القراء الأعزاء،
دعوني أعرّفكم على (لونا) وهي قطة سيامية جميلة تعيش بيننا، اكتشفت مؤخراً أنها حامل وأنجبت أربعة قطط صغيرة جميلة، وما أريد الوصول إليه هو سلوك لونا تجاه صغارها المليء بمشاعر الأمومة، حيث صبرها على متطلباتهم وحرصها على أمنهم وسلامتهم بصورة مدهشة، ففي الوقت الذي أقضيه معهم تجدها أحيانا في قمة الاسترخاء وأبناؤها في حالة لعب، إلا أنها سرعان أن تفزع فزعة مسرعة إذا ما سمعت صوتاً غريباً للاطمئنان عليهم، ومن المعلوم أن هذا الشعور يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأمومة لدى جميع الكائنات الحيّة السويّة، وفي مقدمتها الإنسان الذي ميّزه الله سبحانه وتعالى على بقية خلقه بالعقل وفضّله على كثير مما خلق تفضيلا.
وليس أجمل في الحياة من مشاعر الأم وحبّ الأم وإيثار الأم، حتى اختص الله سبحانه وتعالى حنوّ الأم في بيان رحمته وحنوّه على عبيده كما ذكر في حديث سيدنا عمر بن الخطاب المتفق عليه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أترون هذه المرأة طارحةً ولدها في النار؟، قلنا: لا والله، فقال: الله أرحم بعباده من هذه بولدها، متفق عليه»، إلى هذه الدرجة يبلغ حنان الأم، لذا يُستغرب ويُستنكر أي سلوك منها قد ينتج عنه ضرراً لطفلها.
ولعل مشاهداتي للونا وحنوّها على صغارها هي التي أعادت طرحي لموضوع الحفاظ على سلامة الأبناء ولا سيما الأطفال في سنّ مبكّرة، من الألواح الذكية والأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي دون رقيب وآثارها السلبية على صحة الأطفال النفسية والجسدية والعقلية وعلى سلامتهم أيضاً، في ظل ظاهرة مجتمعية خطيرة يعانيها الأطفال –بلا ذنب منهم- بسبب التطور التكنولوجي وإهمال وانشغال الوالدين العصريين بأمور أخرى غير حُسن تربية أبنائهم، فأكثرهم يعمل على الخلاص من متطلبات أطفاله وشغبهم وحركتهم بإلهائهم بالأجهزة الإلكترونية.
وفي الوقت الذي تستمر فيه الأبحاث العلمية التي تؤكد الضرر الناجم عن استخدام الأطفال لتلك الأجهزة وما قد تتسبب به لهم من أمراض التوحّد والعزلة النفسية والانقطاع عن العالم الخارجي الذي يحتاج إليه الطفل لتنمية قدراته ومهاراته وتعليمه ولا سيما من سن عام واحد وحتى 7 سنوات، كما أنها تتسبب لهم في شعور دائم بالقلق والتوتر أثناء لعب بعض الألعاب وأثناء سحب الأجهزة منهم أو حتى تعطل الإنترنت أو فصله وتُعزز العنف لديهم بحكم طبيعة الألعاب التي قد يندمج الطفل معها ويدمنها، فهي تعزلهم عن بيئتهم وتخلق لهم بيئة جديدة افتراضية مغايرة للبيئة الإنسانية الطبيعية، فتحرمهم –وفقاً لأحد الباحثين- من معايشة المشاعر الطبيعية التي يتشاركها مع بيئته وأسرته وأقرانه، فضحكته افتراضية وألمه افتراضي وجميع مشاعره افتراضية، ناهيك عن الأثر الجسدي الذي يلحق بأعصابه وقوة نظره وجميع أعضائه الحيوية، وغيرها من الأضرار الكثيرة التي تضج بها الأبحاث العلمية والتي يتم التطرق إليها في المؤتمرات العلمية المتخصصة والتي اعتبر أغلبها أن الآثار المترتبة على الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية والألواح الذكية في سن مبكرّة قد يترتب عليها خلق أطفال في وضعية إعاقة، ليست بالضرورة إعاقة جسدية ولكن إعاقة نفسية أو اجتماعية وذلك نفسه ما انتهت إليه ندوة ( تمكين الأشخاص في وضعية إعاقة – التحديات والحلول)، التي أقيمت ضمن فعاليات المؤتمر الدولي للأشخاص في وضعية الإعاقة والذي أقامته جمعية التعاون الثقافي ومساندة الأشخاص المعاقين في المملكة المغربية في الثالث والعشرين من شهر مايو.
لذا، فكم من رسالة يجب أن تصل إلى الأسرة، الوالدين، الجدّين، للتحذير من مغبّة استخدام أطفالهم لتلك الأجهزة، مع علمهم بضررها وآثارها الحالية والمستقبلية؟ أي جرس يمكن أن يُقرع ويُحرّك مشاعر الوالدين نحو حماية أطفالهم من هذا الخطر؟؟ والأمرّ والأدهى هو أنهم على علم بهذه الأضرار ولكن ما زالوا مصرّين على تعريض أبنائهم لها.
فرفقا بأطفالكم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك