لا شك أن قطاع التكنولوجيا؛ بات اليوم يلعب دورا محوريا يهيمن على مختلف القطاعات، وهو الورقة الرابحة التي تراهن عليها الأمم لدفع عجلة التنمية، بما يحقق عملية التطور الشاملة التي يسعى إليها الإنسان، وبما يتواءم مع احتياجاته، وغاياته، ورغباته، سواء اقتصاديًا، أو اجتماعيًا، أو صحيًا... إلخ.
وبالحديث عن التنمية بمفهومها العريض، لا يمكن أن نغفل عن الدعوة العالمية، التي وجهتها منظمة الأمم المتحدة قبل ما يقارب الـ 10 سنوات، وذلك لتحقيق تنمية عالمية شاملة، اختزلتها في 17 هدفًا، حيث تبنتها كل الدول الأعضاء، والتي من المقرر أن تكون قد وجدت طريقها للنفاذ بحلول عام 2030م، أي بعد الـ 15 عاما من إطلاق الدعوة، وبعد ما يقارب الـ 5 أعوام من الآن!
وعند النظر إلى الصورة بمنظورها الواسع، مع الأخذ بعين الاعتبار التغيرات السياسية، والعسكرية، والبيئية، والمناخية، وغيرها، كتحديات مرت ومازالت تمر على العالم خلال السنوات الأخيرة، بما تخلفه من آثار اجتماعية، واقتصادية، وصحية، وبيئية... إلخ، نلحظ أنه مازال على الدول أن تقطع أشواطاً طويلة، لتحقيق هذه الأهداف بحلول الزمن المقرر، لاسيما بوجود كل هذه التحديات التي حدت من تحقيقها، والتي أدت بشكل أو بآخر إلى تراجع الخطوات التي اتُخذت في هذا الطريق سابقًا.
وبالنظر أيضًا إلى أن الفترة المتبقية لتحقيق هذه الأهداف، والتي تقدر بـ 5 أعوام، أي ما يعادل نصف الفترة المنقضية، لابد أن نعوّل على التطور التكنولوجي، لردم الفجوة التي خلفتها التحديات التي واجهتها الأمم، حتى نضمن اللحاق بسباق الوقت، وذلك من خلال توظيف التطور التكنولوجي الذي يتسق مع تحقيق الأهداف.
حيث يمكن تحقيق استدامة التنمية الصحية، بالاعتماد على تكنولوجيا الرعاية الصحية، التي يمكنها من خلال تحليل البيانات الموسع، تسريع تشخيص الأمراض بشكل مبكر، وبالتالي تؤدي إلى سرعة تطوير العلاج، بالإضافة إلى إمكانية تحقيق الاستشارات الطبية عن بعد، مما يعني تعزيز وصول الرعاية الصحية الأولية بشكل أسرع إلى المناطق النائية. إلى جانب إمكانية توفير مستشفيات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بكادر تشغيلي يعتمد على الروبوتات بالمقام الأول، وذلك ما شاهدناه بالصين مؤخرًا، إذ أطلقت أول مستشفى يعمل بالذكاء الاصطناعي في العالم، يتضمن 14 طبيب روبوت. ولابد أن نسقط الضوء أيضاً على جانب آخر من التطور التكنولوجي في المجال الصحي، والذي يحقق أيضًا هدف الاستدامة البيئي، من خلال الدور الذي يلعبه في تقليل النفايات الطبية، وتطوير تقنيات إعادة التدوير. وبالولوج إلى دور التكنولوجيا في تحقيق استدامة التنمية البيئية، يمكن أن نشير إلى التقنيات المتقدمة في تحسين مجال الطاقة، حيث تشهد تقنيات الطاقة الشمسية والرياح، تطورًا ملحوظًا في مجال الطاقة المتجددة، إلى جانب مجال إدارة النفايات، وتقليل الانبعاث الكربوني.
أما لتحقيق الهدف الرامي إلى زيادة رقعة المساحة الزراعية، بما يحقق تنمية بيئية، تحد من التصحر، وتضمن استدامة غذائية واقتصادية، يمكن الاعتماد بذلك على التكنولوجيا في القطاع الزراعي، والتي تعمل على تحسين نوع الإنتاج الزراعي، باستخدام التقنيات التي تعتمد على بيانات دقيقة، بما يسهم في رفع كفاءة المياه، والأسمدة، والفصائل الزراعية.
إلى جانب أنه يمكن الاعتماد على التقنيات الحديثة كالطائرات المسيرة (الدرونز) في مراقبة المحاصيل، ما يقلل من الجهد، ويقتصر الوقت، ويساهم في الكشف عن المشكلات بشكل أسرع، وبالتالي يحقق حلها بطريقة أسرع أيضًا.
ولا يمكن أن نغفل عن الدور الذي تلعبه التكنولوجيا في تحقيق استدامة التنمية في قطاع التعليم، بما يضمن هدف (التعليم مدى الحياة)، وذلك كان جليًا خلال أزمة كورونا الذي شهدها العالم خلال السنوات القليلة الماضية، والتي أثرت بشكل ايجابي في استمرارية تطوير تكنولوجيا التعليم الإلكتروني، بما يضمن محتوى تعليمي بجودة عالية، وذلك من خلال العمل على إدماج الأدوات التعليمية الرقمية والتطبيقات التفاعلية، مما يوفر فرصا تعليمية تحقق المساواة بين مختلف فئات المجتمع وفي أي مكان في العالم. وخير شاهد على الأهمية التي باتت توليها الأمم لتكنولوجيا التعليم، هو القرار الذي أصدره سعادة وزير التربية والتعليم بالمملكة مؤخرًا، والذي ينص على تنفيذ يوم دراسي عن بعد، بتاريخ 26 نوفمبر الجاري، لكل المدارس الحكومية، وذلك بغية قياس وتقييم نظام التعلم عن بعد، الذي عكفت الوزارة على تطويره خلال الفترة الماضية. من المؤكد أن التكنولوجيا اليوم، تعد مولدا لرفد عجلة التنمية، ولتسريع وتيرة تحقيق التطلعات البشرية المنشودة، بما فيها أهداف التنمية المستدامة، حيث يمكن من خلالها تقديم حلول ناجعة للكثير من التحديات الحياتية، بما يضمن جودة حياة الإنسان، ويعزز الاستدامة الفاعلة للعديد من القطاعات، الذي يمكنها الاستفادة من الابتكارات التكنولوجية، وتوظيفها بما يخدم الفرد والمجتمع، إلا أن هذا يحتاج إلى تعاون عالمي وسعي مجتمعي، وذلك من خلال الاهتمام والاستثمار المستمر بقطاع التكنولوجيا، ومن خلال العمل على مساعدة وإدماج المجتمعات الفقيرة في التطور والنماء، بما يحقق أهداف التنمية المستدامة بشكل أكثر فعالية وسرعة وأقل جهدًا؛ رغم تحديات التكلفة التي قد تحد منها سرعة الانتقال إلى التطور المنشود في المجتمعات الأقل حظًا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك