العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٦ - الثلاثاء ٠٣ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٠٢ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

عالم من خزف!

{‭ ‬تشبيه‭ ‬تثيره‭ ‬الذاكرة‭ ‬الشعبية‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬حين‭ ‬يعم‭ ‬التدمير‭ ‬وتعم‭ ‬الفوضى‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬ما‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬يشبه‭ ‬دخول‭ ‬ثور‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬من‭ ‬خزف‭! ‬ولكن‭ ‬كيف‭ ‬يتم‭ ‬وصف‭ ‬الحال‭ ‬حين‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬الغرفة‭ ‬بمساحة‭ ‬العالم‭ ‬كله‭! ‬وهي‭ ‬مساحة‭ ‬هائلة‭ ‬وتحمل‭ ‬على‭ ‬ظهرها‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الخليقة‭ ‬تنوعات‭ ‬هائلة‭ ‬بدورها‭ ‬من‭ ‬البشر‭ ‬والخلائق‭ ‬والأيديولوجيات‭ ‬والثقافات‭ ‬والحضارات‭ ‬والمعتقدات‭ ‬فإذا‭ ‬بوحش‭ ‬واحد‭ ‬تسنده‭ ‬وحوش‭ ‬أخرى‭ ‬عن‭ ‬بعد‭ ‬وهي‭ ‬في‭ ‬الحصيلة‭ ‬العالمية‭ ‬مجرد‭ ‬جزء‭ ‬بسيط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم،‭ ‬فإذا‭ ‬بالوحش‭ ‬المدعوم‭ ‬بكل‭ ‬آليات‭ ‬التخريب‭ ‬والقتل‭ ‬والتدمير‭ ‬والإبادة‭ ‬يتخبط‭ ‬بين‭ ‬فضاءات‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المتنوع،‭ ‬ليستفرد‭ ‬أولا‭ ‬بشعب‭ ‬صغير‭ ‬كالذي‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬ثم‭ ‬ببقية‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الضفة،‭ ‬ثم‭ ‬ينتقل‭ ‬إلى‭ ‬الجوار‭ ‬اللبناني‭ ‬فيمارس‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬من‭ ‬تكسير‭ ‬ولكأنه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬خزف‭ ‬أو‭ ‬أرض‭ ‬مليئة‭ ‬بالخزف‭ ‬التي‭ ‬حول‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬فيها‭ ‬إلى‭ ‬حالة‭ ‬خزفية‭ ‬قابلة‭ ‬للكسر‭ ‬والتدمير‭ ‬والتخريب‭!‬

{‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬نقصد‭ ‬والمجنون‭ ‬بالفتك‭ ‬والقتل‭ ‬والمدعوم‭ ‬من‭ ‬مجانين‭ ‬ووحوش‭ ‬شيطانية‭ ‬أسقط‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬الواسع‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنه‭ ‬ثور‭ ‬يتخبط‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬ضيقة‭ ‬خزفية‭! ‬لقد‭ ‬أسقط‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬كل‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وداسها‭! ‬وأسقط‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬وجرفها‭ ‬في‭ ‬وحل‭ ‬وحشيته‭! ‬تحدى‭ ‬المؤسسات‭ ‬الأممية‭ ‬والأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وطالب‭ ‬بمعاقبتها‭ ‬لأنها‭ ‬تنتقد‭ ‬وحشيته‭! ‬وفيما‭ ‬هو‭ ‬يقوم‭ ‬بكل‭ ‬ذلك‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ممارسات‭ ‬الإبادة‭ ‬ويتحدى‭ ‬البشرية‭ ‬بأكملها‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭! ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أم‭ ‬يمسك‭ ‬زمامه‭ ‬ليكف‭ ‬عن‭ ‬هيجانه‭ ‬في‭ ‬القتل‭ ‬والإبادة‭ ‬والتدمير‭! ‬بل‭ ‬يسير‭ ‬قادته‭ ‬أمام‭ ‬شاشات‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬خيلاء‭ ‬بما‭ ‬ينجزه‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬مشهرا‭ ‬أمام‭ ‬الجميع‭ ‬سطوة‭ ‬وقوة‭ ‬البيت‭ ‬الأسود‭ ‬الذي‭ ‬يدعمه‭ ‬والمملكة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬البريطانية‭ ‬التي‭ ‬أذاقت‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬الويلات‭ ‬عبر‭ ‬عقود‭ ‬متواصلة‭ ‬وبقية‭ ‬من‭ ‬قوى‭ ‬غربية‭ ‬تخلت‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬تسميه‭ ‬بمبادئ‭ ‬حضارتها‭!‬

{‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬ما‭ ‬يتأبط‭ ‬به‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬وقد‭ ‬حوّل‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬إلى‭ ‬مستنقع‭ ‬وعالم‭ ‬من‭ ‬الخزف‭! ‬يكسر‭ ‬فيه‭ ‬ما‭ ‬يشاء‭ ‬ويكبله‭ ‬بقيود‭ ‬توراتية‭ ‬ملفقة‭! ‬وأساطير‭ ‬وخرافات‭ ‬تعطيه‭ ‬الحق‭ ‬اللاهوتي‭ ‬ليقتل‭ ‬ويفتك‭! ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬يهم‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬وضع‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أمام‭ ‬حقيقة‭ ‬نفسه‭ ‬وحقيقة‭ ‬ضعفه‭ ‬واهتراء‭ ‬نظامه‭ ‬الدولي‭ ‬وعدم‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬من‭ ‬يفتك‭ ‬بإنسانيته‭ ‬وقيمه‭ ‬وحضاراته‭ ‬وتاريخه‭! ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬أشاع‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬خلال‭ ‬عام‭ ‬واحد‭ ‬وأكثر‭ ‬كمًّا‭ ‬من‭ ‬البشاعات‭ ‬والوحشية‭ ‬والعنف‭ ‬والشيطانية‭ ‬غير‭ ‬المألوفة‭ ‬وغير‭ ‬المعتادة‭! ‬حتى‭ ‬حوّل‭ ‬فرجة‭ ‬العالم‭ ‬على‭ ‬بطشه‭ ‬إلى‭ ‬شريك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬حرب‭ ‬خارج‭ ‬إرادته‭ ‬أو‭ ‬بها‭!‬

{‭ ‬ما‭ ‬يهم‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يبقى‭ ‬العالم‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬عاجزا‭ ‬عن‭ ‬إيقاف‭ ‬تخبطات‭ ‬الثور‭ ‬الصهيوني‭ ‬وهو‭ ‬ينثر‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الخزف‭ ‬البشري‭ ‬أطفالا‭ ‬بلا‭ ‬رؤوس‭ ‬وبشرا‭ ‬يحترقون‭ ‬وهم‭ ‬أحياء‭ ‬ومدنا‭ ‬تتهدم‭ ‬على‭ ‬رؤوس‭ ‬أصحابها‭ ‬ومستشفيات‭ ‬ومراكز‭ ‬إيواء‭ ‬يتم‭ ‬حرقها‭ ‬وخياما‭ ‬يتم‭ ‬جرفها‭ ‬وسماء‭ ‬يحولها‭ ‬إلى‭ ‬دخان‭ ‬أسود‭ ‬وأشلاء‭ ‬وجثثا‭ ‬بعشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تحت‭ ‬ركام‭ ‬الجرائم‭ ‬السوداء‭ ‬فيما‭ ‬الثور‭ ‬سعيد‭ ‬بما‭ ‬يفعل‭ ‬بل‭ ‬يتباهى‭ ‬ويهدد‭ ‬بقية‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬أخرى‭ ‬بأنه‭ ‬مستمر‭ ‬لتوسيع‭ ‬رقعة‭ ‬تخبطه‭ ‬في‭ ‬عالمهم‭ ‬الذي‭ ‬يراه‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬خزف‭ ‬يسهل‭ ‬تدميره‭ ‬وتكسيره‭ ‬إن‭ ‬أراد‭!‬

{‭ ‬لقد‭ ‬عرفنا‭ ‬كبشر‭ ‬الجنون‭ ‬لكننا‭ ‬لم‭ ‬نشهده‭ ‬في‭ ‬أقصى‭ ‬حالاته‭ ‬الفالتة‭ ‬إلا‭ ‬متجسدا‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬الصهيوني‭ ‬وفي‭ ‬الغرب‭ ‬الداعم‭ ‬له‭! ‬ولقد‭ ‬عرفنا‭ ‬الوحشية‭ ‬والهمجية‭ ‬من‭ ‬كتب‭ ‬التاريخ،‭ ‬ولكن‭ ‬لأول‭ ‬مرة‭ ‬نراها‭ ‬تمتد‭ ‬بفعل‭ ‬يومي‭ ‬لأكثر‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬قابل‭ ‬للتجديد‭! ‬إنها‭ ‬الوحشية‭ ‬والهمجية‭ ‬المتجسدة‭ ‬أمام‭ ‬أنظار‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬لحظة‭ ‬بلحظة‭ ‬فيما‭ ‬صراخ‭ ‬الأطفال‭ ‬وبكاء‭ ‬النساء‭ ‬لا‭ ‬يحرك‭ ‬ساكنا‭ ‬في‭ ‬أحد‭! ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬قتل‭ ‬المرضى‭ ‬في‭ ‬المستشفيات‭ ‬أو‭ ‬حرق‭ ‬خيامهم‭!‬

{‭ ‬لقد‭ ‬عرفنا‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ (‬انفصامات‭ ‬سيكولوجية‭) ‬بحسب‭ ‬توصيفات‭ ‬علم‭ ‬النفس‭ ‬ولكنه‭ ‬العلم‭ ‬الذي‭ ‬يقف‭ ‬عاجزا‭ ‬أمام‭ ‬توصيف‭ ‬انفصامات‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬السيكولوجية‭ ‬بين‭ ‬العلم‭ ‬والخرافة‭ ‬والأساطير‭! ‬وتبرير‭ ‬الإبادة‭ ‬وجرائم‭ ‬الحرب‭ ‬حتى‭ ‬بلغ‭ ‬الفصام‭ ‬أبعد‭ ‬مدى‭ ‬له‭ ‬ليستغيث‭ ‬الوحش‭ ‬وهو‭ ‬يقتل‭ ‬مِن‭ ‬الذي‭ ‬يقتله‭! ‬ويسترحم‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬يحرق‭ ‬ويبيد‭ ‬ويتباهى‭ ‬بما‭ ‬يفعل‭! ‬ثم‭ ‬يسجل‭ ‬سردية‭ ‬بكائية‭ ‬أمام‭ ‬ميكروفونات‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬وميكروفونات‭ ‬العالم‭ ‬أنه‭ ‬الضحية‭! ‬لقد‭ ‬عرف‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬يعرفه‭ ‬من‭ ‬الهمجية‭ ‬والبربرية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الوحش‭ ‬ومن‭ ‬خلفه‭ ‬من‭ ‬وحوش‭ ‬أو‭ ‬شياطين‭ ‬العالم‭! ‬الذين‭ ‬يكررون‭ ‬أمام‭ ‬مسامع‭ ‬التلفزة‭ ‬والفضائيات‭ ‬قدسية‭ ‬وحشيتهم‭ ‬وخروجهم‭ ‬عن‭ ‬الإنسانية،‭ ‬بل‭ ‬والحيوانية‭! ‬ويربطوا‭ ‬ذلك‭ ‬بتعاليم‭ ‬كتابهم‭ ‬المقدس‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أكالوا‭ ‬عليه‭ ‬تراب‭ ‬تلفيقاتهم‭ ‬وأساطيرهم‭ ‬فاعتبروا‭ ‬أن‭ ‬قتل‭ ‬الأطفال‭ ‬والنساء‭ ‬والرضع‭ ‬والحوامل‭ ‬وإبادة‭ ‬البشر‭ ‬والحجر‭ ‬والتدمير‭ ‬والحرق‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬تعاليم‭ ‬إلههم‭ ‬الذي‭ ‬جعلهم‭ ‬سادة‭ ‬العالم‭ ‬وغيرهم‭ ‬عبيدا‭! ‬وليحولوا‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬من‭ ‬خزف‭ ‬طالما‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يجابه‭ ‬خزعبلاتهم‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا