لا يمر يوم إلا ونسمع عن تطبيقات ومنصات الاقتصاد الرقمي والبيئة الرقمية والتحول الرقمي والاقتصاد الافتراضي البنوك الرقمية ورقمنة البنوك والعملات الرقمية والبنوك الافتراضية والعملات الافتراضية والواقع الافتراضي ونسمع دعوات إلى رقمنة التعليم وإحلال الجامعات والمعاهد الافتراضية بدلا من نظم التعليم التقليدي بل تتفاخر الشركات والهيئات الحكومية والخاصة بتحقيقها تقدم في مجالات الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الافتراضي وتوفير البنية التحتية لهما ونتحدث كثيرا عن دورهما في الاندماج بالاقتصاد العالمي ونرفع القبعات كما يقال لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتحليل البيانات والتجارة الإلكترونية والتسويق الإلكتروني ومجتمع المعلومات والحكومة الرقمية والنفاذ الرقمي والذكاء الاصطناعي وتقنية البلوك تشين وتعدين البيتكوين والايثيريوم وحلول الدفع عبر الإنترنت والأجهزة المحمولة، بالإضافة إلى المحافظ الإلكترونية والحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء وتعلم الآلة والميتافيرس والسياحة الرقمية والعقارات والأسواق الافتراضية، فيما يعد الكثيرون أن التعافي من جائحة كورونا ما كان ليتحقق بهذه السرعة لولا التقدم الحاصل في الاقتصادين الرقمي والافتراضي، لا بل تتصاعد الدعوات إلى اعتماد الدول لاستراتيجيات وطنية للاقتصاد الرقمي لتضييق الفجوة الرقمية بينها وبين الدول المتقدمة رقميا وتحقيق القيمة الرقمية وأن تكون من منتجي الابتكار الرقمي وليس من مستهلكي الابتكار الرقمي فقط مع الأخذ في الاعتبار ضرورات تحقيق الأمن الرقمي والحد من المخاطر السيبرانية وإعادة تنميط مجالات الحياة كافة في ضوء معطيات الاقتصادين الرقمي والافتراضي، ومدحت دول بالقول إنها ترتدي ثوب الرقمية وأخرى بأنها تتجه سريعا نحو المستقبل الرقمي، ودول تتسم بالرخاء الرقمي ودول حققت مراكز متقدمة في مؤشر التنافسية الرقمية، وغيرها سيل جارف من المصطلحات والمقولات التي يرددها المحاضرون المتخصصون في العلوم الاقتصادية والمالية والإدارية والتقنية وتسود بها صفحات الكتب والمجلات العلمية والصحف اليومية في وقتنا الراهن، وخلقت نوعا من التشويه والإرباك وتداخل في التصورات لدى قطاع واسع من القراء بمن فيهم من هم على قدر طيب من العلم والمعرفة، وأشير هنا إلى سؤال وردني من أحد طلبة الدراسات العليا الذي يعشق القطاع الزراعي وولد وعاش في بيئة ريفية زراعية وأكمل دراسته الجامعية الأولية في الاقتصاد وقدم بحث الماجستير في الاقتصاد الزراعي ويرغب في كتابة أطروحته للدكتوراه في الاتجاه ذاته، إلا أنه كلما يستشير أحدا من اللامعين في الاقتصاد، كما أسماهم يقولون له انظر إلى الغد أنت في عصر الاقتصاد الرقمي والمستقبل سيكون للاقتصاد الافتراضي؟ وكانت نبرات صوته تعبر عن حزن دفين وهو يقول لي: أستاذي الفاضل هل فعلا ليس لنا مكان في المستقبل نحن الذين درسنا واجتهدنا في مجال الاقتصاد الحقيقي؟ وهل يمكن أن يعيش الناس من دون الاقتصاد الحقيقي؟ وهل يوفر الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الافتراضي خبزا ولحما وبيئة صحية للناس؟ وظل سيل أسئلته الحزينة يطرق مسامعي؟ فما كان مني إلا أن أقول له أنت الصح وغيرك ليس كله خطأ وسر على بركة الله وأكمل مشوارك العلمي بما اخترت. وها أنا انطلاقا من أن الكتابة والتحليل العلمي مسؤولية تاريخية وأخلاقية أجيب بطريقتي على انشغالات طالبي النجيب وهي تساؤلات بالتأكيد تساور العديد من القراء. وأقول: هل الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الافتراضي بديلان عن الاقتصاد الحقيقي والذي يطلق عليه بعض المترقمون بالاقتصاد التقليدي؟ وهل هما قادران على تحقيق التنمية المستدامة من دون الاقتصاد الحقيقي؟ والسؤال الأكثر أهمية هل الاقتصادان الرقمي والافتراضي اقتصادان وطنيان بنسبة مماثلة أو مقاربة للاقتصاد الحقيقي؟ وكالعادة سأبدأ ببيان مفاهيم وأهمية كل من الاقتصاد الرقمي والاقتصاد الافتراضي ثم ننتقل إلى الإجابة عن بقية الأسئلة، فقد عرف الاقتصاد الرقمي من قبل لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الاسكوا) بأنه الاقتصاد القائم على التكنولوجيا الرقمية ويستند على عدة مكونات منها البنية التحتية التقنية والأجهزة والبرمجيات والشبكات، بالإضافة إلى الآليات الرقمية التي تتم من خلالها الأعمال التجارية والأنشطة الاقتصادية كالتجارة الإلكترونية والمعاملات الإلكترونية التي تتم عبر شبكة الإنترنت، كما عرف بأنه الاقتصاد القائم على الإنترنت.
وللموضوع بقية في مقال قادم إن شاء الله.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك