الزكاة هي الركن الثالث من أركان الإسلام، وهي والصلاة شقيقتان إذا ذُكرت الصلاة ذُكر بعقبها الزكاة، يقول تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين) البقرة / 43.
وقال تعالى: (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله إن الله بما تعملون بصير) البقرة/ 110.
وسميت الصلاة والزكاة بالشقيقتين ربما لأن الصلاة صلة بين الخالق سبحانه وبين المخلوق، والزكاة صلة بين الأغنياء والفقراء، وإذا كانت الصلاة عماد الدين، فإن الزكاة عماد المجتمع الفاضل، وللزكاة أثران واضحان، الأول: خاص بالأغنياء الذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم، وأما الأثر، أو الآثار العامة للزكاة فهي تعود بالنفع على الأصناف الثانية التي ذكرتهم آية الصدقات في قوله تعالى: (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفِي الرقاب والغارمين وفِي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) التوبة / 60.
وحديث القرآن عن أثر الزكاة، بل عن آثارها على المزكي نجدها في قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم والله سميع عليم) التوبة / 103.
وعند تدبر الآية الجليلة، ومحاولة تحليل النسبة المقررة للفقراء والمساكين في أموال الأغنياء نجدها بداية في تطهير المال من الحرام لأنه إذا أمسك الغني نصيب الفقراء والمساكين في ماله، فيعتبر غاصبًا لهذا المال ويجب أن يطهر ماله من هذا المال المغصوب، ثم تطهر قلبه من الشح والبخل والأثرة، وأيضًا تطهر كسبه وإنفاقه من هذا المال لأن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا.
ولقد لفت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نظر معاذ بن جبل وعنايته إلى أمر مهم جدًا بأنه حين يأخذ الزكاة من الأغنياء، أمره أن يتجنب كرائم أموالهم حتى لا يوغر صدورهم، فيبغضهم في أداء هذه الفريضة العظيمة، وأن يأخذ من أوسط ما يملكون.. انظروا إلى هذه الواقعية في أوامر الله تعالى ونواهيه ورعاية مصالح العباد الأغنياء منهم والفقراء. وانظروا أيضًا إلى لفتة واضحة الدلالة، بليغة العبارة وذلك حين قال له رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «وأخبرهم أن الله تعالى قد فرض في أموالهم نصيبًا يؤخذ من أغنيائهم ويرد إلى فقرائهم»! وكلمة «يرد» تشير وتؤكد أن نصيب الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء حق مغصوب لابد وأن يُرَدْ!
وأيضا من أثر الزكاة على المزكي زيادة ماله بالبركة لأن الدينار المزكى قوته الشرائية أكبر من القوة الشرائية للدينار غير المزكى، أما أعظم آثار الزكاة وأعلاها شأنًا، فهي صلاة الرسول (صلى الله عليه سلم) للمزكي أي دعاؤه له، ودعاء الرسول (صلى الله عليه وسلم) لا شك ولا ريب أنه مقبول، ومستجاب.
هذه بعض آثار الزكاة الاجتماعية للمزكي. وأما عن آثار الزكاة الاجتماعية في حياة الأمة، وبالأخص الأصناف الثمانية التي ذكرتهم آية الصدقات (التوبة/60) فإنها تخفف من معاناتهم، وتسد حاجاتهم، وتلبي الكثير من مطالبهم، وإذا لم تفِ الزكاة بحاجات هؤلاء فلولي الأمر من حكام المسلمين أن يأخذ من أموال الأغنياء ما يسد هذا العجز، ودليلنا على ذلك قوله تعالى: (وفِي أموالهم حق للسائل والمحروم) الذاريات /19.
أما حين أراد الحق سبحانه وتعالى أن يشير إلى فريضة الزكاة قال تعالى: (والذين في أموالهم حق معلوم (24) للسائل والمحروم (25)) سورة المعارج. فالزكاة حق معلوم للسائل والمحروم، أما ما زاد على الزكاة، فهو حق مشاع بقدر حاجة المجتمع، وبحسب ما يشرعه ولي الأمر.
والزكاة لهؤلاء الأصناف الذين ذكرتهم آية الصدقات(التوبة / 60) حق معلوم وخالص لهم بأداة الحصر «إنما» ولا تذهب إلى غيرهم حتى أنه إذا غاب صنف من هذه الأصناف يعاد توزيع حصته على السبعة الباقين ولا يخرج عنهم، وختام الآية 60 من سورة التوبة بكلمة «فريضة» وبدأها بأداة الحصر«إنما» ليؤكد أن الزكاة حق لهؤلاء الأصناف حصرًا دون سواهم لأن هذه الأصناف -كما هو واضح- هم غالبية طبقات المجتمع المحتاجين من الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الذين جاء ذكرهم في آية الصدقات حتى أنه إذا لم تسد الزكاة حاجاتهم لولي الأمر أن يفرض على الأغنياء قدرًا زائدًا على الزكاة يفي بهذه الحاجات.
وهناك بعض الأصناف الذين لا وجود لهم، فيحق لولي الأمر أن يحجب عنهم هذا السهم حتى تكون هناك حاجة إليهم كالمؤلفة قلوبهم في بداية الإسلام، ولما قوي الإسلام وأصبح في غير حاجة إلى تأليف قلوبهم اجتهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في منعه مؤقتًا حتى تكون هناك حاجة إليه، وكذلك سهم تحرير العبيد بعد أن نادت الأمم بتحرير العبيد. وبقية الأصناف التي تم تعليقها وليس إلغاءها حتى تعود الحاجة إليها.
إذًا، فالمزكي أيًا كان القدر الذي يخرجه زكاة من ماله يسهم بشكل من الأشكال في تخفيف العبء عن الفقراء والمساكين وبقية الأصناف الذين جاء ذكرهم، والإشارة إليهم في سورة التوبة الآية (60)، ولو أخرج المسلمون القادرون على دفع الزكاة، زكاة أموالهم لما بقي في المجتمع الإسلامي فقراء يتكففون الناس، ولتطهرت أموال المسلمين وزادت القوة الشرائية لدنانيرهم المزكاة، ولحق لهم دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، وحفت البركة في أزواجهم وذرياتهم، ولقد استغنى المسلمون في خلافة عمر بن عبدالعزيز(رضي الله عنه) وكان عمال الزكاة يطوفون الأمصار ولا يجدون من يأخذ الزكاة منهم، فكان عمر بن عبدالعزيز يأمرهم بالبر بأهل الذمة من أهل الكتاب من اليهود والنصارى، حتى إذا استغنى هؤلاء، قال لهم انثروا الحب عل رؤوس الجبال وفِي الأودية للطير.
إنه الإسلام العظيم الذي يرعى مصالح، ويسعى إلى حل ما يواجهون من مشكلات، ويعمل جاهدًا على حفظ الحقوق والدفاع عن الحريات، والمال في الإسلام مال الأمة وحق الحاكم فيه مثل كافل اليتيم، يقول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): أنا في أموالكم ككافل اليتيم إن استغنيت استعففت، وإن افتقرت أكلت بالمعروف!.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك