إذا اتخذت مرشحة الحزب الديمقراطي لمنصب الرئيس الأمريكي كامالا هاريس موقفا حاسما يطالب إسرائيل بالموافقة على وقف فوري لإطلاق النار وتقديم مساعدات للفلسطينيين من دون أي عوائق، فإنها ستوسع تقدمها في التصويت على حساب خصمها الجمهوري دونالد ترامب.
تلك هي إحدى أهم النتائج الرئيسية التي توصل إليها استطلاع للرأي أجراه مؤخرا المعهد العربي الأمريكي بالتعاون مع خبير استطلاعات الرأي جون زغبي. ففي الفترة ما بين مؤتمري الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أجرى المعهد العربي الأمريكي استطلاعًا شمل 2505 من الناخبين الأمريكيين لتقييم مدى تأثير الحرب في قطاع غزة والسياسة الأمريكية تجاه سياسات إسرائيل في الحرب في أصواتهم في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في شهر نوفمبر القادم.
لقد أظهر ذات الاستطلاع أيضا أن 15% من إجمالي الناخبين يعتبرون أن الأزمة الراهنة في قطاع غزة ستكون «مهمة للغاية» في تحديد أصواتهم (وقال 33% آخرون إنها «مهمة إلى حد ما»).
أما فيما يتعلق بهذه القضية، وعلى غرار العديد من القضايا الأخرى المطروحة اليوم في الولايات المتحدة الأمريكية، يوجد انقسام حزبي عميق ــ حيث أصبح الجمهوريون أكثر دعماً لإسرائيل بينما يفضل الديمقراطيون الفلسطينيين.
وإذا تمعنا في هذه النتائج التي أفرزها استطلاع الرأي سنجد أن الانقسام الحزبي ينتج في الواقع عن اختلافات عميقة في وجهات نظر المجموعات الديموغرافية التي تشكل قاعدة كل حزب -حيث يكون الناخبون الأصغر سنا وغير البيض أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين وينتقدون إسرائيل، بينما يكون الناخبون الأكبر سنا من البيض أكثر تعاطفا مع الفلسطينيين وينتقدون إسرائيل. والمسيحيون «المولودون من جديد» أكثر تفضيلاً بكثير تجاه إسرائيل.
على سبيل المثال، فإن معظم الناخبين في جميع المجموعات، باستثناء الجمهوريين والناخبين «المولودين من جديد»، لا يوافقون على الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب، ويشعرون أن إسرائيل استخدمت الكثير من القوة في قطاع غزة، وهم يريدون وقفًا فوريًا لإطلاق النار، ويعارضون الدعم المالي والعسكري غير المشروط إذا استمرت إسرائيل عدوانها الذي يستهدف حياة المدنيين الفلسطينيين.
أظهر استطلاع الرأي أن أغلبية من الناخبين (43%) لا توافق على الطريقة التي تدير بها إسرائيل الحرب في قطاع غزة، مع موافقة الثلث فقط. ومن بين المعارضين 54% من الديمقراطيين و52% من الناخبين الشباب.
وبالإضافة إلى ذلك، يشعر 36% من جميع الناخبين المحتملين أن إسرائيل قد بالغت في استخدام القوة المفرطة، بما في ذلك 46% من الفئة العمرية 18-34 عامًا.
ومن المجالات التي يوجد فيها شبه إجماع ما يتعلق بأهمية «وقف فوري لإطلاق النار»، حيث يعتبر ثلاثة أرباع الناخبين إن هذا مهم بالنسبة إليهم، ويقول نصفهم أن ذلك «مهم جدًا»، فيما يعتبر ربع الذين شملهم استطلاع الرأي «مهم إلى حد ما»، بينما يعتبر 11% فقط أن ذلك «غير مهم».
تشمل هذه الأغلبية العظمى الديمقراطيين والجمهوريين والمستقلين والأغلبية من كل مجموعة فرعية ديموغرافية. وتأتي الأغلبية الأكبر بطبيعة الحال من الناخبين الشباب وغير البيض، فيما تعتبر نسبة صغيرة جدًا فقط من جميع المجموعات إن وقفًا فوريًا لإطلاق النار ليس بالأمر المهم.
هناك مجال آخر يحظى بدعم قوي من معظم المجموعات الفرعية من الناخبين وهو الرد على سؤال يطرح حول ما إذا كان ينبغي لإسرائيل الاستمرار في تلقي المساعدات الأمريكية غير المقيدة، أو ما إذا كان ينبغي أن تكون تلك المساعدات مشروطة باستخدام إسرائيل لتلك المساعدات بطريقة تلحق الضرر بالمدنيين.
يعتقد 28% من الذين شملهم استطلاع الرأي فقط أنه يجب على إسرائيل أن تحصل دائمًا على مساعدات غير مشروطة، بينما يقول 51% أنه لا ينبغي أن تكون هناك مساعدات غير مقيدة إذا كانت إسرائيل تعرض المدنيين للخطر.
وفيما يتعلق بهذا السؤال، ينقسم ناخبو الحزب الجمهوري بالتساوي بنسبة 40%، وبهامش يتراوح بين 59% إلى 20%. ويعارض الديمقراطيون المساعدات غير المقيدة لإسرائيل، بينما يعارضه المستقلون بنسبة 56% مقابل 26%.
وبشكل عام، فقد حصلت إدارة الرئيس جو بايدن على درجات منخفضة في تعاملها مع الحرب – 31% إيجابية و50% سلبية – وهي وجهة نظر سلبية يشاركها الناخبون في جميع الأحزاب والمجموعات الديموغرافية.
ويكشف استطلاع الرأي أن هذا الاستياء يوفر فرصة لنائب الرئيس كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية القادمة. عندما سئل أولئك الذين شملهم كيف سيؤثر ذلك في تصويتهم إذا طلبت هاريس من إسرائيل الموافقة على وقف فوري لإطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية دون عوائق إلى غزة، أيد الناخبون بأغلبية ساحقة مثل هذه الخطوة، في حين أن عددا قليلا فقط يعارضها.
تظهر الأرقام التي أفرزها استطلاع الرأي مكاسب كبيرة ومخاطر قليلة للغاية بالنسبة لكمالا هاريس من خلال اتخاذ هذا الموقف، بما في ذلك النتائج الإيجابية للغاية والقليل من السلبيات بين معظم المجموعات الرئيسية، بما في ذلك عدد لا يستهان به من الناخبين اليهود.
كما أن مثل هذا الموقف من شأنه أن يمكن كمالا هاريس من كسب دعم عدد كبير من الناخبين الديمقراطيين التقليديين الذين يدعمون حاليًا مرشحي الطرف الثالث أو الذين لم يقرروا بعد. وبشكل عام، إذا اتخذت هاريس هذا الموقف، فإن نسبة أصواتها سترتفع من 44% إلى 50%.
وتنطبق نفس هذه النتائج الإيجابية إذا ما أيدت كمالا هاريس تعليق شحنات الأسلحة وحجب الدعم الدبلوماسي لإسرائيل حتى يكون هناك وقف لإطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة. ومثل هذا الموقف من شأنه أن يزيد نسبة التأييد لها من 44% إلى 49%.
كشف استطلاع الرأي أيضًا أن الديمقراطيين، المهتمين بعمر الرئيس جو بايدن وقدراته، كانوا يؤيدون بأغلبية ساحقة قراره بالتنحي كمرشح. وكان هذا صحيحا بشكل خاص بين الناخبين الديمقراطيين. فقد كانت سياسة الرئيس تجاه غزة أحد العوامل أيضًا، خاصة بين الناخبين الشباب وغير البيض.
في بداية شهر أغسطس، حققت نائب الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس تقدمًا ضئيلًا على حساب خصمها الرئيس السابق دونالد ترامب في كل من المنافسة المباشرة والمتعددة للمرشحين.
وقد عززت كل من كمالا هاريس ودونالد ترامب الدعم بين الناخبين من حزبيهما. إن تقييمات هاريس الإيجابية أو السلبية أفضل من تقييمات ترامب، حيث يأتي دعمها الأقوى من الناخبين الشباب وغير البيض.
إن دعم دونالد ترامب هو الأقوى بين الناخبين البيض و«المولودين من جديد». ونظراً للانقسامات العميقة بين الناخبين الأمريكيين، فمن المرجح أن تظل المنافسة الرئاسية متقاربة.
ومن المجالات التي يمكن لكمالا هاريس أن تزيد الدعم فيها هو البناء على تعاطفها المعلن بالفعل مع معاناة الفلسطينيين، ودعوتها إلى وقف فوري لإطلاق النار، واهتمامها الضمني بكيفية إدارة إسرائيل للحرب من خلال توضيح أنه ستكون هناك عواقب إذا استمرت الحرب، وهي خطوة كان الرئيس بايدن يأبى اتخاذها.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك