشعوب الآسيوية لتعاليم الإسلام في الحج، وهذا كما سبقنا الإشارة إليه بسبب التدريب في بلادهم على أداء المناسك قبل أن يصلوا إلى الأراضي المقدسة، ويا ليت الشعوب الإسلامية الأخرى تنتهج نهجهم ويهيئوا أنفسهم لهذه الزيارة العظيمة التي قد تكون الرحلة الأخيرة في حياة المسلم وأن يجعلها مسك الختام لحياته.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك