العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

مقالات

السفارة البريطانية لفتة الوفاء والإنسانية

بقلم: المحامية د. هنادي عيسى الجودر

الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ - 02:00

لست‭ ‬وحدي،‭ ‬ولكني‭ ‬أثق‭ ‬بأن‭ ‬الأكثرية‭ ‬منّا‭ ‬تأسره‭ ‬لفتات‭ ‬الوفاء‭ ‬والإنسانية‭ ‬التي‭ ‬يشاهدها‭ ‬بين‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬تحدُث‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬أحبّته،‭ ‬وتتزايد‭ ‬قيمة‭ ‬هذه‭ ‬اللفتة‭ ‬إن‭ ‬جاءت‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬رموز‭ ‬كبرى‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬وتعتبر‭ ‬قدّوة‭ ‬يُحتذى‭ ‬بها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الآخرين‭.‬

واسمحوا‭ ‬لي‭ - ‬خارجاً‭ ‬عن‭ ‬النص‭ ‬ومن‭ ‬باب‭ ‬التشبيه‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬المثال‭ ‬المعاصر‭ ‬للتذكير‭ ‬بهشاشة‭ ‬بعض‭ ‬الفئات‭ ‬من‭ ‬الجيل‭ - ‬التذكير‭ ‬بالدور‭ ‬الذي‭ ‬يلعبه‭ ‬مشاهير‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعية‭ ‬باعتبارهم‭ ‬مثالا‭ ‬وقدوة‭ ‬لفئة‭ ‬من‭ ‬المجتمع‭ ‬وحجم‭ ‬انقياد‭ ‬الجماهير‭ ‬لسلوكهم‭ ‬ومدى‭ ‬تأثيرهم‭ ‬على‭ ‬فكرهم‭ ‬وسلوكهم‭.‬

ولكن‭ ‬موضوعي‭ ‬أكبر‭ ‬وأكثر‭ ‬رُقيّاً‭ ‬من‭ ‬مثالي‭ ‬السابق،‭ ‬باعتباره‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬دول‭ ‬وقيادات‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الأفراد،‭ ‬فقد‭ ‬تشرفت‭ ‬مؤخراً‭ ‬بدعوة‭ ‬من‭ ‬السفارة‭ ‬البريطانية‭ ‬لحضور‭ ‬احتفاليتها‭ ‬بمناسبة‭ ‬ذكرى‭ ‬مولد‭ ‬الملك‭ ‬تشارلز‭ ‬الثالث‭ ‬ملك‭ ‬بريطانيا‭.‬

وأعلم‭ ‬وتعلمون‭ ‬بحجم‭ ‬العلاقات‭ ‬الوطيدة‭ ‬بين‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬وبين‭ ‬مملكة‭ ‬البحرين،‭ ‬إذ‭ ‬يجمعهما‭ ‬تاريخ‭ ‬عريق‭ ‬بدأ‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬التاسع‭ ‬عشر،‭ ‬قامت‭ ‬فيها‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى‭ ‬بتوفير‭ ‬الحماية‭ ‬لمياه‭ ‬الخليج‭ ‬وللدول‭ ‬الواقعة‭ ‬على‭ ‬ضفافة‭ ‬وفي‭ ‬مقدمتها‭ ‬البحرين،‭ ‬ثم‭ ‬توطدت‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬لتتوج‭ ‬باتفاقية‭ ‬صداقة‭ ‬وعلاقات‭ ‬اقتصادية،‭ ‬سياسية‭ ‬واجتماعية‭ ‬عميقة‭ ‬بين‭ ‬الحكومتين‭ ‬وشعبيهما‭.‬

‭ ‬وعلى‭ ‬صعيد‭ ‬العلاقات‭ ‬الشعبية،‭ ‬ما‭ ‬زلت‭ ‬أذكر‭ ‬جدّي‭ (‬بوعيسى‭) ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬وهو‭ ‬يخاطبنا‭ ‬بلغته‭ ‬الإنجليزية‭ ‬التي‭ ‬ينطقها‭ ‬بلكنة‭ ‬أهلها‭ ‬والتي‭ ‬تعلمها‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬عمله‭ ‬في‭ (‬اليبل‭) ‬وفقاً‭ ‬لتعبيره،‭ ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الذي‭ ‬تركوا‭ ‬مهنة‭ ‬الغوص‭ ‬ليلتحق‭ ‬ضمن‭ ‬قائمة‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬النفط‭ ‬في‭ ‬الثلث‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وأذكر‭ ‬حديثه‭ ‬عن‭ ‬إنسانية‭ ‬وانضباط‭ ‬مسؤولهم‭ ‬الإنجليزي‭ ‬حينها‭.‬

ولعل‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬العلاقات‭ ‬البحرينية‭ ‬البريطانية‭ ‬هو‭ ‬مهمة‭ ‬السياسيين‭ ‬ولكنني‭ ‬أتناولها‭ ‬كفرد‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الشعب،‭ ‬وليس‭ ‬بخافٍ‭ ‬بأن‭ ‬بريطانيا‭ ‬هي‭ ‬دولة‭ ‬سقف‭ ‬الحريات‭ ‬المرتفع‭ ‬جداً‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الانسان‭ ‬باعتباره‭ ‬أسلوب‭ ‬حياة‭ ‬وثقافة‭ ‬يمارسها‭ ‬الشعب‭ ‬والحكومة،‭ ‬بحكم‭ ‬قِدم‭ ‬نشأة‭ ‬الدولة‭ ‬وامتدادها‭ ‬الجغرافي‭ ‬وعراقة‭ ‬التجربة‭ ‬وثرائها‭ ‬التاريخي‭ ‬والسياسي‭ ‬والإنساني‭.‬

وعودة‭ ‬لموضوعي‭ ‬وهو‭ ‬مجريات‭ ‬حفل‭ ‬ذكرى‭ ‬مولد‭ ‬جلالة‭ ‬ملك‭ ‬بريطانيا،‭ ‬إذ‭ ‬أحببت‭ ‬لفتة‭ ‬سعادة‭ ‬السفير‭ ‬البريطاني‭ ‬سعادة‭ ‬السيد‭ ‬أليستر‭ ‬لونج،‭ ‬والذي‭ ‬بدأها‭ ‬بأننا‭ ‬قد‭ ‬اعتدنا‭ ‬لسنوات‭ ‬طوال‭ ‬أن‭ ‬نحتفل‭ ‬بعيد‭ ‬ميلاد‭ ‬الملكة‭ (‬TheQueen‭) ‬وأمر‭ ‬جديد‭ ‬هذا‭ ‬العام‭ ‬أن‭ ‬يتغيّر‭ ‬حرف‭ (‬Q‭) ‬إلى‭ ‬حرف‭ (‬K‭) ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬الملك‭ (‬The‭ ‬King‭) ‬وأتبع‭ ‬ذلك‭ ‬استذكاراً‭ ‬أنيقاً‭ ‬لجلالة‭ ‬الملكة‭ ‬الراحلة‭  ‬اليزابيث‭ ‬الثانية‭ ‬التي‭ ‬ارتبطت‭ ‬بكل‭ ‬تفاصيل‭ ‬التطور‭ ‬والتحديث‭ ‬المعاصر‭ ‬للمملكة‭ ‬وللدول‭ ‬التي‭ ‬تربطها‭ ‬بها‭ ‬علاقات‭ ‬مباشرة،‭ ‬متوّجاً‭ ‬هذا‭ ‬الاستذكار‭ ‬بحضور‭ ‬صوت‭ ‬جلالتها‭ ‬في‭ ‬الفيلم‭ ‬التسجيلي‭ ‬الذي‭ ‬تمّ‭ ‬عرضه‭ ‬في‭ ‬الاحتفال،‭ ‬والتوديع‭ ‬الصادق‭ ‬لها‭ ‬في‭ ‬ذكرى‭ ‬مولد‭ ‬الملك،‭ ‬ولا‭ ‬شك‭ ‬بأن‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬اللفتة‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬الترابط‭ ‬بين‭ ‬الشعب‭ ‬والحكم‭ ‬وتعزز‭ ‬علاقاتهما‭ ‬الأسرية‭ ‬باعتبار‭ ‬أن‭ ‬الشعب‭ ‬بأكمله‭ ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬الابن‭ ‬لحاكمه،‭ ‬وتؤكد‭ ‬بأن‭ ‬الموت‭ ‬لا‭ ‬يُغيّب‭ ‬الأشخاص‭ ‬الذين‭ ‬أسهموا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬الوطن‭ ‬واستطاعوا‭ ‬أن‭ ‬يكسبوا‭ ‬محبّة‭ ‬أبنائه،‭  ‬لذا‭ ‬يحافظ‭ ‬الباقين‭ ‬على‭ ‬سيرة‭ ‬الراحلين‭ ‬ليكون‭ ‬ذلك‭ ‬عبرة‭ ‬ودرساً‭ ‬للأجيال‭ ‬بأن‭ ‬ذاكرة‭ ‬الُمحبّ‭ ‬لا‭ ‬تنسى‭ ‬وبأن‭ ‬الحب‭ ‬يرتبط‭ ‬دائماً‭ ‬بالعطاء‭ ‬وبالإحسان‭  ‬وبالإنسانية‭.‬

ومن‭ ‬المعلوم‭ ‬بأن‭ ‬علاقة‭ ‬البريطانيين‭ ‬بملكتهم‭ ‬سابقا‭ ‬وملكهم‭ ‬حاليّاً‭ ‬هي‭ ‬علاقة‭ ‬تكاملية‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬التواصل‭ ‬المباشر‭ ‬بكل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل،‭ ‬وبأن‭ ‬الاحتفاء‭ ‬برموز‭ ‬الحكم‭ ‬هو‭ ‬ديدن‭ ‬البريطانيين‭ ‬حكومة‭ ‬وشعباً،‭ ‬وكانت‭ ‬الملكة‭ ‬بشخصها‭ ‬تشهد‭ ‬هذا‭ ‬الاحتفاء‭ ‬والتقدير‭ ‬أثناء‭ ‬بقائها‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬فهنيئاً‭ ‬لها‭ ‬وطابت‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬والموت‭.‬

وفيما‭ ‬يخصّني‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬اللفتة‭ ‬المُخلصة،‭ ‬قد‭ ‬دفعتني‭ ‬إلى‭ ‬استدعاء‭ ‬فكرة‭ ‬مُستقاة‭ ‬منها،‭ ‬لطالما‭ ‬كانت‭ ‬تراودني‭ ‬وأعلم‭ ‬أيضاً‭ ‬بأنها‭ ‬تراود‭ ‬الكثير‭ ‬منكم،‭ ‬وهي‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الجميل‭ ‬أن‭ ‬نحتفي‭ ‬بذكر‭ ‬من‭ ‬أسهموا‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬ونهضة‭ ‬ورفعة‭ ‬الأوطان‭ ‬وتكريم‭ ‬ذكراهم‭ ‬بعد‭ ‬رحيلهم‭ ‬ولا‭ ‬نتركهم‭ ‬للنسيان‭ ‬يطويهم،‭ ‬ولكن‭ ‬يبقى‭ ‬الأجمل‭ ‬دائماً‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬نحتفي‭ ‬بذكرهم‭ ‬ومنجزاتهم‭ ‬معهم‭ ‬ما‭ ‬داموا‭ ‬أحياء‭ ‬بيننا‭. ‬

 

Hanadi‭_‬aljowder@hotmail‭.‬com

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا