القراء الأعزاء،
(كأن أحبابنا غابوا،
تنفّس وانطفى القنديل
وتبلّل بالدمع منديل وخصلات الشعر شابوا
أظن أحبابنا غابوا)
ليس ظناً يا بدر، بل أكيد أن أحبابنا غابوا، فلم يكن اليوم السبت كسائر الأيام يوماً عادياً، هذا الذي هبّت رياح صباحه محمّلة بنعي أمير الشعر وبدره، الشاعر الاستثنائي، شاعر الحداثة والتجديد ومهندس قصيدة التفعيلة الشعبية، شاعر الحب والجمال الأمير بدر بن عبدالمحسن آل سعود، الذي تسامت قريحته الشعرية بحُبّ ومنجزات المملكة العربية السعودية لتضعها (فوق هام السحب)، ذاك الشاعر الذي نال منه الحب حتى قال:
(يالله! وش كثر أنتِ جميلة،
وش كثر أنا أحب، أنا أحب..
واحلم بك دايم، جنبي وأنا صاحي ونائم)،
والذي استغرب الأمير خالد الفيصل طلبه للحب عندما سمع قصيدته عطني المحبّة،
(عطني المحبّة، كلّ المحبة، عطني الحياة،
عطني المحبة وأعطيك حياتي واللي بقالي واللي مضالي مع ذكرياتي)، فيما هو الأمير ابن الملوك الذي يأمر ولا يطلب، ولكن ذلك كان مقدار شفافية روح البدر وبساطتها وعظمتها ورهافة حسّه.
وفي قوله تعالى: (ويسألونك عن الروح، قُل الروح من أمر ربي) يبدو جليّاً عمق الروح بكل غموضها وعظمتها وخفاياها وبأنها تلعب دوراً محورياً في ربط البشر بروابطٍ خفيّة عصيّة على التأويل أو الفهم أو الشرح، لذا فإنه دائماً ما يكون هناك أشخاص يُنبئك لقاؤهم الأول بلقاءات أخرى لم تتم واقعاً ولكنها قد تكون حدثت في عالم الأرواح، كما أنه يوجد في الحياة أناس نرتبط بهم ونشعر بالطمأنينة لوجودهم على الرغم من عدم وجود روابط فعلية ومباشرة تجمعنا بهم، وذلك ينطبق على روح بدر الشعر الأمير بدر بن عبدالمحسن، فلعلّي أكون من المحظوظين الذين ربطهم به الشعر، إلا أن الكثير من محبيه تجمعهم به تلك الرابطة المُبهمة، فالكل قد أجمع على حُبّه وحب قصائده التي لامست قلوبهم واقتربت روحه من أرواحهم، فجميعنا نُحبّه ونشعر بالفرح والطمأنينة لوجوده، مكتفين بعلمنا بأنه موجود على قيد الحياة ونشعر بوجوده معنا كل يوم حتى وإن كانت تفصلنا عنه المسافات، ولا عجب في ذلك فإن بدر الشعر هو ذلك الإنسان الذي آمن بأن الحب هو الحياة وبأننا نحيا الحب ونحب لنحيا ويكتمل الحب حينما نُصدّق بوجوده وبأن هناك إنسانا خُلق لأجلنا، وقد صدقنا الرأي فالحب هو الذي يُحيل صحارى القلوب إلى بساتين وهو الذي يبني الجسور ويُمهّد طرقات الوصال واللقاء، وهو الذي ينشر طاقة العطاء والإيثار والصدق والثقة والإيمان، بل ويجعل الفراق صعباً وجارحاً ومؤلماً،
(جفّت حروف الماء
وباقي في صدري الملح
قومي اغسلي سفري إن طال بي الترحال
كل المواني حبال تربطني بعيونك
وشلون أنا أخونك وأنتِ لوحدك لي)
ومالها لا تجفّ يا بدر وقد غادرنا ذلك الشعور، الذي لملمه البدر وغادر به في رحاله، ولن يبقى لطمأنينة شعور أنه بخير وقلبه ينبض بالحياة مكان، مع أننا نثق بأنه سيكون بخير عند بارئه، وستكون تلك المرة الأولى التي يموت فيها شخص واحد ويُرثى اثنان، فحينما يموت بدر الشعر لا يرثِيه الشعراء وأحبته ومعجبوه فقط، بل أصبح لزاماً رثاء الشعر معه، ولا نملك أن نقول سوى
(ذبلت أنوار الشوارع
وانطفى ضيّ الحروف،
يالله يا قلبي سرينا، ضاقت الدنيا علينا)،
وأمام عظمة الموت لا أملك سوى تعزيتي الصادقة لخادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين ولعموم أفراد آل سعود الكرام حكّام المملكة العربية السعودية ولجميع أخوة وأبناء الأمير بدر بن عبدالمحسن وللساحة الشعرية ولكل محبيه.
فإلى رحمة الله ومغفرته الواسعة، وداعاً أمير الشعر وبدر الشعر وأيقونة العذوبة و(شكراً على الحب، على الشوق
شكراً على ضيّ القمر فوق
شكراً على عيوني اللي تشوفك
على شتا صمتي ودفا حروفك)
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك