إذا قام أي شخص بزيارة موقع Mahal على شبكة الإنترنت فسيطالع رسالة تذكير عنوانها «تقدم بطلب عبر الإنترنت». ويبدو الأمر كما لو أنه بمثابة تذكير بحالة الطوارئ، إن لم يكن بالذعر التام الذي يدب في صفوف الجيش الإسرائيلي.
يعد موقع Mahal إحدى الوكالات التي أنشأتها إسرائيل للقيام بعمليات تجنيد مكثفة وهي تعمل على إغراء المرتزقة من جميع أنحاء العالم لخوض حروب إسرائيل القذرة، في غزة وعلى جميع الجبهات الأخرى.
وبمجرد شن الحرب الإسرائيلية على غزة في شهر أكتوبر الماضي، بدأت الشائعات تنتشر عن انخفاض نسبة المشاركة في صفوف جيش الاحتياط الإسرائيلي، وقد اقترن ذلك بأزمة سياسية غير مسبوقة في إسرائيل، حيث أصر الجيش على تجنيد اليهود المتشددين، وهو ما كان حتى وقت قريب موضوعا محظورا بين السياسيين الإسرائيليين.
وحتى عندما صدرت أوامر التجنيد لآلاف اليهود المتشددين الذين يعرفون باسم (الحريديم) في يوليو الماضي، لم يستجب للنداء سوى جزء صغير من الرجال الذين تم استدعاؤهم، وفقًا لوسائل الإعلام الإسرائيلية.
لا تزال هذه الأزمة الحادة التي تواجهها إسرائيل تراوح مكانها، وعلى الأرجح فإن هذه الأزمة المتفاقمة لن تُحل، وعلى الأغلب أنها لن تُحل مع استمرار حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية في توسيع جبهات الحرب.
ولكي نفهم وندرك مدى الأزمة العسكرية التي تتخبط فيها إسرائيل، فإنه يكفي أن نقارن ما بين التصريحات المبالغ فيها للمسؤولين الإسرائيليين في بداية الحرب، حيث وعدوا بالنصر الكامل، وبين التصريحات الأخيرة التي صدرت عنهم.
وفي شهر يوليو الماضي، على سبيل المثال، قال وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إن «الجيش يحتاج إلى 10 آلاف جندي إضافي على الفور». إن الرقم 10.000 مثير للاهتمام بشكل خاص عندما نأخذ في الاعتبار ما كشفه الجيش الإسرائيلي عن إصابة ما لا يقل عن 10.000 من جنوده بجروح خطيرة أو متوسطة منذ بداية الحرب.
ومن المرجح أن يكون العدد أعلى من ذلك بكثير، بناء على التسريبات الإعلامية والمعلومات التي قدمتها المستشفيات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، تم الإعلان أن آلاف الجنود الإسرائيليين «معاقون» بسبب الصدمات النفسية التي تعرضوا لها خلال الحرب، وفقًا لوزارة الدفاع الإسرائيلية.
وهكذا فإن حالة الضرورة ملحة في الجيش، الذي أصبح، بحسب اللواء الاحتياطي الإسرائيلي إسحق بريك، «صغيراً وضعيفاً، مع عدم وجود فائض في القوات».
إذن، إلى أين تتجه إسرائيل؟
فبدلاً من إنهاء الحرب التي تحولت إلى إبادة جماعية في غزة، قررت إسرائيل أن تلجأ إلى نفس الأشخاص الذين قيل لهم إنهم أكثر العناصر غير المرغوب فيها في المجتمع الإسرائيلي: وهم اللاجئون الأفارقة وطالبو اللجوء.
وفي هذا الصدد، فقد ذكرت صحيفة هآرتس الإسرائيلية في عددها الصادر بتاريخ 15 سبتمبر الماضي أن مسؤولي التجنيد الإسرائيليين يعملون بهدوء لتجنيد أكبر عدد ممكن من طالبي اللجوء الأفارقة في الجيش الإسرائيلي.
وسعيا لإغراء طالبي اللجوء الأفارقة بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، يعد القائمون على التجنيد بتمكينهم من الإقامة الدائمة في إسرائيل، على الرغم من أنه وفقًا للصحيفة ذاتها، لم يحصل أي جندي إفريقي واحد حتى الآن على الوثائق المرغوبة.
وجاء في التقرير أن «مسؤولي الدفاع يقولون إن المشروع يتم تنفيذه بطريقة منظمة، بتوجيه من المستشارين القانونيين لمؤسسة الدفاع». وأكدت الورقة أيضاً أنه «لم تتم معالجة الاعتبارات الأخلاقية لتجنيد طالبي اللجوء».
ومن خلال «الاعتبارات الأخلاقية»، لا تشير صحيفة «هآرتس» ومسؤولو الدفاع المذكورون إلى مقتل مدنيين فلسطينيين عزل في غزة على أيدي لاجئين فقراء يائسين من إفريقيا، بل إلى حقوق طالبي اللجوء أنفسهم.
ومن المعروف أن إسرائيل لا تسيء معاملة طالبي اللجوء الأفارقة فحسب، بل إنها أيضًا تسيء معاملة سكانها ذوي البشرة الداكنة.
وقد تجلت هذه العنصرية بأوضح الطرق ضد طالبي اللجوء الأفارقة الذين يقدر عددهم بنحو 30 ألفاً يوجدون في دولة إسرائيل.
وقد تم بالفعل ترحيل آلاف الأفارقة من البلاد، ليس لإعادتهم إلى أوطانهم الأصلية، بل إلى بلدان إفريقية أخرى، حيث تنتشر انتهاكات حقوق الإنسان على نطاق واسع.
وفي عام 2018، قالت منظمة العفو الدولية إن الحكومة الإسرائيلية تعيد اللاجئين قسراً «إلى الاضطهاد أو الاعتقال لأجل غير مسمى». وانتقدت المجموعة «سياسات إسرائيل غير المدروسة» و«التخلي المتهور عن المسؤولية».
وكما كان متوقعاً، فإن سوء معاملة إسرائيل لطالبي اللجوء واللاجئين قوبل بردود صامتة من الحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان التي غالباً ما تتفاعل بقوة مع التقارير عن الانتهاكات الجماعية أو الترحيل غير القانوني للاجئين في أي مكان آخر في العالم.
وكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن الفشل في محاسبة إسرائيل أمام القوانين الدولية والإنسانية يشجع الأخيرة على الاستمرار في «سياساتها الهمجية».
ولنا أن نتخيل مدى قسوة استخدام هؤلاء اللاجئين الأفارقة اليائسين، الذين ليس لديهم أي انتماءات سياسية أو تاريخية للحرب في فلسطين، لقتل لاجئين آخرين في مخيمات النزوح في جميع أنحاء غزة.
وبذلك تكون إسرائيل قد تجاوزت كل الحدود الأخلاقية والمعنوية والقانونية التي تحكم سلوك الدولة والجيش في أوقات الحرب. لكن هذا لا يعني أن المجتمع الدولي غير قادر على ردع هذه الممارسات الإسرائيلية من خلال إجراءات ملموسة وعقوبات مباشرة.
وقد رفعت العديد من البلدان في جميع أنحاء إفريقيا أصواتها بالفعل تضامنا مع غزة والشعب الفلسطيني. وينبغي الآن تعزيز الروابط بين إفريقيا وفلسطين من خلال تجاهل إسرائيل التام، ليس فقط لحياة الفلسطينيين، بل لحياة الأفارقة أيضا.
وينبغي للاتحاد الإفريقي أن يتولى زمام المبادرة في هذه القضية، وأن يثني مواطنيه عن الانضمام إلى الجيش الإسرائيلي تحت أي ظرف من الظروف، وأن يتابع مسألة تجنيد طالبي اللجوء الأفارقة في أعلى المؤسسات القانونية.
وفي حين أن الموقف الأخلاقي الذي اتخذته العديد من الدول الإفريقية بشأن الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة يستحق أقصى درجات الاحترام، فإنه يتعين على الحكومات الإفريقية أيضاً أن تتخذ موقفاً قوياً بنفس القدر حتى تتوقف إسرائيل عن ممارساتها المتمثلة في استخدام الأفارقة للقتل والموت في غزة.
{ أكاديمي وكاتب فلسطيني.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك