العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هذه هي مكتبتي!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٨ سبتمبر ٢٠٢٤ - 02:00

بدأ‭ ‬شغفي‭ ‬بالقراءة،‭ ‬ومحاولة‭ ‬التغلب‭ ‬على‭ ‬شح‭ ‬الكتب‭ ‬الثقافية،‭ ‬بدأ‭ ‬ذلك‭ ‬مبكرًا،‭ ‬وكنت‭ ‬وأنا‭ ‬طالب‭ ‬في‭ ‬المدرسة‭ ‬الثانوية‭ ‬أسعى‭ ‬إلى‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬الكتب‭ ‬بأية‭ ‬وسيلة‭ ‬ممكنة،‭ ‬وكان‭ ‬ابن‭ ‬خالتي‭ ‬إبراهيم‭ ‬عاشير‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬لديه‭ ‬مكتبة‭ ‬صغيرة‭ ‬جدًا‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬الكتب،‭ ‬وكنت‭ ‬أستعير‭ ‬بعضها،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬أنتهي‭ ‬من‭ ‬قراءتها‭ ‬أعيدها‭ ‬إليه،‭ ‬وأستعير‭ ‬غيرها،‭ ‬وهكذا‭ ‬حتى‭ ‬بدأت‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬أخرى‭ ‬للكتب،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬شراء‭ ‬الكتب‭ ‬كمصدر‭ ‬آخر‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬مال،‭ ‬وليس‭ ‬لدي‭ ‬مصدر‭ ‬للمال‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬أول‭ ‬راتب‭ ‬تسلمته‭ ‬حين‭ ‬بدأت‭ ‬حياتي‭ ‬العملية‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬زيارة‭ ‬المكتبات‭ ‬وشراء‭ ‬الكتب‭ ‬منها،‭ ‬وهكذا‭ ‬بدأت‭ ‬أخطو‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬طريق‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬خطوات‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬تكوين‭ ‬مكتبتي‭ ‬الخاصة‭ ‬التي‭ ‬يكون‭ ‬شراء‭ ‬الكتب‭ ‬من‭ ‬جيبي‭ ‬الخاص‭ ‬هو‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيس‭ ‬في‭ ‬جمع‭ ‬الكتب‭ ‬وإشباع‭ ‬نهمي‭ ‬للقراءة،‭ ‬وبدأت‭ ‬العمل‭ ‬مبكرًا،‭ ‬وكان‭ ‬عمري‭ ‬يومئذٍ‭ ‬لا‭ ‬يتجاوز‭ ‬التسعة‭ ‬عشر‭ ‬عامًا،‭ ‬حيث‭ ‬بدأت‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬الشرقي‭ (‬eastren‭ ‬bank‭)‬،‭ ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬1962م‭)‬،‭ ‬ثم‭ ‬تغير‭ ‬اسم‭ ‬البنك‭ ‬إلى‭ ‬تشارترد‭ ‬بنك‭ (‬chartered‭ ‬bank‭).‬

ولقد‭ ‬سررت‭ ‬غاية‭ ‬السرور‭ ‬حين‭ ‬تسلمت‭ ‬أول‭ ‬راتب‭ ‬لي‭ ‬من‭ ‬البنك‭ ‬لأنه‭ ‬فتح‭ ‬لي‭ ‬بابًا،‭ ‬ومصدرًا‭ ‬لشراء‭ ‬الكتب،‭ ‬وإشباع‭ ‬نهمي‭ ‬إلى‭ ‬القراءة‭ ‬التي‭ ‬أسهمت،‭ ‬وبشكل‭ ‬أساسي‭ ‬في‭ ‬تشكيل‭ ‬وعيي‭ ‬الثقافي،‭ ‬وعوضتني‭ ‬عن‭ ‬إكمال‭ ‬دراستي‭ ‬الجامعية‭ ‬بسبب‭ ‬أني‭ ‬كنت‭ ‬تقريبًا‭ ‬العائل‭ ‬الوحيد‭ ‬للعائلة‭ ‬بعد‭ ‬خروج‭ ‬والدي‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬إلى‭ ‬التقاعد،‭ ‬ولَم‭ ‬يكن‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬العمل‭ ‬بقانون‭ ‬التقاعد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭.‬

بدأت‭ ‬ملامح‭ ‬مكتبتي‭ ‬تتشكل،‭ ‬وتنمو‭ ‬شيئًا‭ ‬فشيئًا،‭ ‬وبدأ‭ ‬التوجه‭ ‬الإسلامي،‭ ‬والانشغال‭ ‬بقضايا‭ ‬الإسلام،‭ ‬وما‭ ‬يقال‭ ‬عنه‭ ‬من‭ ‬أباطيل‭ ‬الخصوم‭ ‬وحقائقه‭ ‬الساطعة‭ ‬الباهرة‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الأستاذ‭ ‬والمفكر‭ ‬الكبير‭ ‬عباس‭ ‬محمود‭ ‬العقَّاد‭ ‬في‭ ‬كتابيه،‭ ‬الأول‭: (‬ما‭ ‬يقال‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭)‬،‭ ‬والثاني‭: (‬حقائق‭ ‬الإسلام‭ ‬وأباطيل‭ ‬خصومه‭) ‬والذي‭ ‬بدأ‭ ‬به‭ ‬المؤتمر‭ ‬الإسلامي‭ ‬سلسلة‭ ‬مطبوعاته،‭ ‬وكان‭ ‬يرأسه‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬السيد‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬الذي‭ ‬صار‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬رئيسا‭ ‬لجمهورية‭ ‬مصر‭ ‬العربية‭.‬

كان‭ ‬تسلمي‭ ‬أول‭ ‬راتب‭ ‬من‭ ‬عملي‭ ‬في‭ ‬البنك‭ ‬الشرارة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬اشتعلت‭ ‬منها‭ ‬الشعلة‭ ‬الأولى‭ ‬في‭ ‬ثقافتي‭ ‬العامة‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬شيئًا‭ ‬من‭ ‬مفهوم‭ ‬الثقافة‭ ‬العامة‭ ‬الذي‭ ‬عَرَّفوه‭ ‬بقولهم‭: ‬‮«‬معرفة‭ ‬شي‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬شي‮»‬،‭ ‬أما‭ ‬التعريف‭ ‬المشهور‭ ‬عن‭ ‬العلم‭ (‬أي‭ ‬التخصص‭) ‬فهو‭ ‬قوله‭: ‬‮«‬معرفة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬عن‭ ‬شيء‭ ‬واحد‮»‬‭.‬

لم‭ ‬يقتصر‭ ‬فهمي‭ ‬للثقافة‭ ‬على‭ ‬هذا‭ ‬المعنى،‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬العام‭ ‬للثقافة‭ ‬إلى‭ ‬المعنى‭ ‬المتخصص‭ ‬حيث‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬المعنى‭ ‬العام‭ ‬للثقافة‭ ‬وسيلة‭ ‬لبلوغ‭ ‬الغاية‭ ‬أو‭ ‬شيء‭ ‬قريب‭ ‬منها‭ ‬حين‭ ‬جعلت‭ ‬الانشغال‭ ‬بالإسلام‭ ‬وقضاياه‭ ‬تخصصي‭ ‬الذي‭ ‬أسعى‭ ‬جاهدًا‭ ‬إلى‭ ‬إشباع‭ ‬نهمي‭ ‬منه،‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المعنى‭ ‬العام‭ ‬والمشهور‭ ‬للثقافة،‭ ‬فصرت‭ ‬حين‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬الإسلام‭ ‬يظنون‭ ‬أني‭ ‬متخصص،‭ ‬وعندما‭ ‬أحاول‭ ‬أن‭ ‬أتحدث‭ ‬في‭ ‬شتى‭ ‬الموضوعات‭ ‬يعتقدون‭ ‬أني‭ ‬مثقف،‭ ‬هكذا‭ ‬يظنون‭ -‬مجرد‭ ‬ظن‭- ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬أكون‭ ‬خيرًا‭ ‬مما‭ ‬يظنون،‭ ‬وهكذا‭ ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أجمع‭ ‬بين‭ ‬المعنى‭ ‬العام‭ ‬للثقافة،‭ ‬والمعنى‭ ‬الخاص‭ ‬لها‭.‬

وهكذا‭ ‬صار‭ ‬الإسلام‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه،‭ ‬ورد‭ ‬سهام‭ ‬خصومه‭ ‬عنه‭ ‬شغلي‭ ‬الشاغل،‭ ‬وهمي‭ ‬الوحيد،‭ ‬وبذلت‭ ‬جهدي‭ ‬الجهيد‭ ‬في‭ ‬التسلح‭ ‬بأسلحة‭ ‬العلوم‭ ‬والثقافة،‭ ‬وتتبع‭ ‬ما‭ ‬ينشر‭ ‬عن‭ ‬الإسلام،‭ ‬وما‭ ‬يثار‭ ‬حوله‭ ‬من‭ ‬خصومه‭ ‬ومحبيه،‭ ‬وأن‭ ‬أحاول‭ ‬نشر‭ ‬فضائله،‭ ‬والذود‭ ‬عنه‭ ‬ما‭ ‬وسعتني‭ ‬المحاولة،‭ ‬وأن‭ ‬أستثير‭ ‬حمية‭ ‬الكتاب‭ ‬الذين‭ ‬أتصل‭ ‬بهم‭ ‬ويتصلون‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الإسلام‭ ‬والدفاع‭ ‬عن‭ ‬قضاياه‭ ‬هو‭ ‬غايتنا‭ ‬التي‭ ‬نسعى‭ ‬إلى‭ ‬تحقيقها‭.‬

إن‭ ‬فضائل‭ ‬الإسلام‭ ‬على‭ ‬أصحاب‭ ‬الملل‭ ‬الأخرى‭ ‬لا‭ ‬تعد‭ ‬ولا‭ ‬تحصى،‭ ‬ويكفي‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كتابه‭ ‬المعجز‭ - ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ - ‬هو‭ ‬الميزان‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزل‭ ‬ولا‭ ‬يضل‭ ‬تعرض‭ ‬عليه‭ ‬كتبهم‭ ‬التي‭ ‬أنزلها‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬على‭ ‬أنبيائهم‭ ‬عليهم‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬يقر‭ ‬حقها،‭ ‬وينفي‭ ‬باطلها‭ ‬الذي‭ ‬كتبوه‭ ‬بأيديهم‭ ‬وقالوا‭ ‬زورًا‭ ‬وبهتانًا‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬وهذا‭ ‬كذب‭ ‬وافتراء‭ ‬محض،‭ ‬قال‭ ‬تعالى‭: (‬فويل‭ ‬للذين‭ ‬يكتبون‭ ‬الكتاب‭ ‬بأيديهم‭ ‬ثم‭ ‬يقولون‭ ‬هذا‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الله‭ ‬ليشتروا‭ ‬به‭ ‬ثمنًا‭ ‬قليلًا‭ ‬فويل‭ ‬لهم‭ ‬مما‭ ‬كتبت‭ ‬أيديهم‭ ‬وويل‭ ‬لهم‭ ‬مما‭ ‬يكسبون‭) (‬البقرة‭ / ‬79‭)‬،‭ ‬فيكفي‭ ‬الإسلام‭ ‬شرفًا،‭ ‬ورفعة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬كتابه‭ ‬هو‭ ‬الحكم‭ ‬العدل‭ ‬ترفع‭ ‬إليه‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬أنزلت‭ ‬على‭ ‬أنبياء‭ ‬الله‭ ‬تعالى،‭ ‬فينفي‭ ‬باطلها‭ ‬ويثبت‭ ‬حقها،‭ ‬ويكفيه‭ ‬كذلك‭ ‬شرفًا‭ ‬ورفعة‭ ‬احتفاؤه‭ ‬بأنبياء‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬ورسله‭ ‬الكرام،‭ ‬فيثني‭ ‬عليهم،‭ ‬ويرد‭ ‬التهم‭ ‬الباطلة‭ ‬التي‭ ‬ألصقها‭ ‬أتباعهم‭ ‬بهم‭ ‬دون‭ ‬وجه‭ ‬حق‭.‬

بدأت‭ ‬مكتبتي‭ ‬تنمو‭ ‬نموًا‭ ‬طبيعيًا،‭ ‬وبدأت‭ ‬أشجارها‭ ‬المثمرة‭ ‬تتدلى‭ ‬ثمارها،‭ ‬ويطيب‭ ‬قطوفها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬كتب‭ ‬ومقالات،‭ ‬وشعرت‭ ‬بأني‭ ‬صرت‭ ‬إنسانًا‭ ‬آخر‭ ‬يهتم‭ ‬بالإسلام‭ ‬كغاية‭ ‬شريفة،‭ ‬ويسعى‭ ‬جاهدًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يستنطق‭ ‬الكتب،‭ ‬ويجعلها‭ ‬شاهدة‭ ‬له‭ ‬لا‭ ‬شاهدة‭ ‬عليه،‭ ‬وسوف‭ ‬نسأل‭ ‬يوم‭ ‬القيامة‭ ‬ليس‭ ‬عن‭ ‬عدد‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬قرأنا،‭ ‬ولكن‭ ‬سوف‭ ‬نسأل‭ ‬عن‭ ‬الثمار‭ ‬التي‭ ‬أثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الكتب،‭ ‬وعن‭ ‬ما‭ ‬نشرت‭ ‬من‭ ‬حق،‭ ‬وعن‭ ‬ما‭ ‬ردت‭ ‬وفضحت‭ ‬من‭ ‬باطل‭.‬

كان‭ ‬الوالد‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬يستكثر‭ ‬عليَّ‭ ‬مبالغتي‭ ‬في‭ ‬شرائي‭ ‬للكتب،‭ ‬وكنت‭ ‬على‭ ‬يقين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬أفعله‭ ‬ليس‭ ‬فيه‭ ‬أدنى‭ ‬مبالغة‭ ‬ولكنه‭ ‬محاولة‭ ‬لإشباع‭ ‬نهمي‭ ‬وشغفي‭ ‬للقراءة،‭ ‬وكان‭ ‬يقول‭ ‬لي؛‭ ‬إن‭ ‬جدك‭ ‬يوسف‭ ‬بن‭ ‬حسن‭ ‬البنفلاح‭ (‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭) ‬يهتم‭ ‬بالكتب‭ ‬ويحتفظ‭ ‬بالقليل‭ ‬منها،‭ ‬وأنت‭ ‬لست‭ ‬كذلك،‭ ‬فكنت‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬إن‭ ‬زمني‭ ‬ليس‭ ‬يشبه‭ ‬زمن‭ ‬جدي‭ ‬بسبب‭ ‬تقدم‭ ‬وسائل‭ ‬الطباعة‭ ‬والنشر،‭ ‬ويسكت‭ ‬إما‭ ‬اقتناعًا‭ ‬أو‭ ‬يأسًا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬أغير‭ ‬عادتي‭ ‬التي‭ ‬اعتدت‭ ‬عليها،‭ ‬وكنت‭ ‬احترامًا‭ ‬لمشاعره‭ ‬أترك‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬أشتريها‭ ‬في‭ ‬السيارة،‭ ‬وكنت‭ ‬تقريبًا‭ ‬أزور‭ ‬المكتبات‭ ‬مرة‭ ‬أو‭ ‬مرتين،‭ ‬وكنت‭ ‬أتركها‭ ‬في‭ ‬السيارة‭ ‬حتى‭ ‬يأوي‭ ‬إلى‭ ‬فراشه،‭ ‬فإذا‭ ‬نام‭ ‬تسللت‭ ‬سرًا‭ ‬حتى‭ ‬أحضرها‭ ‬من‭ ‬السيارة،‭ ‬وأبدأ‭ ‬بتقليب‭ ‬صفحاتها،‭ ‬واختيار‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬قراءته‭ ‬في‭ ‬حينها‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬تأجيل‭ ‬قراءته‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬آخر‭.‬

وداومت‭ ‬على‭ ‬التردد‭ ‬على‭ ‬المكتبات‭ ‬واقتناء‭ ‬الكتب‭ ‬حتى‭ ‬ضاقت‭ ‬بها‭ ‬غرفتي،‭ ‬فطلبت‭ ‬من‭ ‬زوج‭ ‬أختي‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬لي‭ ‬غرفة‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬ألحقتها‭ ‬بغرفة‭ ‬النوم،‭ ‬وحين‭ ‬اشتريت‭ ‬بيتًا‭ ‬لي‭ ‬بنيت‭ ‬غرفة‭ ‬حجمها‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬الثالث‭ ‬من‭ ‬البيت،‭ ‬ثم‭ ‬دعت‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬التوسع،‭ ‬فطلبت‭ ‬مني‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬أتصرف‭ ‬في‭ ‬الكتب‭ ‬لأنهم‭ ‬في‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬غرفة‭ ‬المكتبة‭ ‬لسكن‭ ‬ابنتي،‭ ‬فاحترت‭ ‬ماذا‭ ‬أفعل‭ ‬بهذا‭ ‬العدد‭ ‬الضخم‭ ‬من‭ ‬الكتب‭.. ‬حاولت‭ ‬أن‭ ‬أهديها‭ ‬إلى‭ ‬الجمعية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬فلم‭ ‬يقبلوها‭ ‬بحجة‭ ‬أن‭ ‬لديهم‭ ‬مكتبة‭ ‬لا‭ ‬يتردد‭ ‬عليها‭ ‬أحد،‭ ‬ثم‭ ‬حاولت‭ ‬مع‭ ‬الإخوة‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬الإصلاح،‭ ‬فاعتذروا‭ ‬هم‭ ‬أيضًا،‭ ‬فاتصلت‭ ‬بالأخ‭ ‬الأستاذ‭ ‬منصور‭ ‬سرحان،‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬المكتب‭ ‬العامة،‭ ‬فوافق‭ ‬ولكن‭ ‬أخبرني‭ ‬أنه‭ ‬لن‭ ‬يخصص‭ ‬مكانًا‭ ‬واحدًا‭ ‬لكل‭ ‬هذه‭ ‬الكتب‭ ‬الكثيرة،‭ ‬فرأيت‭ ‬أنه‭ ‬بهذا‭ ‬سوف‭ ‬تضيع‭ ‬معالمها،‭ ‬وتختفي‭ ‬الميزة‭ ‬التي‭ ‬تمتاز‭ ‬بها‭ ‬على‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المكتبات‭ ‬الخاصة‭ ‬بهذا‭ ‬العدد‭ ‬الكبير‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬التي‭ ‬تعكس‭ ‬اهتمام‭ ‬صاحبها،‭ ‬وتميز‭ ‬مكتبته‭ ‬عن‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬المكتبات،‭ ‬حتى‭ ‬ساق‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬إلَيْ‭ ‬ابن‭ ‬أخي‭ ‬جهاد‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬يبني‭ ‬صالة‭ ‬كبيرة،‭ ‬فعرض‭ ‬عليّ‭ ‬أن‭ ‬ينقلها‭ ‬إليها،‭ ‬فأحسست‭ ‬أن‭ ‬حملًا‭ ‬ثقيلًا‭ ‬قد‭ ‬ألقاه‭ ‬عن‭ ‬كاهلي،‭ ‬وصرنا‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬نتردد‭ ‬على‭ ‬المكتبة‭ ‬مرتين‭ ‬كل‭ ‬شهر‭ ‬نتجاذب‭ ‬أطراف‭ ‬الحديث،‭ ‬ونناقش‭ ‬بعض‭ ‬القضايا‭ ‬التي‭ ‬تدور‭ ‬حول‭ ‬الإسلام‭ ‬وقضاياه‭.‬

هذه‭ ‬هي‭ ‬مكتبتي،‭ ‬وهذه‭ ‬هي‭ ‬العقبات‭ ‬التي‭ ‬اعترضت‭ ‬سبيلها‭: ‬جمعًا‭ ‬وإنشاءً،‭ ‬وحماية،‭ ‬وإحساسًا‭ ‬بالمسؤولية‭ ‬التي‭ ‬تركتها‭ ‬في‭ ‬أعناق‭ ‬العائلة،‭ ‬وأسأل‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬أن‭ ‬يعينهم‭ ‬عليها،‭ ‬وييسر‭ ‬لهم‭ ‬السبيل‭ ‬إلى‭ ‬المحافظة‭ ‬عليها،‭ ‬واستثمارها‭: ‬قراءةً،‭ ‬وحفظا،‭ ‬واستفادة،‭ ‬وهو‭ ‬تعالى‭ ‬ولي‭ ‬ذلك‭ ‬والقادر‭ ‬عليه‭ ‬سبحانه‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا