في صيف عام 2024، سجلت درجات الحرارة في 15 دولة أرقامًا قياسية في جميع أنحاء العالم؛ حيث شهدت هذه الدول «130 رقمًا قياسيًا لدرجات الحرارة الشهرية» لتحطم بها أرقامًا كانت قد سجلت سابقًا لذات الدول.
وكتب البروفسورة «فريدريك أوتو» من معهد «غرانثام» لبحوث تغير المناخ والبيئة بلندن، أنه يتوقع أن يكون هذا الصيف «هو الأكثر حرارة على الإطلاق». وفي ظل هذه الموجة الحارة، كان التأثير على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تأثيرًا خاصًا؛ حيث تعرضت المنطقة لدرجات حرارة غير مسبوقة أثرت على حوالي 290 مليون شخص، مما أدى إلى زيادة في حالات الاستشفاء والحرائق، ووفاة 1300 حاج في مكة المكرمة.
وفي مقالهما المنشور في مجلة «فورين بوليسي» يسلط «ستيفن أ. كوك، وكريستينا بوري» من «مجلس العلاقات الخارجية» الضوء على أن صيفًا قائظًا آخر يعكس تسارع تغير المناخ مما قد يؤدي إلى جعل الشرق الأوسط «غير صالح للسكن». وأكدت «سوزانا شيرمان» و«ليزا توريمارك» و«أنوم فرحان» من المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتام هاوس»، أن تغير المناخ أدى إلى موجات حر أطول وأكثر تطرفًا، وإلى تسجيل درجات حرارة قياسية في كل شهر منذ يونيو 2023. فعلى سبيل المثال، بلغ مؤشر الحرارة في دبي 144 درجة فهرنهايت في منتصف يوليو، كما بلغ المؤشر بشكل نادر ما لا يقل عن 100 درجة فهرنهايت في مصر منذ مايو، بينما توفي 1300 حاج في المسجد الحرام بمكة في يونيو بسبب درجات حرارة بلغت 125 درجة فهرنهايت أي (52 درجة مئوية).
وأثار ارتفاع درجات الحرارة مشاكل خطيرة تتعلق بالأمن المائي والأمن الغذائي. فوفقًا لتقارير «شيرمان» وزملائها، يُعتبر المغرب من الأمثلة على التأثيرات السلبية، حيث فقدت البلاد حوالي 20% من إنتاجها الزراعي بسبب الجفاف. وأشار «محمد محمود» مدير برنامج المناخ والمياه في «معهد الشرق الأوسط» أن جودة المياه في الأنهار مثل نهر الأردن قد تدهورت إلى درجة قد تجعلها غير صالحة للاستخدام بدون معالجة مكثفة.
وأوضحت «ناتاشا هول» زميلة بارزة في برنامج الشرق الأوسط التابع لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، أن ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية قد يؤدي إلى انخفاض بنسبة 75% في توافر المياه العذبة في دول المنطقة.
كما تشير توقعات البنك الدولي إلى أن جميع دول المنطقة ستواجه ضغوطًا مائية شديدة بحلول عام 2050، مما قد يقلل الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي بنسبة تصل إلى 14%. وفي نفس الوقت، قد يسبب ارتفاع درجات حرارة سطح البحر أحداث طقس متطرفة مثل: العواصف الرعدية والأعاصير، كما هو الحال في جنوب شبه الجزيرة العربية في أبريل 2024، والتي تسببت في أضرار بمئات الملايين من الدولارات للمنازل والشركات والبنية التحتية.
وأكد «شاندرا دايك» الرئيس التنفيذي لشركة «دايك جروب»، على أن الوضع الراهن هو «حالة طوارئ مناخية» تتطلب استجابة فورية وفعالة. كما يشيران «كوك» و«بوري» إلى أن آثار تغير المناخ في الشرق الأوسط بدأت تؤثر أيضًا على العالم خارج حدود المنطقة، فاحتمالات الهجرة من منطقة الشرق الأوسط بسبب الحرارة الشديدة، ونقص المياه قد تزعزع استقرار الدول الأخرى؛ حيث يُتوقع أن يصبح حوالي 19 مليون شخص من شمال إفريقيا «مهاجرين مناخيين» يتوجهون إلى مناطق ذات درجات حرارة أقل ومياه وفيرة.
هذا التدفق المحتمل قد يؤدي إلى تعزيز الأحزاب السياسية المناهضة للمهاجرين في أوروبا، فعلى سبيل المثال: حقق حزب «الجبهة الوطنية» في فرنسا، وحزب «البديل من أجل ألمانيا» تقدمًا بفضل معارضتهما للهجرة. وفي المملكة المتحدة، ساهمت سياسات الهجرة في تبني قرار مغادرة الاتحاد الأوروبي، وازدادت التوترات الاجتماعية والسياسية نتيجة لذلك؛ فأوضح استطلاع شركة «سافانتا كومريس» البريطانية أن ما يقرب من ثلثي البريطانيين الذين شملهم الاستطلاع يعتقدون أن العنف والاشتباكات الأخيرة في الشوارع بين مثيري الشغب والشرطة هو نتيجة لسياسات الهجرة التي تنتهجها حكومة المملكة المتحدة.
ورغم ذلك، لازالت الاحتمالات تشير إلا أن أشخاصًا من الشرق الأوسط وشمال إفريقيًا قد يضطروا إلى مغادرة مساكنهم بسبب الحرارة الشديدة ونقص المياه لكي يتلقوها في مجتمعات أخرى. لذا يدعو «كوك» و«بوري» إلى ممارسة «دبلوماسية إبداعية» من قبل الولايات المتحدة لمساعدة المنطقة على إدارة مواردها المائية بشكل أفضل. ويشيران إلى أن المفاوضات حول إدارة المياه بين الدول المتنافسة يمكن أن تساهم في تخفيف أزمة المياه، كما هو الحال في الاتفاقات الحدودية بين إسرائيل ولبنان. وأنه يجب التركيز على القضايا التي يمكن تحقيق تقدم فيها، بدلاً من محاولة معالجة القضايا الأوسع التي قد تعرقلها المصالح المتضاربة.
على العموم، تسود أزمة مناخية متصاعدة منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا؛ حيث تشهد درجات الحرارة ارتفاعًا غير مسبوق، مما يهدد الاستقرار البيئي والاقتصادي والاجتماعي. وتؤدي هذه الزيادة في درجات الحرارة إلى مشاكل خطيرة تتعلق بالأمن المائي والأمن الغذائي، مما يفرض ضغوطًا هائلة على الموارد الطبيعية والاقتصادات الإقليمية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهجرة المناخية المحتملة قد تؤثر على الاستقرار السياسي في الدول المستقبلة، مما يعزز الحاجة إلى استجابة دولية منسقة وفعالة، وتبني سياسات قوية ومبتكرة للتخفيف من مخاطر تغير المناخ، وتعزيز التعاون بين الدول لمواجهة التحديات البيئية التي تهدد كلا من المنطقة والعالم بأسره.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك