عندما ينهار زواج ويختار كلا الأبوين الانفصال، لا ينبغي أن يكون هذا القرار بمثابة زلزال يهز حياة الأطفال. هؤلاء الصغار هم أمانة في أعناقنا، وأمل المستقبل الذي نسعى إلى تحقيقه. قرار الانفصال قد يعني نهاية لعلاقة زوجية، لكنه يمكن أن يكون بداية لتعاون جديد يهدف إلى حماية الأطفال والعناية بهم. في هذه اللحظات الحساسة، يتعين على الطرفين تجاوز الخلافات ووضعها جانبا لضمان بيئة مستقرة وداعمة للأبناء، ما يتيح نموهم بثقة وأمان.
لكي يكون الطفل شخصية متوازنة، يحتاج إلى أن يشعر بأنه محاط بالرعاية والحب من كلا والديه، حتى في أصعب الظروف. هذا الشعور بالأمان يأتي من وجود الأبوين في حياته على قدم المساواة، حيث يتقاسمان المسؤولية في تقديم الدعم اللازم له. لذلك، أصبح من الضروري أن يشترك الوالدان في موضوع الحضانة بنفس القدر، فالحضانة ليست مجرد ترتيب قانوني، بل هي التزام أخلاقي يضمن نمو الطفل في بيئة مليئة بالمحبة والاستقرار. الأمر الذي يدعم شعوره بالانتماء، وينمي تطوره النفسي السليم.
في ظل التغيرات الاجتماعية والتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا اليوم، يبدو من الملائم إعادة النظر في التشريعات المتعلقة بالحضانة لضمان توافقها مع مصالح أطفالنا ومستقبلهم. إن تحديث هذه القوانين بشكل يتماشى مع التطورات الاجتماعية، قد يعزز من استقرار الأطفال النفسي، كما أن أي تعديل يمكن أن يكون أكثر فعالية إذا تم بالتشاور مع أهل الاختصاص في مجالات تنمية الطفل والعلاقات الأسرية والنفسية، والاستفادة من التجارب الدولية الناجحة في هذا الصدد. مثل هذه المبادرات يمكن أن تسهم في تحسين جودة حياة أبنائنا وتقوية نسيجهم الاجتماعي، بما يضمن استمرار تقدمهم .
تشير أبحاث نشرت في «Journal of Family Psychology» عام 2017 إلى أن الأطفال الذين يعيشون في ترتيبات حضانة مشتركة يتمتعون بعلاقات أفضل مع كلا الأبوين مقارنةً بأولئك الذين يعيشون مع أحد الوالدين فقط. هذه الدراسات توضح أن الحضانة المشتركة تساعد الأطفال على تطوير مهارات اجتماعية أقوى وتحسن من أدائهم الدراسي، مما يقوي من استقرارهم العاطفي والاجتماعي. ووفقا لدراسة أخرى في «Journal of Adolescence» عام 2020، فإن الحضانة المشتركة تقلل من تأثيرات التوتر الناتج عن الطلاق، إذ توفر للأطفال بيئة أكثر استقرارًا ودعما، مما يسهم في تنمية شخصياتهم بشكل متوازن.
تجربة السويد التي أقر قانون الحضانة المشتركة فيها عام 1976، توضح كيف يمكن للانفصال أن يكون بداية جديدة للتعاون حيث تكشف التجربة أن هذا النظام ساهم بشكل كبير في تحسين حياة الأطفال بعد الانفصال.
الأطفال في السويد الذين يعيشون في ترتيبات حضانة مشتركة يظهرون مستويات أعلى من الرضا والسعادة مقارنةً بأقرانهم في أنظمة الحضانة التقليدية. ما يحفز إلى ضرورة اعتماد نهج الحضانة المشتركة الذي بدوره سيسهم في الدعم العاطفي الذي يحتاجه الأطفال من كلا الأبوين، حتى في حالة الانفصال.
عالم النفس الشهير جون بولبي، المعروف بنظرية التعلق، التي تركز على أهمية الروابط العاطفية بين الطفل والوالدين كأساس للتطور العاطفي، يؤكد أن «الارتباط الآمن مع الوالدين هو أساس التطور العاطفي المستقر»، وهو ما يفسر أهمية وجود الوالدين معا في حياة الطفل حتى في حالة الانفصال. بولبي تعاون مع د. ماري أينسورث، وهي عالمة نفس أمريكية كندية، معروفة بأبحاثها في مجال التطور العاطفي لدى الأطفال. ساهمت د. أينسورث في تطوير نظرية التعلق، وركزت أبحاثها على أهمية التفاعل بين الطفل والوالدين في بناء شعور الطفل بالأمان. ووفقا لها: وجود الوالدين بشكل متوازن في حياة الطفل يعزز من شعوره بالأمان والثقة بالنفس، إلى جانب قدرته على التواصل بشكل أكبر وحل المشكلات، والتي بدورها تمهد الطريق لنموه النفسي السليم.
لكن لا يمكننا أن نتجاهل أن بعض الأطفال قد يواجهون تحديات أكبر إذا كان أحد الوالدين غير قادر على تقديم الرعاية اللازمة. مثل الحالات التي يكون فيها أحد الوالدين يعاني من مشاكل صحية أو نفسية أو غيرها مما يؤثر في قدرته على العناية بالطفل. في مثل هذه الحالات، يجب أن تكون مصلحة الطفل فوق كل اعتبار، والبحث عن حلول تضمن له مناخ آمن ومستقر.
في النهاية، أطفالنا هم الاستثمار الأهم الذي نملكه. وهم الذين سيحملون شعلة التقدم والنهضة في المجتمع. لذا، يجب أن نتكاتف جميعا لضمان أن ينشأ هؤلاء الأطفال في ظروف مليئة بالحب والسكينة، بعيدًا عن صراعات الكبار. متجاوزين الخلافات الشخصية وساعين إلى ضمان بيئة تدعم نموهم وازدهارهم وتكون رعايتهم أولويتنا القصوى.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك