القراء الأعزاء،
يُعد وجود المجتمع المدني شرطاً أساسياً من شروط تحقيق الديمقراطية الصحيّة، حتى بات يُمثّل السلطة الرابعة في الدولة لما له من أثر على تنمية المجتمع مدنياً وسياسياً واقتصاديا واجتماعياً وثقافياً، وتلعب منظمات المجتمع المدني دوراً مهماً على صعيد تعزيز وحماية حقوق الانسان من خلال عملها على زيادة الوعي بهذه الحقوق وتقديم الدعم حين وجوبه، وتعتبر جمعيات ونقابات واتحادات الحقوقيين من أبرز منظمات المجتمع المدني التي أخذت على عاتقها هذه المهمة، وعلى الصعيد العربي يبرز اتحاد الحقوقيين العرب على الصعيد الإقليمي الذي تأسس في شهر يناير من عام 1975 في بغداد.
وقد شهد الأسبوع الماضي فعاليات المؤتمر السابع لاتحاد الحقوقيين العرب – منظمة غير حكومية ذات صفة استشارية لدى الأمم المتحدة - والتي تزامنت مع انعقاد الاجتماع الثالث والأربعين للاتحاد الذي انعقد في العاصمة العراقية بغداد تحت رعاية دولة رئيس الوزراء المهندس محمد شياع السوداني، حيث جاء انعقاد المؤتمر في الفترة التي تشهد فيها حقوق الانسان تراجعاً عالمياً على صعيد السياسات الدولية متمثلاً في جميع الممارسات اللاإنسانية التي تُمارس ضد أهل غزّة منذ السابع من اكتوبر 2023، الامر الذي أثّر على ثقة الشعوب في مدى جدّية الدول الكبرى في تطبيق مبادئ احترام وحماية وتعزيز حقوق الانسان وجعلت من المواثيق الدولية مدنا فاضلة لا وجود حقيقي لها في سياسات تلك الدول، ولاسيما تلك التي تمتلك العضوية الدائمة في مجلس الأمن.
وقد استضافت جمهورية العراق وبرئاسة من اتحاد الحقوقيين العراقيين أعمال المؤتمر تحت شعار (نحو استراتيجية عربية حقوقية نهضوية لمواجهة تحديات الأمن القومي) بإمكانيات العراق الذي عرفه العرب عظيماً ينضح كرماً وعراقةً وعمقاً تاريخياً، في حفل رفيع المستوى، حيث حضر جلسة الافتتاح ما يفوق الألف حقوقي من ممثلي المنظمات الحقوقية العربية من مختلف أقطار الوطن العربي، يتقدمهم معالي وزير العدل العراقي الدكتور خالد الشواني نائباً عن راعي حفل الافتتاح، وقد تشرفت بالحضور ممثلة لجمعية الحقوقيين البحرينية بمعية الدكتور المحامي عباس هلال عضو المكتب الدائم للاتحاد، كما أطلق اجتماع المكتب الدائم للاتحاد على جلسة استكمال الأعمال اسم (غزة الكرامة والعزة) على جلسة الافتتاح وجدول اعمال المؤتمر، وخلص البيان الختامي للمؤتمر إلى ضرورة وحدة الصف العربي وأهمية استقلال مهنة المحاماة وتعزيز دور المحامين والنقابات المهنية للمحامين في الدفاع عن حقوق الانسان والقضايا القومية للوطن العربي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والعدوان الغاشم على غزّة، والتأكيد على أمن الدول العربية واستقرارها الداخلي وعدم التدخل في شؤونها الداخلية بشكل عام مع التأكيد على مواقف وتوصيات تتعلق بخصوصية الأوضاع بجميع البلدان العربية كجمهورية العراق والمملكة الأردنية الهاشمية وجمهورية مصر العربية والجمهورية اللبنانية والجمهورية العربية السورية والجزائر واليمن والمملكة العربية السعودية ودولة قطر والامارات العربية المتحدة والسودان وانتهى إلى توصيات على الصعيد العام، وفيما يتعلق بمملكة البحرين فقد أكّد المؤتمر على إدانة التدخل في الشؤون الداخلية للمملكة وعلى أهمية أمن منطقة الخليج العربي باعتباره نقطة ارتكاز محورية واساسية للأمن في المنطقة العربية وبما يؤدي إلى تحقيق الأمن القومي العربي، كما أشاد بدور المنظمات الحقوقية ومنظمات حقوق الانسان في البحرين وبتأكيدها على أهمية ترسيخ وتعزيز الحقوق والحريات في المملكة، وأخيراً ثمّن المؤتمر المرسوم بقانون بشأن العفو الخاص الموسّع الذي أصدره ملك البحرين والذي يُبنى عليه المزيد من الخطوات من أجل اصلاحٍ مستمر شامل لنهضة ورفعة مملكة البحرين.
وفي رأيي أن هذا المؤتمر يشكل جسراً للتواصل بين الحقوقيين العرب لتبادل الخبرات الإنسانية والمهنية والنوعية فيما يتعلق بالقضايا الوطنية والعربية وتعزيز حقوق الانسان وحرياته الأساسية، كما يعيد تعزيز أواصر الصلات العميقة والوحدة فيما بين جميع العرب كإخوة يجمعهم مصير مشترك ولاسيما في ظل المخاطر والتحديات المعاصرة المحيطة بالأمة العربية بأكملها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية والمنعطف التاريخي الخطير الذي تمرّ به منذ بدء أحداث غزة.
ويهمني هنا الإشارة إلى المستوى الفكري العالي الذي كان يسود أجواء المؤتمر وبسلاسة الانتقال بين المحاور المختلفة على أساس من التفاهم والتناغم بين الحضور وفق شعور مهني بالمسؤولية والاهتمام والإيثار، وتكللت بالموافقة على نقل المقر الرئيسي للأمانة العامة للاتحاد إلى بغداد بعد أن انتقل إلى عمّان منذ عام 2009، بسبب الأوضاع الأمنية والسياسية في العراق، ليعود الاتحاد إلى مقرّه الأصلي.
فشكراً للعراق التي استضافت المؤتمر، وللجهود التي بُذلت من أجل تنظيمه، والشكر بداية للدكتور محمد نعمان الداوودي الأمين العام المساعد لاتحاد الحقوقيين العرب على جهوده وفريقه التي جعلت من حفل الافتتاح حفلاً نموذجيا راقياً، شكرا لرئيس الاتحاد الدكتور شبيب المالكي وللأمين العام الدكتور علي الضمور، شكرا لنقابة المحامين العراقيين ممثلة في النقيبة الدكتورة أحلام اللامي والشكر موصول لجميع الإخوة العرب المشاركين في المؤتمر والمنظمين له، ونتطلع إلى أن يُعقد مؤتمر مماثل للحقوقيين في مملكة البحرين قريباً.
Hanadi_aljowder@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك