مع تطور المشهد الاقتصادي العالمي، من المواضيع البارزة التي ستظهر في عام 2024 هو الاختلاف في سياسات البنوك المركزية بين الاقتصادات الكبرى. بدأ البنك المركزي الأوروبي (ECB)، وبنك كندا (BoC)، والبنك الوطني السويسري (SNB) في تخفيض أسعار الفائدة استجابة لتباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض التضخم. وفي المقابل، لا يزال بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في حالة انتظار، ويواجه بيانات اقتصادية قوية وضغوط تضخمية مستمرة. ويطرح هذا الاختلاف في السياسات النقدية تحديات وفرصًا فريدة للبنوك المركزية في دول الخليج، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالدولار الأمريكي من خلال ربط العملات.
وقد قام البنك المركزي الأوروبي وبنك كندا والبنك المركزي السويسري مؤخراً بتخفيض أسعار الفائدة لتحفيز اقتصاداتها، معترفين بتباطؤ النمو والتضخم. وتتبنى هذه البنوك المركزية موقفا تيسيريا يهدف إلى دعم النشاط الاقتصادي ودرء الركود المحتمل. على سبيل المثال، قام البنك المركزي الأوروبي بتخفيض أسعار الفائدة لمواجهة تباطؤ النمو في منطقة اليورو، في حين تهدف تخفيضات بنك كندا إلى التخفيف من تأثير ضعف الطلب العالمي على الاقتصاد الكندي.
وفي تناقض صارخ، يحافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي على ثباته، متأثرًا بالمؤشرات الاقتصادية القوية. يواصل سوق العمل الأمريكي إظهار القوة، مع خلق فرص عمل قوية. ومع ذلك، لا يزال التضخم ثابتًا ومرتفعًا، ويتجاوز باستمرار هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%. وقد أدى ذلك إلى زيادة التكهنات حول ما إذا كان بنك الاحتياطي الفيدرالي سيختار تخفيض أسعار الفائدة هذا العام، على الرغم من الضغوط المتزايدة.
وتربط دول الخليج عملاتها بالدولار الأمريكي، مع ربط الكويت بسلة من العملات المثقلة بشدة بالدولار. لقد وفر هذا الربط تاريخيا الاستقرار، ولكنه يعني أيضاً أنه يجب على البنوك المركزية في دول الخليج مواءمة سياساتها النقدية بشكل وثيق مع بنك الاحتياطي الفيدرالي للحفاظ على استقرار العملة وتجنب هجمات المضاربة.
وبالنظر إلى الموقف الحالي للاحتياطي الفيدرالي، تواجه البنوك المركزية في دول الخليج سيناريو معقدًا: 1) سياسات أسعار الفائدة: مع تعليق بنك الاحتياطي الفيدرالي، من المرجح أن تحافظ البنوك المركزية في دول مجلس التعاون الخليجي على أسعار الفائدة للحفاظ على ربط العملة. ومع ذلك، قد يؤدي هذا إلى عدم التوافق مع الظروف الاقتصادية المحلية. وبينما يتم احتواء التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي حاليا عند مستويات صحية، فإن فترة طويلة من ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ النمو الاقتصادي في المنطقة. 2) إدارة التضخم: على عكس الولايات المتحدة، يتم احتواء التضخم في دول الخليج بشكل جيد، وذلك بسبب عوامل مثل الإعانات، ومراقبة الأسعار، وانخفاض ضغوط الطلب المحلي. 3) النمو الاقتصادي والتنويع: يؤكد الاختلاف في السياسات النقدية العالمية على حاجة دول الخليج إلى تسريع جهود التنويع الاقتصادي. ومن الممكن أن يساعد تقليل الاعتماد على عائدات النفط وتطوير القطاعات غير النفطية في تخفيف تأثير الصدمات النقدية الخارجية. وستكون الاستثمارات في البنية التحتية والتكنولوجيا ورأس المال البشري حاسمة في دفع النمو المستدام بشكل مستقل عن تقلبات أسعار النفط والسياسات النقدية العالمية.
وللتغلب على هذه البيئة المعقدة، يمكن للبنوك المركزية في دول الخليج أن تفكر في عدة إجراءات استراتيجية: 1) تنسيق السياسة النقدية: تنسيق أوثق مع بنك الاحتياطي الفيدرالي لمواءمة سياسات أسعار الفائدة مع مراعاة الظروف الاقتصادية المحلية. وقد يشمل ذلك الانخراط في حوارات واتفاقات لضمان انتقال السياسات بشكل سلس واستقرارها. 2) تعزيز الاستقرار المالي: تعزيز الأنظمة والإشراف على القطاع المالي للتخفيف من المخاطر المرتبطة بتدفقات رأس المال إلى الخارج. 3) تعزيز التنويع الاقتصادي: دعم المبادرات الحكومية الرامية إلى التنويع الاقتصادي لبناء القدرة على الصمود في مواجهة الصدمات الاقتصادية الخارجية. ويشمل ذلك تعزيز بيئة مواتية لنمو القطاع الخاص والابتكار.
وفي الختام، فإن الاختلاف في سياسات البنوك المركزية يشكل آثارا كبيرة على منطقة الخليج. وفي حين أن ربط العملة بالدولار الأمريكي يوفر الاستقرار، فإنه يتطلب أيضا معايرة دقيقة للسياسات النقدية لتحقيق التوازن بين الاحتياجات الاقتصادية المحلية والضغوط الخارجية. ومن خلال اعتماد نهج استباقي واستراتيجي، تستطيع البنوك المركزية في دول الخليج التغلب على هذه التحديات ودعم الاستقرار والنمو الاقتصادي على المدى الطويل.
{ عضو مجلس إدارة جمعية الإداريين البحرينية
ماجستير تنفيذي بالإدارة من المملكة المتحدة (EMBA)
عضو بمعهد المهندسين والتكنولوجيا البريطانية (MIET)
عضو بجمعية المهندسين البحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك