العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٥٠ - الأربعاء ٢٧ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٥ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الرد الإيراني وسياسة التهويل المخادع

بقلم: فاروق يوسف

الجمعة ٢٦ أبريل ٢٠٢٤ - 02:00

لو‭ ‬صدقت‭ ‬إيران‭ ‬كذبتها‭ ‬فذلك‭ ‬من‭ ‬حقها‭. ‬غير‭ ‬أن‭ ‬حكاية‭ ‬الآخرين‭ ‬مع‭ ‬تلك‭ ‬الكذبة‭ ‬تستحق‭ ‬أن‭ ‬يتأملها‭ ‬المرء‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬يسبق‭ ‬تأملاته‭ ‬بأحكام‭ ‬جاهزة‭. ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬أولئك‭ ‬الآخرون‭ ‬لا‭ ‬ينكرون‭ ‬الحقيقة‭ ‬التي‭ ‬تستند‭ ‬عليها‭ ‬تلك‭ ‬الأحكام‭ ‬كونهم‭ ‬مجرد‭ ‬أتباع‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬الإرادة‭ ‬المستقلة‭ ‬في‭ ‬رؤية‭ ‬الوقائع‭ ‬واتخاذ‭ ‬مواقف‭ ‬محايدة‭ ‬منها‭.‬

بطريقة‭ ‬ما‭ ‬أرادت‭ ‬إيران‭ ‬أن‭ ‬ترد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لما‭ ‬يُشاع‭ ‬عن‭ ‬قوتها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬عدم‭ ‬الاستمرار‭ ‬في‭ ‬تكرار‭ ‬المعزوفة‭ ‬القديمة‭ ‬‮«‬الرد‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬المناسب‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬المعزوفة‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يتعب‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭ ‬من‭ ‬ترديدها‭ ‬كلما‭ ‬تعرضت‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية‭ ‬لعدوان‭ ‬إسرائيلي‭. ‬من‭ ‬حق‭ ‬النظام‭ ‬الإيراني‭ ‬أن‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يثبت‭ ‬أنه‭ ‬غير‭ ‬عاجز‭ ‬عن‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬حال‭ ‬النظام‭ ‬السوري‭. ‬فإيران‭ ‬التي‭ ‬تسعى‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلعب‭ ‬دورا‭ ‬محوريا‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬هيمنت‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬عديدة‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬يزعم‭ ‬الإيرانيون‭ ‬أنهم‭ ‬حموا‭ ‬نظامها‭ ‬من‭ ‬السقوط،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬جعلهم‭ ‬طرفا‭ ‬في‭ ‬الحوارات‭ ‬التي‭ ‬أقامتها‭ ‬روسيا‭ ‬بحثا‭ ‬عن‭ ‬حل‭ ‬سياسي‭ ‬للأزمة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭.‬

منذ‭ ‬أن‭ ‬بدأ‭ ‬التدخل‭ ‬الإيراني‭ ‬المباشر‭ ‬في‭ ‬الحرب‭ ‬السورية‭ ‬وإسرائيل‭ ‬توجه‭ ‬ضربات‭ ‬إلى‭ ‬الأراضي‭ ‬السورية،‭ ‬كان‭ ‬القصد‭ ‬منها‭ ‬تدمير‭ ‬قواعد‭ ‬للحرس‭ ‬الثوري‭ ‬أو‭ ‬قتل‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬ضباطه‭ ‬الذين‭ ‬يعملون‭ ‬بصفة‭ ‬خبراء‭ ‬أو‭ ‬تفجير‭ ‬مخازن‭ ‬أسلحة‭ ‬إيرانية‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬مطار‭ ‬دمشق‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬الحالات‭ ‬لم‭ ‬تقل‭ ‬إيران‭ ‬كلمة‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تخف‭ ‬جنازات‭ ‬ضباطها‭ ‬الذين‭ ‬يُقتلون‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬عن‭ ‬الإعلام‭.‬

أوهم‭ ‬البعض‭ ‬نفسه‭ ‬بأن‭ ‬تلك‭ ‬الضربات‭ ‬لم‭ ‬توجه‭ ‬إلى‭ ‬أهداف‭ ‬إيرانية،‭ ‬بل‭ ‬إلى‭ ‬تجمعات‭ ‬تابعة‭ ‬لحزب‭ ‬الله‭ (‬اللبناني‭). ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬الأمر‭ ‬سواء‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحقائق‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬تفيد‭ ‬بأن‭ ‬إيران‭ ‬التي‭ ‬نجحت‭ ‬في‭ ‬تنظيم‭ ‬مليشيات‭ ‬عديدة‭ ‬موالية‭ ‬لها‭ ‬لم‭ ‬تمتنع‭ ‬عن‭ ‬التدخل‭ ‬المباشر‭. ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬معلوما‭ ‬لإسرائيل‭ ‬وهي‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تتوقف‭ ‬عن‭ ‬استهداف‭ ‬المنشآت‭ ‬النووية‭ ‬في‭ ‬الداخل‭ ‬الإيراني‭. ‬وإذا‭ ‬كانت‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬الخروقات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬لمنشآتها‭ ‬النووية‭ ‬وتفجير‭ ‬أسلحتها‭ ‬وضرب‭ ‬قواعدها‭ ‬العسكرية‭ ‬في‭ ‬سوريا،‭ ‬فإنها‭ ‬وجدت‭ ‬نفسها‭ ‬محرجة‭ ‬أمام‭ ‬استهداف‭ ‬إسرائيل‭ ‬محيط‭ ‬قنصليتها‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وقتل‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬جنرالاتها‭ ‬وهو‭ ‬المسؤول‭ ‬عن‭ ‬العمليات‭ ‬القتالية‭ ‬لفيلق‭ ‬القدس‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يؤكد‭ ‬ما‭ ‬ذهبنا‭ ‬إليه‭.‬

لم‭ ‬تستشر‭ ‬إسرائيل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تضرب‭ ‬محيط‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬وتقتل‭ ‬زاهدي‭. ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬فعلت‭ ‬لما‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الموافقة‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬تجربتها‭ ‬حين‭ ‬قتلت‭ ‬سليماني‭ ‬وسمحت‭ ‬لإيران‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬بالرد‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬اتفاق‭ ‬بين‭ ‬الطرفين‭. ‬وإذا‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬انتقام‭ ‬إيران‭ ‬قد‭ ‬حدث‭ ‬صوريا‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬ولم‭ ‬يصب‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬الجنود‭ ‬في‭ ‬القاعدة‭ ‬الأمريكية،‭ ‬فإن‭ ‬الانتقام‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬قدر‭ ‬هائل‭ ‬من‭ ‬الحساسية‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬إسرائيل‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬قدراتها‭ ‬النووية‭ ‬فإن‭ ‬مجتمعها‭ ‬هش،‭ ‬ولا‭ ‬يمكنه‭ ‬أن‭ ‬يقاوم‭ ‬الصدمات‭ ‬التي‭ ‬تأتي‭ ‬من‭ ‬الخارج‭. ‬هو‭ ‬مجتمع‭ ‬خائف‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬معاد‭ ‬له‭.‬

هل‭ ‬يعني‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬إسرائيل‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬تورطت‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬قدرتها‭ ‬حين‭ ‬قتلت‭ ‬زاهدي‭ ‬في‭ ‬محيط‭ ‬القنصلية‭ ‬الإيرانية‭ ‬بدمشق؟‭ ‬لم‭ ‬تفكر‭ ‬إسرائيل‭ ‬في‭ ‬اختبار‭ ‬القوة‭ ‬الإيرانية،‭ ‬فهي‭ ‬تعرف‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬تجرؤ‭ ‬إيران‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬استحالة‭ ‬انزلاقها‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬شاملة،‭ ‬تفقدها‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬احتلتها‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬سببا‭ ‬في‭ ‬سقوط‭ ‬النظام‭ ‬المكروه‭ ‬داخليا‭. ‬لذلك‭ ‬كانت‭ ‬مطمئنة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الانتقام‭ ‬الإيراني‭ ‬سيكون‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬مقبولة‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬كان‭ ‬مفاجئا‭ ‬لإسرائيل‭ ‬نفسها‭.‬

ما‭ ‬فعلته‭ ‬إيران‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سوى‭ ‬حفلة‭ ‬تنكرية‭. ‬ما‭ ‬وصل‭ ‬من‭ ‬مسيراتها‭ ‬وصواريخها‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭ ‬لم‭ ‬يُحدث‭ ‬أي‭ ‬أثر‭ ‬يُذكر‭. ‬أما‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يصل‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الجزء‭ ‬الأكبر‭ ‬منه‭ ‬ينطوي‭ ‬على‭ ‬حكايات‭ ‬فكاهية‭. ‬فبعض‭ ‬الصواريخ‭ ‬والمسيرات‭ ‬لم‭ ‬ينطلق‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬سقط‭ ‬على‭ ‬الأراضي‭ ‬العراقية‭ ‬أو‭ ‬أنه‭ ‬أُسقط‭ ‬في‭ ‬المجال‭ ‬الجوي‭ ‬الأردني‭. ‬وكان‭ ‬متوقعا‭ ‬بعد‭ ‬تلك‭ ‬الحفلة‭ ‬أن‭ ‬تُعلن‭ ‬القيادة‭ ‬العسكرية‭ ‬الإيرانية‭ ‬أنها‭ ‬حققت‭ ‬أهدافها‭. ‬ولكن‭ ‬لمَ‭ ‬لم‭ ‬يتساءل‭ ‬أحد‭ ‬من‭ ‬التابعين‭ ‬لإيران‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬الأهداف‭ ‬وقد‭ ‬امتنعت‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬ذكرها؟‭ ‬فذلك‭ ‬يعود‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬وعمق‭ ‬عمليات‭ ‬غسل‭ ‬الدماغ‭ ‬التي‭ ‬تعرضوا‭ ‬لها‭. ‬فهم‭ ‬مؤمنون‭ ‬بإيران‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كانت‭ ‬تضحك‭ ‬عليهم‭.‬

{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا