العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الحضانة المشتركة جسر الأمان لأطفالنا

بقلم: نبيلة رجب

الاثنين ٠٧ أكتوبر ٢٠٢٤ - 02:00

عندما‭ ‬ينهار‭ ‬زواج‭ ‬ويختار‭ ‬كلا‭ ‬الأبوين‭ ‬الانفصال،‭ ‬لا‭ ‬ينبغي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬بمثابة‭ ‬زلزال‭ ‬يهز‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭. ‬هؤلاء‭ ‬الصغار‭ ‬هم‭ ‬أمانة‭ ‬في‭ ‬أعناقنا،‭ ‬وأمل‭ ‬المستقبل‭ ‬الذي‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقه‭. ‬قرار‭ ‬الانفصال‭ ‬قد‭ ‬يعني‭ ‬نهاية‭ ‬لعلاقة‭ ‬زوجية،‭ ‬لكنه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬لتعاون‭ ‬جديد‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬حماية‭ ‬الأطفال‭ ‬والعناية‭ ‬بهم‭. ‬في‭ ‬هذه‭ ‬اللحظات‭ ‬الحساسة،‭ ‬يتعين‭ ‬على‭ ‬الطرفين‭ ‬تجاوز‭ ‬الخلافات‭ ‬ووضعها‭ ‬جانبا‭ ‬لضمان‭ ‬بيئة‭ ‬مستقرة‭ ‬وداعمة‭ ‬للأبناء،‭ ‬ما‭ ‬يتيح‭ ‬نموهم‭ ‬بثقة‭ ‬وأمان‭.‬

لكي‭ ‬يكون‭ ‬الطفل‭ ‬شخصية‭ ‬متوازنة،‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يشعر‭ ‬بأنه‭ ‬محاط‭ ‬بالرعاية‭ ‬والحب‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬والديه،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬أصعب‭ ‬الظروف‭. ‬هذا‭ ‬الشعور‭ ‬بالأمان‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬وجود‭ ‬الأبوين‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬المساواة،‭ ‬حيث‭ ‬يتقاسمان‭ ‬المسؤولية‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬الدعم‭ ‬اللازم‭ ‬له‭. ‬لذلك،‭ ‬أصبح‭ ‬من‭ ‬الضروري‭ ‬أن‭ ‬يشترك‭ ‬الوالدان‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬الحضانة‭ ‬بنفس‭ ‬القدر،‭ ‬فالحضانة‭ ‬ليست‭ ‬مجرد‭ ‬ترتيب‭ ‬قانوني،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬التزام‭ ‬أخلاقي‭ ‬يضمن‭ ‬نمو‭ ‬الطفل‭ ‬في‭ ‬بيئة‭ ‬مليئة‭ ‬بالمحبة‭ ‬والاستقرار‭. ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬يدعم‭ ‬شعوره‭ ‬بالانتماء،‭ ‬وينمي‭ ‬تطوره‭ ‬النفسي‭ ‬السليم‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬التغيرات‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والتحديات‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬اليوم،‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬الملائم‭ ‬إعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬التشريعات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بالحضانة‭ ‬لضمان‭ ‬توافقها‭ ‬مع‭ ‬مصالح‭ ‬أطفالنا‭ ‬ومستقبلهم‭. ‬إن‭ ‬تحديث‭ ‬هذه‭ ‬القوانين‭ ‬بشكل‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬التطورات‭ ‬الاجتماعية،‭ ‬قد‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬استقرار‭ ‬الأطفال‭ ‬النفسي،‭ ‬كما‭ ‬أن‭ ‬أي‭ ‬تعديل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬أكثر‭ ‬فعالية‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬بالتشاور‭ ‬مع‭ ‬أهل‭ ‬الاختصاص‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تنمية‭ ‬الطفل‭ ‬والعلاقات‭ ‬الأسرية‭ ‬والنفسية،‭ ‬والاستفادة‭ ‬من‭ ‬التجارب‭ ‬الدولية‭ ‬الناجحة‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭. ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المبادرات‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تسهم‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬جودة‭ ‬حياة‭ ‬أبنائنا‭ ‬وتقوية‭ ‬نسيجهم‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬بما‭ ‬يضمن‭ ‬استمرار‭ ‬تقدمهم‭ .‬

تشير‭ ‬أبحاث‭ ‬نشرت‭ ‬في‭ ‬‮«‬Journal‭ ‬of‭ ‬Family‭ ‬Psychology‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2017‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ترتيبات‭ ‬حضانة‭ ‬مشتركة‭ ‬يتمتعون‭ ‬بعلاقات‭ ‬أفضل‭ ‬مع‭ ‬كلا‭ ‬الأبوين‭ ‬مقارنةً‭ ‬بأولئك‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬مع‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬فقط‭. ‬هذه‭ ‬الدراسات‭ ‬توضح‭ ‬أن‭ ‬الحضانة‭ ‬المشتركة‭ ‬تساعد‭ ‬الأطفال‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬مهارات‭ ‬اجتماعية‭ ‬أقوى‭ ‬وتحسن‭ ‬من‭ ‬أدائهم‭ ‬الدراسي،‭ ‬مما‭ ‬يقوي‭ ‬من‭ ‬استقرارهم‭ ‬العاطفي‭ ‬والاجتماعي‭. ‬ووفقا‭ ‬لدراسة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬‮«‬Journal‭ ‬of‭ ‬Adolescence‮»‬‭ ‬عام‭ ‬2020،‭ ‬فإن‭ ‬الحضانة‭ ‬المشتركة‭ ‬تقلل‭ ‬من‭ ‬تأثيرات‭ ‬التوتر‭ ‬الناتج‭ ‬عن‭ ‬الطلاق،‭ ‬إذ‭ ‬توفر‭ ‬للأطفال‭ ‬بيئة‭ ‬أكثر‭ ‬استقرارًا‭ ‬ودعما،‭ ‬مما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تنمية‭ ‬شخصياتهم‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭.‬

تجربة‭ ‬السويد‭ ‬التي‭ ‬أقر‭ ‬قانون‭ ‬الحضانة‭ ‬المشتركة‭ ‬فيها‭ ‬عام‭ ‬1976،‭ ‬توضح‭ ‬كيف‭ ‬يمكن‭ ‬للانفصال‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بداية‭ ‬جديدة‭ ‬للتعاون‭ ‬حيث‭ ‬تكشف‭ ‬التجربة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬ساهم‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬تحسين‭ ‬حياة‭ ‬الأطفال‭ ‬بعد‭ ‬الانفصال‭.‬

‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬الذين‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬ترتيبات‭ ‬حضانة‭ ‬مشتركة‭ ‬يظهرون‭ ‬مستويات‭ ‬أعلى‭ ‬من‭ ‬الرضا‭ ‬والسعادة‭ ‬مقارنةً‭ ‬بأقرانهم‭ ‬في‭ ‬أنظمة‭ ‬الحضانة‭ ‬التقليدية‭. ‬ما‭ ‬يحفز‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬اعتماد‭ ‬نهج‭ ‬الحضانة‭ ‬المشتركة‭ ‬الذي‭ ‬بدوره‭ ‬سيسهم‭ ‬في‭ ‬الدعم‭ ‬العاطفي‭ ‬الذي‭ ‬يحتاجه‭ ‬الأطفال‭ ‬من‭ ‬كلا‭ ‬الأبوين،‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الانفصال‭.‬

عالم‭ ‬النفس‭ ‬الشهير‭ ‬جون‭ ‬بولبي،‭ ‬المعروف‭ ‬بنظرية‭ ‬التعلق،‭ ‬التي‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الروابط‭ ‬العاطفية‭ ‬بين‭ ‬الطفل‭ ‬والوالدين‭ ‬كأساس‭ ‬للتطور‭ ‬العاطفي،‭ ‬يؤكد‭ ‬أن‭ ‬‮«‬الارتباط‭ ‬الآمن‭ ‬مع‭ ‬الوالدين‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬التطور‭ ‬العاطفي‭ ‬المستقر‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يفسر‭ ‬أهمية‭ ‬وجود‭ ‬الوالدين‭ ‬معا‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬الانفصال‭. ‬بولبي‭ ‬تعاون‭ ‬مع‭ ‬د‭. ‬ماري‭ ‬أينسورث،‭ ‬وهي‭ ‬عالمة‭ ‬نفس‭ ‬أمريكية‭ ‬كندية،‭ ‬معروفة‭ ‬بأبحاثها‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬التطور‭ ‬العاطفي‭ ‬لدى‭ ‬الأطفال‭. ‬ساهمت‭ ‬د‭. ‬أينسورث‭ ‬في‭ ‬تطوير‭ ‬نظرية‭ ‬التعلق،‭ ‬وركزت‭ ‬أبحاثها‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬التفاعل‭ ‬بين‭ ‬الطفل‭ ‬والوالدين‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬شعور‭ ‬الطفل‭ ‬بالأمان‭. ‬ووفقا‭ ‬لها‭: ‬وجود‭ ‬الوالدين‭ ‬بشكل‭ ‬متوازن‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الطفل‭ ‬يعزز‭ ‬من‭ ‬شعوره‭ ‬بالأمان‭ ‬والثقة‭ ‬بالنفس،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬بشكل‭ ‬أكبر‭ ‬وحل‭ ‬المشكلات،‭ ‬والتي‭ ‬بدورها‭ ‬تمهد‭ ‬الطريق‭ ‬لنموه‭ ‬النفسي‭ ‬السليم‭.‬

لكن‭ ‬لا‭ ‬يمكننا‭ ‬أن‭ ‬نتجاهل‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬الأطفال‭ ‬قد‭ ‬يواجهون‭ ‬تحديات‭ ‬أكبر‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬الرعاية‭ ‬اللازمة‭. ‬مثل‭ ‬الحالات‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬فيها‭ ‬أحد‭ ‬الوالدين‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬مشاكل‭ ‬صحية‭ ‬أو‭ ‬نفسية‭ ‬أو‭ ‬غيرها‭ ‬مما‭ ‬يؤثر‭ ‬في‭ ‬قدرته‭ ‬على‭ ‬العناية‭ ‬بالطفل‭. ‬في‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الحالات،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مصلحة‭ ‬الطفل‭ ‬فوق‭ ‬كل‭ ‬اعتبار،‭ ‬والبحث‭ ‬عن‭ ‬حلول‭ ‬تضمن‭ ‬له‭ ‬مناخ‭ ‬آمن‭ ‬ومستقر‭.‬

في‭ ‬النهاية،‭ ‬أطفالنا‭ ‬هم‭ ‬الاستثمار‭ ‬الأهم‭ ‬الذي‭ ‬نملكه‭. ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬سيحملون‭ ‬شعلة‭ ‬التقدم‭ ‬والنهضة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭. ‬لذا،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬نتكاتف‭ ‬جميعا‭ ‬لضمان‭ ‬أن‭ ‬ينشأ‭ ‬هؤلاء‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬ظروف‭ ‬مليئة‭ ‬بالحب‭ ‬والسكينة،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬صراعات‭ ‬الكبار‭. ‬متجاوزين‭ ‬الخلافات‭ ‬الشخصية‭ ‬وساعين‭ ‬إلى‭ ‬ضمان‭ ‬بيئة‭ ‬تدعم‭ ‬نموهم‭ ‬وازدهارهم‭ ‬وتكون‭ ‬رعايتهم‭ ‬أولويتنا‭ ‬القصوى‭.‬

 

rajabnabeela@gmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا