اختتمت قبل أيام «الدورتان السنويتان» (الدورة السنوية للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني والدورة السنوية للمجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني) بنجاح، وركزت الدورتان في هذا العام، باعتبارهما نافذة مهمة لعرض تنمية الصين واتجاه سياساتها، على «التنمية عالية الجودة» بشكل متكرر، الأمر الذي لا يتعلق برفاهية الشعب الصيني البالغ عدده 1.4 مليار نسمة فحسب، بل يوفر فرصا تنموية لدول العالم أيضا. وحددت الصين هدف النمو الاقتصادي بنحو 5% في تقرير عمل الحكومة لعام 2024، الأمر الذي تصدى بفعالية لما يسمى بـ«نظرية الذروة»، كما اعتبر التقرير «الدفع بقوة نحو بناء النظام الصناعي الحديث وتطوير القوى الإنتاجية الحديثة النوعية بوتيرة أسرع» في مقدمة مهام عمل الحكومة لعام 2024، ما يجسد بشكل واضح أن الصين تعتزم تعزيز التنمية عالية الجودة بشكل أفضل من خلال قوى إنتاجية حديثة النوعية.
فما التنمية عالية الجودة؟ إنها تنمية تلبي احتياجات الشعب المتزايدة لحياة أفضل، وتجسد مفهوم التنمية الجديدة، وتأخذ الابتكار كديناميكيتها الأولى والتناسق كسمتها الداخلية، والخضرة كشكلها العام والانفتاح كطريقها اللازم والتمتع المشترك كهدفها الأساسية، ويعد هدفها النهائي زيادة إحساس الشعب بالكسب والسعادة والأمن، وعلى الرغم من أن معدل النمو الاقتصادي قد تباطأ مقارنة بفترة النمو السريع، إلا أن أساسيات الاقتصاد الصيني التي تتسم بالانتعاش والآفاق الجيدة لم تتغير.
تتمتع الصين بأربع مزايا تنافسية رئيسية في تعزيز التنمية عالية الجودة: الميزة الأولى هي ميزة نظام اقتصاد السوق الاشتراكي. إن الترتيب المؤسسي الذي يجمع بشكل عضوي بين النظام الاشتراكي واقتصاد السوق يسهم في تفعيل مزايا اقتصاد السوق بشكل كامل، ويتمتع أيضاً بالميزة المؤسسية المتمثلة في تركيز الجهود على المهام الرئيسية.
والميزة الثانية هي ميزة الطلب في السوق الضخمة. يبلغ عدد سكان الصين أكثر من 1.4 مليار نسمة، ويبلغ عدد الفئة المتوسطة الدخل أكثر من 400 مليون نسمة، ويتجاوز معدل نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي 12 ألف دولار أمريكي، فمع الترقية السريعة لهيكل الاستهلاك، تعد الصين سوقا ضخمة تتمتع بأكبر الإمكانيات والمزايا.
أما الميزة الثالثة فهي ميزة العرض للنظام الصناعي الكامل. تعتبر الصين الدولة الوحيدة التي لديها جميع الفئات الصناعية المدرجة في التصنيف الصناعي للأمم المتحدة، ما يسهم في خفض التكاليف الشاملة، والذي يعني أن لدى الصين عددا كبيرا من الصناعات الفرعية وروابط السلسلة الصناعية والمؤسسات ذات الاختلافات، ما يفعل باستمرار تأثيرات التجمع وتولد إنتاجية جديدة، ويسهم في مشاركة الصين بعمق في التقسيم الدولي للعمل وتعميق التعاون الدولي في سلاسل الصناعة والتوريد.
وأما الميزة الرابعة فهي الموهبة لعدد كبير من العمال ورجال الأعمال ذوي الصفات المميزة. لقد نفذت الصين إستراتيجية «النهوض بالوطن من خلال العلم والتعليم» منذ فترة طويلة، وقد نجحت في بناء أكبر نظام للتعليم العالي في العالم، ومقارنة مع الدول التي تتمتع بنفس المستوى من التنمية الاقتصادية، تتمتع الصين بمزايا واضحة في القوى العاملة، وتأتي حيوية السوق بشكل خاص من روح ريادة الأعمال، فقد قدمت الصين سلسلة من السياسات والتدابير لدعم وإرشاد رواد الأعمال لاستكشاف وتنظيم وقيادة التنمية الإبداعية.
ستقدم الصين ذات التنمية عالية الجودة مساهمات أكبر لاقتصاد العالم، ففي عام 2023 تجاوز الناتج المحلي الإجمالي للصين 126 تريليون يوان (حوالي 17.89 تريليون دولار أمريكي)، بزيادة قدرها 5.2%، هذا معدل النمو أعلى بكثير من معظم اقتصادات العالم، حيث إن حجم الزيادة يعادل الناتج المحلي الإجمالي لدولة متوسطة الحجم، وتبلغ نسبة مساهمتها للنمو الاقتصادي العالمي 32%، ولا تزال الصين المحرك الأكبر للنمو العالمي.
بالإضافة إلى ذلك، يتم تحسين وتعديل هيكل الاقتصاد الصيني باستمرار وتحقيق الابتكارات المهمة وتسريع التحول من القوى الدافعة القديمة إلى القوى الدافعة الجديدة، و في عام 2023، ازدادت القيمة المضافة لقطاع تصنيع المعدات بنسبة 6.8% على أساس سنوي، وازداد الاستثمار في قطاع التصنيع عالي التقنية وقطاع الخدمة عالية التقنية بنسبة 9.9% و11.4% على التوالي، وتمتلك الصين حاليا ما يقرب من 400 ألف شركة ذات تكنولوجيا فائقة، وتحتل عدد من شركات يونيكورن المرتبة الثانية في العالم، فإن مساهمة اقتصاد الصين في النمو الاقتصاد الصيني ليست مساهمة كمية فحسب، بل مساهمة نوعية أيضاً، إذ تستمر الصين في توفير القوى الدافعة الابتكارية للتنمية الاقتصادية العالمية.
وتستمر الصين كذلك في دفع الانفتاح رفيع المستوى بعمق، مع التركيز على الانفتاح المؤسسي، وتعزيز بناء نظام اقتصادي مفتوح جديد وبمستوى أعلى، وتطبيق سياسات عالية المستوى لتحرير وتسهيل التجارة والاستثمار لمواصلة تقاسم فرص ومكاسب التنمية مع العالم، ويتم تحسين بيئة الاستثمار للتجار الأجانب باستمرار، وتصبح عوائد الاستثمار أعلى. خلال السنوات الخمس الماضية، بلغ معدل العائد على الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين 9.1%، حصلت مؤسسات الاستثمار الأجنبي المزيد من فرص التنمية في الصين، وقامت الكثير من الشركات الأجنبية بزيادة استثماراتها، وأخذ اتجاه التنمية المتطورة والذكية والخضراء، وفي عام 2023، بلغ حجم الاستثمار الأجنبي الذي اجتذبته الصين مستوى مرتفع تاريخيا، وتسارع الاستثمار الأجنبي المباشر في صناعة الخدمات والتصنيع عالي التقنية على وجه الخصوص، مع إنشاء ما يقرب من 54 ألف مؤسسة الجديدة باستثمارات أجنبية، بزيادة سنوية قدرها 39.7%، 62 شركة من بين 153 «مصنع منارة» التي تمثل أعلى مستوى من التصنيع الذكي والرقمنة في العالم أنشأت مصانعَ في الصين، لتحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث العدد. لقد أصبحت سوق الصين سوقا كبيرة يتقاسمها العالم، ولا يمكن فصل تنمية الصين عن العالم، كما أن ازدهار العالم يحتاج إلى الصين.
في عام 2023، شهدت علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي نمواً نحو مستوى أعلى وأعمق. انعقد اجتماع وزراء الاقتصاد والتجارة من الصين والدول الأعضاء لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في مدينة جوانزو بجمهورية الصين الشعبية، وركز على تنفيذ التوافقات الاقتصادية والتجارية التي تم التوصل إليها في القمة الصينية الخليجية الأولى، حيث توصل الوزراء إلى توافقات واسعة حول المشاركة في صيانة نظام التجارة المتعددة الأطراف ودفع الاستثمارات المتبادلة، وتعميق التعاون في مجال سلاسل الصناعة والتوريد، ورفع مستوى التواصل والترابط، وتعزيز توافق الآراء بشأن تحول الطاقة وغيرها من الموضوعات، وزار وفد البحرين برئاسة سعادة وزير الصناعة والتجارة السيد عبد الله بن عادل فخرو الصين، حيث تم التوقيع على سلسلة من اتفاقيات التعاون، بما في ذلك إعلان نوايا بشأن التصور المشترك لخطة التعاون بشأن مبادرة الحزام والطريق وغير ذلك من اتفاقيات التعاون، وتبادل وجهات النظر مع عديد من المؤسسات الصينية التي تستعد للاستثمار في البحرين. أثق بأنه تحت الجهود المشتركة من الطرفين على كل المستويات، سيحقق التعاون الصيني البحريني في شتى المجالات تنمية أكبر لتعزيز العلاقات الثنائية وخدمة الشعبين.
السفير الصيني لدى البحرين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك