لا تزال أصداء كارثة الزلزال الذي ضرب مناطق من تركيا وسوريا تستقطب اهتمام دول العالم أجمع ليس فقط بالنظر إلى حجم تلك الكارثة والتي خلفت حتى كتابة هذه السطور أكثر من 50 ألف قتيل وآلاف الجرحى بل لمئات القصص والمآسي الإنسانية التي ترتبت على تلك الكارثة وأدمت القلوب، تفاصيل الكارثة يعرفها الجميع أولاً بأول من خلال وسائل الإعلام بيد أن التساؤل المهم الذي فرض ذاته ليس فقط بالنسبة إلى الباحثين المهتمين بإدارة الكوارث والأزمات من بينهم كاتب المقال ولكن للحكومات أيضاً بشأن مدى توافر إجراءات احترازية ليس لمنع الكارثة ولكن للحد من آثارها والتعامل السريع معها وهذا هو جل المقال.
دائماً ما يرتبط مصطلح الأزمات بالكوارث أيضاً، وهما مصطلحان حظيا باهتمام العديد من الدول وربما كانت الدول الغربية هي الأكثر اهتماماً بهاتين القضيتين قبل أن ينتقل الاهتمام إلى منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي خلال العقود الماضية سواء من خلال استحداث مؤسسات معنية بالأزمات والكوارث في المنظمات الإقليمية وكذلك في بعض الوزارات بتلك الدول، إلا أن ما ينبغي تأكيده أنه في الوقت الذي تكون للأزمات بكل أنواعها مقدمات فإن الاختلاف الجذري بالنسبة إلى الكوارث هو أنها بلا مقدمات بل أنها تكون أكثر حدة إذا ما كانت كوارث مركبة أي تشمل عدة كوارث في وقت متزامن ولعل المثال الأبرز هنا هو الكارثة التي تعرضت لها اليابان في 11 مارس عام 2011 حيث شهدت اليابان زلزال بلغت قوته 9 ريختر ضرب السواحل الشرقية للبلاد وترتب عليه تسونامي تسبب في مقتل 15 ألف فرد وفقدان 2500 آخرين بالإضافة إلى انفجار بعض المفاعلات النووية، تلك الكارثة التي أطلق عليها الخطر الثلاثي حيث كان التحدي هائلاً أمام السلطات اليابانية التي كان يتعين عليها حماية السكان من خطر الإشعاع النووي وكذلك التسونامي نتيجة ارتفاع منسوب المياه وغمرها مناطق ساحلية بشكل غير مسبوق، من ناحية ثانية تعد كارثة مصنع بوبال في الهند عام 1984 هي الأشهر في مجال كوارث التسرب الإشعاعي ومضمونها باختصار حدوث تسرب للغاز السام من مصنع لإنتاج المبيدات الحشرية وتجاوز عدد القتلى 20 ألف وملايين المصابين جراء ذلك التسرب الذي أدى في ساعات معدودة إلى انهيار نظام المواصلات في المدينة وكذلك اضطراب كل مظاهر الحياة.
تلك الحوادث وغيرها تتطلب التفكير في استراتيجيات مواجهة الكوارث بمختلف أنواعها بما يتجاوز توصيف الأمر بأن هناك دولا تقع في حزام الزلازل وأخرى بعيدة عنها لأنه من القصور حصر المسألة في كوارث الزلازل فهناك تحديات أخرى عديدة بل والقائمة تزداد يوميا تلو الآخر ابتداءً بكوارث التلوث البحري والذي يعد تحدياً لكل الدول التي تعتمد على البحار في تجارتها الدولية ومروراً بكوارث التسرب الإشعاعي ليس فقط من مفاعلات نووية ولكن من منشآت صناعية أو انفجار مواد كيماوية على غرار انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس 2020 والذي وصفته بعض الجهات بأنه «الانفجار غير النووي الأكبر في التاريخ» والذي خلف 220 قتيلاً وأكثر من 7 آلاف جريح بالإضافة إلى الخسائر الهائلة في الممتلكات والشركات، وانتهاءً بكوارث الفيضانات والسيول والتي تكون أيضاً بلا مقدمات ويترتب عليها خسائر اقتصادية وآثار اجتماعية من بينها تشريد مئات الأسر مثلما حدث في باكستان غير ذي مرة وغيرها من دول أخرى عديدة.
ويعني ما سبق أن كل دولة في العالم قد تكون عرضة لإحدى الكوارث سواء الطبيعية مثل الزلازل والبراكين أو الفيضانات أو الصناعية من خلال حدوث تسربات إشعاعية من محطات نووية أو منشآت صناعية، وهو ما يثير تساؤلات حول الإجراءات الاحترازية المطلوبة لمواجهة الكوارث بمختلف أنواعها، صحيح أن استحداث مؤسسات معنية بالكوارث والأزمات تظل ضرورة استراتيجية ولكن في تصوري أن عمل تلك المؤسسات يجب أن يتضمن أمرين مهمين الأول: أن تكون هناك خطط لمواجهة كوارث على المستوى الكلي والجزئي في آن واحد بمعنى آخر يكون لدى تلك المراكز رؤية للتعامل مع كارثة على مستوى الدولة ككل وأخرى على مستوى قطاع محدد، والثاني: أن يكون هناك تحديد لآليات الأزمات وأخرى للكوارث، صحيح أن بعض التحديات ربما تنهي الحدود الفاصلة بين الأمرين كما كان عليه الحال خلال جائحة كورونا التي أطلقت عليها في مقالات سابقة «الأزمة الكارثية» فهي كارثة بالنظر إلى أنها لم تتضمن مقدمات وهي في الوقت ذاته أزمة بالنظر إلى ما رتبته من نتائج تطلبت تكاتف كل مؤسسات الدولة في دول العالم أجمع للتعامل معها على مدى زمني ناهز العامين، من ناحية أخرى يسود تصور خاطئ مفاده أن أجهزة الدولة الرسمية هي فقط المعنية بمواجهة الكوارث، صحيح أن تلك الأجهزة لديها الخطط والموارد وتحديد الأهداف ولكن الخبرات العملية أكدت الدور المحوري للمجتمع المدني وهنا يمكن الإشارة إلى ثلاثة أمثلة الأول: العمل التطوعي الخليجي خلال جائحة كورونا والذي كان له دور محوري في التكامل مع الجهود الحكومية لمواجهة آثار ذلك التحدي، والثاني: دور المجتمع المدني خلال الكارثة الثلاثية» الزلزال والتسونامي والتسرب النووي «في اليابان عام 2011، فقد برز دور منظمات المجتمع المدني في إيواء المشردين وكذلك انتظام العملية التعليمية من خلال فتح الأندية الرياضية كمدارس وتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطنين وهو الدور الذي كان محل تقدير ليس فقط داخل اليابان بل من جانب مؤسسات أمريكية معنية بتقييم إدارة الكوارث، والثالث: النشاط الملحوظ الذي تضطلع به الشبكة العالمية لمنظمات المجتمع المدني للحد من أخطار الكوارث والتي أطلقت استراتيجية متكاملة عام 2016 بعنوان «معا أقوى» وتتضمن إشراك المجتمع المدني وتعزيز قدراته وتمكينه للاضطلاع بدوره خلال مواجهة الكوارث مع الجهات الحكومية المعنية.
وفي تقديري أن الجانب الأهم ضمن استراتيجيات مواجهة الكوارث يتمثل في زيادة الوعي بشكل مستمر في مختلف القطاعات وبشأن كل التحديات المتوقعة بما يعزز الثقافة المجتمعية بهذا الشأن، وهنا تجدر الإشارة إلى أمر مهم للغاية وهو أنه مما يزيد من فداحة الكارثة هو عدم وجود وعي بكيفية التعامل معها وكان ذلك جلياً غير ذي مرة في كوارث الزلازل التي شهدتها عدة دول إذ توجد قواعد يتعين على الأفراد اتباعها حال تعرضهم لزلازل أو كوارث أخرى فعلى سبيل المثال خلال كارثة مصنع بوبال في الهند لم يستطع الأطباء تقديم الأدوية الصحيحة لعدم درايتهم بطبيعة الإصابات وأسبابها ومن ثم لم تكن إمكانية لإنقاذ حياة المئات من المصابين ما يثير التساؤلات حول دور الوعي بالكوارث لدى كل فئات المجتمع.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك