هذا المقال مقتطف من كتاب الدكتور محمد صالح محمد المعنون بـ«تاريخ البحرين الدبلوماسي». والكتاب لم يُنشر بعد، ولذا فإن صحيفة «أخبار الخليج» تنشر هذا الجزء من الكتاب المتعلق بتاريخ علاقات البحرين بجامعة الدول العربية، وذلك بالتزامن مع انعقاد القمة العربية الثالثة والثلاثين التي تستضيفها مملكة البحرين حالياً. وعلى الرغم من أنها ليست المرة الأولى التي تتولى فيها مملكة البحرين رئاسة القمة العربية، إذ ترأستها في عام 2003، إلا أنها المرة الأولى التي تستضيف فيها مملكة البحرين اجتماعات القمة على أراضيها. ولهذا فهي حدث مميز في تاريخ البحرين الدبلوماسي.
تاريخ علاقة البحرين بجامعة الدول العربية
يمكن تناول علاقة مملكة البحرين بجامعة الدول العربية عبر حقبتين زمنيتين مختلفتين، الأولى قبل إعلان استقلال البحرين وانضمامها إلى جامعة الدول العربية، والأخرى بعد اعلان الاستقلال وانضمامها إلى الجامعة العربية.
أ. العلاقات البحرينية بجامعة الدول العربية قبل إعلان الاستقلال
ينص ميثاق جامعة الدول العربية على أنه إذا كانت المظاهر الخارجية لبعض الدول العربية قد ظلت محجوبة لأسباب قاهرة، «فلا يسوغ أن يكون ذلك حائلاً دون اشتراكها في أعمال مجلس الجامعة».
ولم يتم تطبيق النص المذكور أعلاه من ميثاق جامعة الدول العربية بشكل واسع في السنوات الأولى من عمر جامعة الدول العربية، إلا أن الأمر قد بدأ يتغير بعد قيام ثورة 1952 في مصر التي تبنت الفكر القومي العربي. ولهذا أخذت جامعة الدول العربية تكثر من دعوة إمارات الخليج العربي التي كانت خاضعة حينها للحماية البريطانية إلى المشاركة في نشاط جامعة الدول العربية الثقافي والاجتماعي، فصار المعلمون والفنيون العرب يزورون إخوانهم في الخليج العربي ويقدمون لهم الدعم الفني الذي كانوا في أمس الحاجة إليه، في وقت كان البريطانيون يسعون إلى عزلهم عن محيطهم العربي قدر المستطاع.
وقد كانت البحرين من أوائل إمارات الخليج التي كانت تشارك في النشاط الثقافي لجامعة الدول العربية منذ الخمسينيات. فعلى الرغم من أن البحرين لم تنضم إلى جامعة الدول العربية إلا في 11 سبتمبر من عام 1971، إلا أنها كانت تشارك بين الفينة والأخرى في بعض فعاليات ومؤتمرات الجامعة العربية، ذات الطابع غير السياسي. ففي 22 أغسطس 1950 على سبيل المثال شارك مدير المعارف الأستاذ أحمد العمران في المؤتمر الثقافي العربي الثاني الذي عقد في الإسكندرية بجمهورية مصر العربية، تلبية لدعوة وجهتها الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.
وكانت هناك تواصل بين جامعة الدول العربية وحكومة البحرين بشأن عدد من المسائل غير السياسية. ففي شهر مارس 1963 زار وفد من جامعة الدول العربية إمارات البحرين، وقطر، ودبي، وأبوظبي، والشارقة. وجرى خلال هذه الزيارة التباحث حول سبل تطبيق أحكام المقاطعة العربية لإسرائيل. وبعد هذه الزيارة أصدر حاكم البحرين مرسوماً بإنشاء مكتب للمقاطعة في البحرين، وكذلك فعل حكام الإمارات الأخرى آنفة الذكر.
وفي دورته الحادية والأربعين، ناقش مجلس جامعة الدول العربية موضوع الهجرة الأجنبية إلى إمارات الخليج العربي وما تشكله من خطر على هذه المنطقة العربية. وخلص المجلس إلى اعتماد قرار بتاريخ 31 مارس 1964 طالب بموجبه بإيفاد بعثة من الجامعة العربية للاتفاق مع أمراء الخليج على تقييد الهجرة الأجنبية اتقاء لأخطارها المشتركة، وبحث وسائل توثيق الروابط الأخوية العربية مع إماراتهم. وقد زارت البعثة البحرين في 22 أكتوبر 1964 حيث التقت بحضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة حاكم البحرين وتباحثت معه حول سبل تعزيز التعاون في المجالات غير السياسية.
وبعدها، استمر التواصل بين جامعة الدول العربية والبحرين، ففي شهر مايو 1967 كتبت جامعة الدول العربية رسالة إلى حكومة البحرين تطلب فيها ترشيح شاعر البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض لجائزة نوبل. وقد اعتذر الأستاذ إبراهيم العريض بكل تواضع عن قبول هذا الترشيح، حيث جاء في رسالة اعتذاره: «وأود أن أؤكد لكم أن آثاري الأدبية – في رأيي– لا تحمل أية مؤهلات للحصول على هذه الجائزة، ولذلك فإن كل إيضاح حول هذه الآثار غير ذي موضوع».
وقبيل إعلان استقلال البحرين ببضعة أشهر، استضافت مملكة البحرين مؤتمر وزراء الإعلام العرب، وذلك في 23 فبراير 1971. وهكذا يمكن القول إن خضوع البحرين للحماية البريطانية لم يحل دون وجود نوع من العلاقات بينها وبين جامعة الدول العربية، لا سيما في المجالات الاجتماعية والتعليمية والثقافية وغيرها من المجالات غير السياسية.
ب. العلاقات البحرينية بجامعة الدول العربية بعد إعلان الاستقلال
بعد إعلان الاستقلال كانت الخطوة الأولى التي سعت نحوها مملكة البحرين هي الانضمام إلى جامعة الدول العربية. ولهذا الغرض ابتعث حضرة صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة أمير دولة البحرين الدكتور حسين البحارنة إلى جمهورية مصر العربية للاتفاق على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ولتقديم طلب الانضمام إلى جامعة الدول العربية. وفي 11 سبتمبر 1971 انضمت البحرين بشكل رسمي لجامعة الدول العربية، قبل انضمامها بعشرة أيام لاحقة إلى الأمم المتحدة.
أخذت البحرين بعد ذلك تشارك بفعالية في كل أنشطة جامعة الدول العربية وفي مختلف أجهزتها وفروعها ومنظماتها المتخصصة. فقد ترأست المملكة على سبيل المثال اجتماعات مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري خلال أعوام 1975، 1985، 2006، ثم أخيراً في مارس 2016، حين ترأست الدورة (145) للمجلس. وأثناء ترؤسها للدورات المذكرة، فهي تترأس كذلك المجالس الوزارية المتخصصة. وقد ترأست مملكة البحرين أيضاً القمة العربية الخامسة عشرة في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، في شهر مارس 2003.
وقد تبوأ عدد من المواطنين البحرينيين مناصب عليا في جامعة الدول العربية مثل السفير عبد النبي مسيب رئيس بعثة جامعة الدول العربية في برلين بألمانيا (2006 – 2012)، والدكتور عبد العزيز النجدي مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية (سابقا)، والدكتور جاسم المناعي المدير العام رئيس مجلس إدارة صندوق النقد العربي (سابقا)، والأستاذة فائقة سعيد الصالح مستشار الأمين العام لجامعة الدول العربية (سابقا)، وغيرهم. ومن البحرينيين الذين عملوا كذلك في جامعة الدول العربية فيما بعد السفير خليل إبراهيم الذوادي، الذي يتولى حالياً منصب الأمين العام المساعد رئيس قطاع الشؤون العربية والأمن القومي، والسفير يوسف جميل، الذي يتولى حالياً منصب رئيس بعثة جامعة الدول العربية في نيودلهي، كما يتولى النائب عادل العسومي، منصب رئيس البرلمان العربي.
ومن الجدير بالذكر أن علاقات التعاون بين البحرين وجامعة الدولة العربية لا تقتصر على التعاون السياسي، فحسب، بل تمتد إلى مختلف المجالات. فللجامعة العربية منظمات متخصصة مشابهة للوكالات المتخصصة التابعة للأمم المتحدة،
{ باحث في تاريخ البحرين الدبلوماسي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك