في خضم الأزمات المتصاعدة، تقف غزة وبيروت كرمزين للصلابة والثبات، ورغم المسافة الفاصلة بينهما، تشترك المدينتان في معاناتهما اليومية. بين الأنقاض يتردد صوت الصواريخ بلا توقف، ومع ذلك تستمر الحياة، كأن الوجود نفسه يرفض الانكسار. في الشوارع، تلتقي نظرات الناس المحملة بالحزن والأيمان، يواجهون الخراب بقلوب متعبة ولكنها مصممة على الصبر. هاتان البقعتان من الأرض تبقيان شعلة أمل متقدة، تحملان رؤية قوية عن قوة الإنسان في مواجهة التحديات.
هذه المدن التي أصبحت رموزًا لمعاناة الإنسانية تعكس جرحا عميقا في ضمير العالم. الصمت الدولي إزاء هذه الآلام يشبه خنجرًا في قلب العدالة، وكأننا نعيش في زمن أصبح فيه الحلم بالسلام مطلبا بعيد المنال. نلهث خلف لحظات نادرة من السكينة، كأنها كنوز خفية بين ركام الصراعات المستمرة.
ورغم كل هذا الألم، يظل التفاؤل بالمستقبل حيا. ينبثق جهد يومي لمداواة الجراح وإصلاح ما يمكن إصلاحه وسط الدمار. الإصرار على استعادة الحياة يؤكد أن التمني ليس مجرد فكرة عابرة، بل هو فعل ملموس. في غزة، في ظل السماء الملتهبة، ترى الأطفال يصنعون طائرات ورقية من أبسط المواد، تتعالى ضحكاتهم وهي تحلق، كأنهم يرفضون الخضوع للقهر. يقول أحدهم: «سنرتفع مثل طائراتنا، لا شيء سيهزمنا». هذه الصورة تجسد حقيقة الإرادة البشرية التي لا تتزعزع، وترسل رسالة للعالم بأن هذه الشعوب قادرة على النهوض مهما طال الألم.
معاناة غزة وبيروت تتجاوز حدودهما، لتصبح جزءًا من قضايا إنسانية مشتركة. في عالمنا المترابط، معاناة أي جزء من البشر هي معاناة للجميع، ويجب علينا جميعا أن نتكاتف لمواجهة هذه المحن. الإعلام، بأدواته، يحمل القدرة على أن يكون نصيرًا للعدالة أو صامتا أمام المآسي. نحن ككتاب ملتزمون، ندرك أن كلماتنا ليست مجرد حروف تُكتب، بل هي دعوة إلى التضامن الإنساني، ورسالة تهدف إلى إيصال الحقيقة وتحريك الضمائر.
التاريخ يخبرنا أن الشعوب التي تواجه الأزمات بتكاتف وإصرار هي من تصنع فجرًا جديدًا. هذا ما نؤمن به، لكن الأمل وحده لا يكفي. يتطلب الأمر توحيد الصفوف ودعم بعضنا البعض. لتحقيق الأمان والازدهار. فقط من خلال الوحدة والحكمة، يمكن أن نحقق الاستقرار الدائم.
الغد لا يجب أن يكون امتدادًا ليوم مظلم. شمس العدالة ستشرق، والحياة ستعود لتملأ الشوارع من جديد. سنرى الأطفال يلعبون، والضحكات الحقيقية تعود، والأرض تزهر بعد طول غياب. هذا ليس حلما، بل هو وعد يحمله كل شعاع شمس يتسلل بين الغيوم، وعدٌ تجسده كلمات الله: «فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا». هي تذكرة بأن العدل سيظل قائما مهما طال الانتظار.
في هذه اللحظات العصيبة، يتضح أكثر من أي وقت مضى أن قوتنا الحقيقية تكمن في تماسك مجتمعاتنا وترابطنا. إذا لم نحافظ على النسيج الوطني ونتكاتف، نكون قد فتحنا الباب أمام التفرق والتمزق. الوحدة ليست مجرد شعار، بل هي الدرع الذي يحمي أمتنا من الاختراق والتفكك، ويمنحها القدرة على الصمود في وجه كل العقبات. ليكن الأمل طريقنا نحو بناء مستقبل أفضل، نبني من أفعالنا جسورا نحو غد أفضل. حيث يسوده العدل والسلام، في كل مكان وزمان.
rajabnabeela@gmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك