تتحدد قيمة أي كتاب أو مؤلف (خاصة إذا كان يتعرض لأحداث كبرى في تواريخ الشعوب والأمم) بما يقدمه من معرفة كلية وشاملة مدعومة بإثباتاتها وأدلتها ووثائقها الرسمية وغير الرسمية.
وعلى مدى واحد وخمسين عاما (منذ اندلاع الحرب في الثانية ظهر يوم السبت السادس من أكتوبر عام 1973، وحتى وقف إطلاق النار النهائي في 25 أكتوبر 1973) والكتب والمؤلفات التي تسعى للإحاطة بهذا الحدث الضخم، تأريخًا وتوثيقًا، تسجيلا وتدوينا، أثرا وتأثيرًا.. إلخ، مازالت تترى حتى وقتنا هذا!
والحقيقة أن من بين ركام الكتب التي صدرت خلال نصف القرن المنصرمة، يمكننا استصفاء وانتقاء مجموعة مختارة منها تحتفظ بقيمتها وتتجدد مع مرور الزمن، خاصة بما تحمله من قيمة مضافة؛ إما لأنها صدرت عن صناع الحدث والمشاركين فيه، على مستوى التخطيط والإعداد والقيادة؛ ومن هذا النوع كتب مذكرات قادة أكتوبر العظام (الفريق سعد الشاذلي، والمشير الجمسي، على سبيل المثال) عليهم رحمة الله جميعا..
وإما لأنها صدرت من كتّاب وصحفيين ومؤرخين كانوا مقربين للغاية من صناع القرار -آنذاك- وأتيح لهم ما لم يُتح لغيرهم من الاطلاع على الوثائق والمستندات.. ما مكنهم في النهاية من صياغة كتبهم ومؤلفاتهم التي حملت «توثيقا حيّا» من نوع خاص، فضلًا عن انفراد بعضهم بأسلوبية خاصة وجمالية لا يخفتُ بريقها مهما مرت السنوات وتوالت العقود!
إلى هذه الفئة الأخيرة يمكن أن نشير إلى كتاب موسى صبري «وثائق حرب أكتوبر»، الذي صدر عن مؤسسة أخبار اليوم بعد انتهاء الحرب بعام واحد فقط، وكتابه الآخر المهم للغاية «السادات الحقيقة والأسطورة» الذي أراه على المستوى الشخصي من أهم وأمتع الكتب التي سجلت تفاصيل ووقائع فترة حكم الرئيس السادات منذ توليه المسؤولية، وحتى استشهاده في يوم النصر 6 أكتوبر 1981.
أما كتب الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل فشأن آخر، ومذاق آخر، ومتعة أخرى، بما تحمله من تأمل وروية وبما تطرحه من تعدد مستويات القراءة والتلقي والتفكير.
وفي ظني، فإنه لا يمكن لمن أراد الإحاطة بالمشهد ككل -في الفترة التي سبقت الحرب (فترة الاستعداد والتخطيط واتخاذ القرار والإعداد) وحتى تداعياتها إيجابًا وسلبًا على المسارين السياسي والاقتصادي -أقول لا يمكن لمن أراد الإحاطة بهذه الفترة الدقيقة جدا و«يومياتها» المتخمة بالأحداث الجسام والقرارات المصيرية في كل دقيقة، بل في كل ثانية، أن يغفل أبدًا كتابي حسنين هيكل المرجعيين «عند مفترق الطرق ـ ماذا حصل فيها وماذا حصل بعدها؟»، و«أكتوبر 73 السلاح والسياسة».. «عند مفترق الطرق» أعتبره الجزء الأول أو التمهيد الضروري واللازم لكتابه الثاني الأضخم «أكتوبر 73 السلاح والسياسة».
الكتاب الأول احتوى على تحليل ما يدور على الأرض من معارك، وقراءة المناورات واستراتيجيات الكر والفر، وفيه أيضًا سمة التسجيل الآني للأحداث بسخونتها وسيولتها والانغماس الكامل في التفاصيل والجزئيات والبحث عن المعلومات.. إلخ. إنه الكتاب الذي يقول عنه هيكل بالحرف الواحد:
«هذه المجموعة من الأحاديث لها عندي منزلة خاصة، فلقد كانت مفترق الطرق بين الراحل أنور السادات -يرحمه الله- وبيني. كانت آخر ما كتبت ونشرت في (الأهرام)، في الفترة ما بين 5 أكتوبر 1973 وحتى أول فبراير 1974. أي انها سبقت بدء عمليات حرب أكتوبر بيوم واحد، ثم توقفت بعد إتمام الاتفاق المبدئي على فك الارتباط الأول بأسبوعٍ واحد.. مسافة أربعة أشهر كانت حاسمة وفاصلة في تأثيرها -ليس فقط على مستوى تاريخ الشعب المصري، وأمته العربية -ولكن أيضًا على المستوى الشخصي والمهني».
أما الكتاب الثاني؛ فهو كتاب «التأريخ» الشامل بعد أن انتهت الحرب وانقشع الغبار، وتجلت النتائج إنْ سلبًا وإن إيجابًا على مصر وإسرائيل والشرق الأوسط والعالم كله!
إن قراءة كتب هيكل -أو بالدقة كتابيه عن حرب أكتوبر- تجعلك تقف كثيرًا وطويلًا أمام ذلك الحدث.
المكتبة العربية -في العموم- وثقت لهذا الحدث الكبير من جميع الوجوه؛ عشرات الكتب التي صدرت بالعربية وخاصة في عقدي الثمانينيات والتسعينيات، شملت «المذكرات السير الذاتية»، وكتب التحليل العسكري والاستراتيجي والسرد التاريخي والقصصي، والبطولات الفردية.. إلخ.
وضمن كل ذلك مجموعة ممتازة من الكتب التي خصصت بكاملها لانتصارنا العظيم في حرب أكتوبر 1973. منها ما ألقى الضوء الكاشف على تفاصيل الإعداد والتخطيط المذهل لها وتنفيذها وتحقيق أهدافها، كما حددتها القيادة العسكرية المصرية، ومنها ما لم يكتف بمجرد العناوين العريضة، بل قدم وصفا تفصيليا دقيقا لوقائع هذه الحرب المجيدة.. ومنها ما يتجاوز الشرح والتفصيل إلى عرض الأرقام والمعلومات الدقيقة، وبالاستناد إلى شهادات الشهود الموثقة من واقع كتب ومذكرات قادة حرب أكتوبر العظام، وبالاستعانة بالخرائط التوضيحية والوصف التفصيلي الشارح.
{ كاتب صحفي مصري
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك