القراء الأعزاء،،
في ذكرياتي ما زالت عالقة سفرتي الأولى إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كنت وقتها في مرحلة مراهقتي، وقد غادرت إليها لغرض الالتحاق بالدراسة الجامعية، وكانت التجربة الأولى لي كأربع سنوات أعيشها بمفردي بعيداً عن أسرتي ومن دون رفيق من أفراد عائلتي، فكانت تجربة فريدة مع الشعور بهويتي وانتمائي إلى وطني البحرين، وقتها أدركت عشقاً لا يضاهيه عشق، فما أن يُذكر اسم البحرين حتى رقص القلب طرباً وأمطرت العين حُباً وشوقاً ، فالمشاعر موجودة ولكن لابد من وجود مُحفّز لإخراجها من خبئها، والجميل بأن هذه المشاعر قد جعلت من كل الطلبة والطالبات البحرينيين عائلة واحدة، من دون الالتفات إلى مذهب ديني أو أصل قومي لأي منّا فكانت هويتنا المشتركة هي كوننا بحرينيين.
ونعلم جميعاً بأن هناك جهودا حثيثة تضطلع بها وزارة الداخلية نحو تعزيز الهوية والانتماء الوطني من خلال خطط متعددة، أهمها الخطة الوطنية لتعزيز الانتماء الوطني وترسيخ قيم المواطنة (بحريننا).
والشعور بالهوية والانتماء يتكون ويتراكم عبر عناصر وعوامل مختلفة بعضها مرتبط بالشخص مباشرة والآخر مرتبط بمحيطه من وضع اسرته ومستوى رضاهم وارتياحهم، ومن المنهج التعليمي والتربوي الذي يتلقاه في المؤسسات التعليمية ومن الأصحاب وما تكنّه صدورهم من شعور بالرضا عن الوطن أو خلافه.
فالهوية والشعور بالانتماء هي عبارة عن مشاعر تراكمية تتجذر في الانسان بقدر شعوره بالكفاية وحصوله على احتياجاته بكمّ وكيف يحفظ له كرامته الانسانية وفق أسس ومبادئ المساواة وعدم التمييز، وقد تُسهم البرامج والافلام التوعوية والدورات التدريبية في تعزيزها ولكنها لن تستطيع تكوينها من الأساس، لأن الإحساس بالهوية والشعور بالانتماء يقومان على عمدين، الأول هو سد احتياجات الإنسان بشكل كاف ومستوفٍ من خلال كفالة مستوى معيشي يكفل له ذلك مع كرامته الإنسانية من دون منّة أو اذلال. فكلما كانت الأسرة راضية انعكس ذلك على شعور جميع أفرادها بالرضا وتعزز لديهم الشعور بهويتهم وانتمائهم للوطن والعكس صحيح.
ومن المعلوم بأن المستوى المعيشي للمواطن بات متعثراً جداً الأمر الذي جعله محور أحاديث الأسر في جميع لقاءاتهم اليومية والمجالس الأهلية وجميع التجمعات التي تعقد في البحرين بشكل فعلي أو افتراضي، حتى يكاد لا يفوت يوم من دون أن نسمع تسجيلا صوتيا لرجل أو امرأة تشكي الحال وترسل رسائل مناشدات لولاة الأمر عن المستوى المعيشي واحتياجات الاسرة وأثر الغلاء على دخولهم، والاستياء من وقف الزيادة السنوية للمتقاعدين والبطالة التي تفاقمت فلا يخلو بيت بحريني منها، كما لا يخفى ونحن نقترب من حلول عيد الفطر المبارك بكل ما يصحبه من التزامات مالية تقع على عاتق الأسر وتثقل كاهلها ويعلم الجميع بأن هذه المناسبة ومعها جميع التفاصيل الأخرى التي تطرقنا اليها ترتبط بشكل وثيق بالمشاعر التي تربط الانسان بوطنه،
فكل ما ذكرته وفي مقدمتهم موضوع العمل، لا شك يؤثر على فكر فئة الشباب وعلى انتمائهم واعتزازهم بهويتهم، ومن الضرورة بمكان الالتفات إلى مؤشرات رغبة الشباب في الهجرة للبحث عن فرص للعمل بسبب عجزهم عن الحصول على عمل في وطنهم، وهذا في حد ذاته يُعد سبباً من أسباب إضعاف الهوية الوطنية، لان من التزامات الدول إعمال الحق في العمل لمواطنيها، فالوطن هو الذي يوفر لأبنائه العيش الكريم لأن العمل هو أحد أهم مقومات المستوى المعيشي الملائم والعيش الكريم والاستقلال المادي والاستقرار النفسي والمجتمعي للفرد وركيزة مهمة من ركائز تكوين الأسرة باعتبارها الوحدة الأساسية في المجتمعات، فبإمكانكم أن تتخيّلوا عدد الشباب الراغبين في العمل من أبناء الوطن وغير قادرين على الحصول عليه لإثبات ذواتهم وتحقيق كفايتهم المادية وتكوين أسرهم والوفاء بدورهم تجاه تنمية المجتمع والوطن،
ومن واجبنا جميعاً ملاحظة الأفكار التي ترتبط لدى الشباب في هذه الفترة بمسألة بطالتهم وعدم جدواهم وعن أهمية دور الوطن في تعزيز قيمتهم واكتفائهم، ولما لذلك من أثر سلبي على الشعور بالانتماء والهوية.
وقد قرأت مؤخراً خبر – لا أعلم ان كان صحيحاً – حول نتائج قياس نسبة الذكاء لدى الشعوب التي وضعت ذكاء البحريني في المرتبة الثانية عالمياً والأولى على مستوى دول الخليج العربي، وهو ليس بمستغرب على البحريني الذي كان دائماً مشهودا له بالتميز والابداع في عمله والذي أسهم في بناء وتأسيس الكثير من انجح القطاعات وطنياً واقليمياً. وعلى صعيدٍ دولي أيضاً.
وبناء عليه فإن موضوع الحق في العمل على الصعيد الوطني من وجهة نظري يعتبر من أهم المواضيع المرتبطة بالهوية والانتماء الوطني، وإن إيجاد حلّ عاجل لخفض نسبة البطالة في مملكة البحرين سيكون خطوة هامة في سبيل تعزيز الهوية والانتماء، ويبدأ ذلك باتخاذ خطوة جادة من قبل الحكومة بإحلال العمالة البحرينية في جميع الوظائف العامة والخاصة التي يشغلها الأجانب والتي يمكن للبحريني أن يشغلها ويكون منتجاً فيها.
وكل عام وأنتم بخير مقدماً، وتقبل الله طاعاتكم وصيامكم وقيامكم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك