القراء الأعزاء،،
استكمالاً لما بدأناه في مقال الأسبوع الماضي حول المقولة الشعبية (يزيد ولا ينقص)، حيث إن هذا المقال قد جاء تمهيداً لما سيليه وهو الكتابة عن التقرير الأممي الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة الذي احتلت البحرين فيه المرتبة الأولى في اهدار الطعام، والذي أعتقد بأن المقولة السابقة تُعد سبباً رئيسياً لوصولنا إلى المركز الأول في الهدر الغذائي، حيث كشف التقرير أن البحرينيين هم الأكثر إهداراً للطعام بين العرب بمعدل 164 ألف طن سنوياً أُهدر بسببها 95 مليون دينار في الهباء، في ظلّ شكوى الكثير من تدنّي المستوى المعيشي (مع العلم بأن المستوى المعيشي الملائم وفقاً للعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية يشمل المسكن والغذاء والملبس) فمن أين يأتي كل هذا الهدر للطعام؟ الذي أثبت التقرير أن الطبقة الوسطى لعبت دوراً محورياً فيه وربات البيوت بالتحديد.
ويا لهول ما جاء به هذا التقرير في الوقت الذي تئّن فيه أمُنا الأرض من أزمتها الكوكبية الثلاثية والمتمثلة في التغيير المناخي، فقدان التنوّع البيولوجي والتلوّث والنفايات، وفي ظل تأكيدات منظمة الأغذية والزراعة على ارتفاع معدل الاحتياجات الغذائية بشكلٍ حاد وغير مقبول، الأمر الذي يستوجب الحدّ من فقد وهدر الأغذية ولا سيما في مناطق الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، وفي ظل ارتفاع نسبة أعداد الأفراد الذين يُعانون من انعدام الأمن الغذائي في الشرق الأوسط بمستوى حاد وكبير.
فمن المؤكد أن التقرير كان صادماً وغير متوقع أبداً من شعب البحرين المشهود له بالاقتصاد والحرص على مقدّراته، ولاسيما في زمن التقارير التي تُنذر بالشحّ القادم في الموارد الطبيعية التي يتم استنزافها من أعداد سُكان الأرض المتزايدة بشكل مؤثر على السلسلة الغذائية وأصبحت تُهدد الأمن الغذائي العالمي، وفي ظلّ الحروب الدائرة هنا وهناك والتي تؤثر على التوزيع الدولي للمواد الغذائية استراداً وتصديراً، ولا سيما أن البحرين صغيرة جداً من الناحية الجغرافية والتعداد السكاني.
وقد حرصت على مناقشة موضوع التقرير مع ضيفات مجلسي الرمضاني يوم الأربعاء الماضي، اللاتي أسفن جميعاً على تحقيق مركز كهذا على الصعيد الدولي في موضوع الغذاء الذي يُعد شهادة دولية على مخالفة شرعية لأحكام الدين الإسلامي الذي نهى عن الإسراف في قوله تعالى (وكلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنه لا يُحب المسرفين) سورة الأعراف (7)، وقد عزين ذلك إلى تغير ثقافة الحياة الأسرية، بدءاً من فكرة الاعتماد على عاملات المنازل بشكل أساسي، مروراً بثقافة أبناء الجيل الحديث الذين ما عادوا يرغبون في الطعام المنزلي واتجهوا إلى الوجبات التي تُطلب من المطاعم، والتي يترتب عليها بوار الوجبات المنزلية، وانتهينا إلى عدة مقترحات، لعل أهمها فرض عقوبات على هدر الطعام من خلال الرقابة على المخلفات المنزلية، ومقترح الاستفادة من مخلفات الطعام من خلال معالجتها لتصبح سمادا عضويا يتم الاستفادة منه والاستزادة من الثروة الزراعية.
والخلاصة أن الإسراف وهدر الطعام لا يُعد مؤشراً جيداً على ضمان الاستدامة الغذائية ويتعارض مع الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر والمتعلق بالقضاء على الجوع، بل أنه قد يُسهم في رفع نسبة الجوع وتهيئة السُبل له في مناطق جديدة، لا قدّر الله، لذا لنضع جميعاً نصب أعيننا المثل القديم الذي أنتجته الذاكرة الشعبية: (لا تسرف ولو كنت من البحر تغرف).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك