العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الأسرة والغضب ولعبة الطلاق!

{‭ ‬لأسباب‭ ‬مختلفة‭ ‬وفي‭ ‬حالة‭ ‬غضب‭ ‬أو‭ ‬عناد‭ ‬أو‭ ‬تحد‭ ‬أو‭ ‬أنوات‭ ‬‭ ‬من‭ ‬الأنا‭ ‬‭ ‬متضخمة‭ ‬يقع‭ ‬الطلاق‭ ‬وتزداد‭ ‬حالاته‭ ‬وتتصاعد‭ ‬بوتيرة‭ ‬متسارعة‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية‭! ‬ليبدأ‭ ‬بعدها‭ ‬شتات‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬يفهمون‭ ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬ولماذا‭ ‬حدث‭ ‬ولماذا‭ ‬فجأة‭ ‬يكون‭ ‬الحرمان‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬الأبوين‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‭ ‬أحيانا،‭ ‬لتنتقل‭ ‬الرعاية‭ ‬إلى‭ ‬جد‭ ‬أو‭ ‬جدة‭ ‬أو‭ ‬عم‭ ‬أو‭ ‬خال‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الأزمات‭ ‬النفسية‭ ‬لدى‭ ‬الزوجين‭.‬

{‭ ‬أما‭ ‬لماذا‭ ‬تتصاعد‭ ‬وترتفع‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة؟‭! ‬فمنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مرتبط‭ ‬بفقدان‭ ‬النضج‭ ‬العاطفي‭ ‬والفكري‭ ‬لدى‭ ‬أحد‭ ‬الزوجين‭ ‬أو‭ ‬كلاهما‭ ‬وعدم‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬تحمل‭ ‬المسؤولية‭ ‬الزوجية‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬مرتبط‭ ‬باختلاف‭ ‬المفاهيم‭ ‬بين‭ ‬بيئة‭ ‬وبيئة‭ ‬أخرى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الزوجين‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬آخر‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬أجنبي،‭ ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحالة‭ ‬العصبية‭ ‬والاضطرابات‭ ‬النفسية‭ ‬والمفاهيمية،‭ ‬لدى‭ ‬طرفي‭ ‬العلاقة‭ ‬الزوجية‭ ‬أو‭ ‬أحدهما‭! ‬ومنها‭ ‬ما‭ ‬يتعلق‭ ‬بسيادة‭ ‬الغضب‭ ‬والعصبية‭ ‬كأحد‭ ‬أهم‭ ‬أسباب‭ ‬الخلافات‭ ‬الزوجية‭ ‬التي‭ ‬تؤدي‭ ‬إلى‭ ‬الطلاق‭ ‬والانفصال‭!‬

{‭ ‬حين‭ ‬سأل‭ ‬مرة‭ ‬أحدهم‭ ‬الرسول‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬وبما‭ ‬يوصيه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تغضب‮»‬‭! ‬فأعاد‭ ‬السائل‭ ‬السؤال‭ ‬فكرر‭ ‬النبي‭ ‬الجواب‭ ‬‮«‬لا‭ ‬تغضب‮»‬‭! ‬وفي‭ ‬المرة‭ ‬الثالثة‭ ‬عند‭ ‬سؤاله‭ ‬السؤال‭ ‬نفسه‭ ‬قال‭: ‬‮«‬لا‭ ‬تغضب‮»‬‭! ‬الغضب‭ ‬هو‭ ‬مدخل‭ ‬الشيطان‭ ‬للإنسان‭ ‬كما‭ ‬نعرفه‭ ‬من‭ ‬ديننا‭ ‬ورسالة‭ ‬نبينا‭ ‬محمد‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭ ‬وهو‭ ‬أيضا‭ ‬المدخل‭ ‬لتهتك‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية‭ ‬والأسرية‭ ‬والاجتماعية‭! ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬تأثيره‭ ‬كبير‭ ‬وخطير‭ ‬لأنه‭ ‬بطيشان‭ ‬العقل‭ ‬يزول‭ ‬التفكير‭ ‬السليم‭ ‬والمنطقي‭ ‬وتصبح‭ ‬الأحكام‭ ‬هائجة‭ ‬وفالتة‭ ‬وقادرة‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬حولها‭!‬

{‭ ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭ ‬أو‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬هناك‭ ‬أسباب‭ ‬أخرى‭ ‬منها‭ ‬مثلا‭ ‬ما‭ ‬بعد‭ ‬كورونا‭ ‬2020،‭ ‬أصبحت‭ ‬الاضطرابات‭ ‬العصبية‭ ‬متزايدة‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الآثار‭ ‬المرضية‭ ‬والصحية‭ ‬الأخرى‭! ‬وفق‭ ‬دراسة‭ ‬نشرت‭ ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ (‬لاينيت‭ ‬نيورولوجي‭) ‬فإن‭ (‬الأمراض‭ ‬ذات‭ ‬الطبيعة‭ ‬العصبية‭) ‬بالمعنى‭ ‬الواسع‭ ‬هي‭ ‬الأكثر‭ ‬انتشارا‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬من‭ ‬الأمراض‭ ‬المزمنة‭ ‬الأخرى‭! ‬تقول‭ ‬نتائج‭ ‬الدراسة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2021‭ ‬أصيب‭ ‬43%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬بما‭ ‬يعادل‭ ‬3,4‭ ‬مليارات‭ ‬شخص‭ ‬باضطراب‭ ‬عصبي‭! ‬والدراسة‭ ‬أجراها‭ ‬مئات‭ ‬الباحثين‭ ‬تحت‭ ‬رعاية‭ ‬معهد‭ ‬القياسات‭ ‬الصحية‭ ‬والتقييم‭ ‬وهي‭ ‬منظمة‭ ‬مرجعية‭ ‬للإحصاءات‭ ‬الصحية‭!‬

فلا‭ ‬عجب‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاضطرابات‭ ‬العصبية‭ ‬التي‭ ‬قفزت‭ ‬إلى‭ ‬معدلات‭ ‬كبيرة‭ ‬قياسا‭ ‬لما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬عقود،‭ ‬فإن‭ ‬تأثيرات‭ ‬تلك‭ ‬الاضطرابات‭ ‬شملت‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية‭ ‬والأسرية‭ ‬وأدت‭ ‬إلى‭ ‬ارتفاع‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬ومنه‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭!‬

{‭ ‬مسألة‭ ‬أخرى‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الالتفات‭ ‬إليها‭ ‬حول‭ ‬انتشار‭ ‬ظاهرة‭ ‬الطلاق‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬أياد‭ ‬خفية‭ ‬ومنظمات‭ ‬تظهر‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬تبطن‭ ‬تشجع‭ ‬النساء‭ ‬والعربيات‭ ‬منهن‭ ‬على‭ ‬الانفصال‭ ‬بحجة‭ ‬الاستقلالية‭ ‬والحرية‭ ‬والمساواة‭! ‬بل‭ ‬نشأت‭ ‬ظاهرة‭ ‬المطلقات‭ ‬وتجمعهن‭ ‬في‭ ‬بيوت‭ ‬خاصة‭ ‬بهن،‭ ‬تحت‭ ‬مفاهيم‭ ‬السفر‭ ‬الحر‭ ‬والاستقلالية‭ ‬والتجمعات‭ ‬الدورية‭ ‬والترفيه‭! ‬وهؤلاء‭ ‬النسوة‭ ‬يتركن‭ ‬أولادهن‭ ‬وأسرهن،‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬ذهبت‭ ‬السكرة‭ ‬وجاءت‭ ‬الفكرة‭ ‬يكتشف‭ ‬بعضهن‭ ‬حجم‭ ‬التدمير‭ ‬الذاتي‭ ‬والأسري‭ ‬وفقدان‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬جوهري‭ ‬تحت‭ ‬زيف‭ ‬تلك‭ ‬الحرية‭ ‬والاستقلالية‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ (‬المافيات‭ ‬النسوية‭) ‬تتزايد‭ ‬أعدادها‭ ‬لتشجيع‭ ‬المتزوجات‭ ‬على‭ ‬الطلاق‭! ‬ولترغيب‭ ‬غير‭ ‬المتزوجات‭ ‬بعدم‭ ‬الزواج‭ ‬والدخول‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الشاذة‭!‬

{‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬وقفات‭ ‬بحثية‭ ‬ودراسات‭ ‬رصينة‭ ‬لكشف‭ ‬خبايا‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة‭! ‬والتي‭ ‬أدت‭ ‬بين‭ ‬ما‭ ‬أدت‭ ‬إليه‭ ‬زيادة‭ ‬معدلات‭ ‬الطلاق‭ ‬وزيادة‭ ‬معدلات‭ ‬العوانس‭ ‬أو‭ ‬غير‭ ‬المتزوجات‭! ‬فيما‭ ‬القوانين‭ ‬الدولية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬اتفاقية‭ (‬السيداو‭) ‬تحمي‭ ‬كل‭ ‬المظاهر‭ ‬الفردية‭ ‬والجماعية‭ ‬التي‭ ‬تتحول‭ ‬إلى‭ ‬ظواهر‭ ‬اجتماعية‭ ‬سلبية‭ ‬نقول‭ ‬تحميها‭ (‬قانونيا‭) ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬وبذات‭ ‬الشعارات‭ ‬حول‭ ‬الحرية‭ ‬وعدم‭ ‬التمييز‭ ‬والمساواة‭ ‬وغيرها‭! ‬وخلف‭ ‬ذلك‭ ‬تقف‭ ‬النخبة‭ ‬الشيطانية‭.‬

{‭ ‬النتيجة‭ ‬هي‭ ‬التفكك‭ ‬الأسري‭ ‬وتفكك‭ ‬الشخصية‭ ‬الإنسانية‭ ‬والآلام‭ ‬النفسية‭ ‬والأعباء‭ ‬العاطفية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬وزيادة‭ ‬نسبة‭ ‬التوترات‭ ‬والضغوط‭ ‬والمشاكل‭ ‬النفسية‭ ‬التي‭ ‬يعاني‭ ‬منها‭ ‬الأطفال‭ ‬في‭ ‬الأسر‭ ‬المفككة‭!‬

ولأن‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬الحنيف‭ ‬حمل‭ ‬إلى‭ ‬المؤمنين‭ ‬به‭ ‬أعظم‭ ‬الوصايا‭ ‬حول‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية‭ ‬والأسرية‭ ‬وحماية‭ ‬الأطفال،‭ ‬وجعل‭ ‬الأساس‭ ‬في‭ ‬حماية‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬المودة‭ ‬والرحمة‭ ‬فإن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬انتشار‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬الأسرية‭ ‬أو‭ ‬الاجتماعية‭ ‬تعود‭ ‬إلى‭ ‬الابتعاد‭ ‬عن‭ ‬سنن‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬خلقه‭! ‬وإلى‭ ‬الاختلالات‭ ‬في‭ ‬المفاهيم‭ ‬الفكرية‭ (‬النيوليبرالية‭) ‬خاصة‭ ‬الاختلال‭ ‬في‭ ‬مفهوم‭ ‬الحرية‭ ‬والمساواة‭ ‬التي‭ ‬أنتجت‭ ‬أزمات‭ ‬عاطفية‭ ‬وفكرية‭ ‬في‭ ‬العلاقات‭ ‬الزوجية‭ ‬خاصة‭ ‬وحيث‭ ‬الحكم‭ ‬فيها‭ ‬تابع‭ ‬للأنا‭ ‬المتضخمة‭ ‬والعناد‭ ‬والغرور‭ ‬والكبر،‭ ‬بل‭ ‬المكابرة‭ ‬على‭ ‬الطبيعة‭ ‬البشرية‭ ‬نفسها‭! ‬وحتى‭ ‬على‭ ‬وظائف‭ ‬الأمومة‭ ‬والأبوة‭! ‬ومسؤولية‭ ‬الزوجين‭ ‬في‭ ‬بناء‭ ‬أسرة‭ ‬متوافقة‭ ‬ومنسجمة‭ ‬ومستقرة‭ ‬كعلاقة‭ ‬أساسية‭ ‬لاستقرار‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭! ‬تزايد‭ ‬ظاهرة‭ ‬الطلاق‭ ‬بحاجة‭ ‬فعلية‭ ‬إلى‭ ‬الدراسات‭ ‬والتوعية‭ ‬المجتمعية‭ ‬والدينية‭ ‬والمفاهيمية‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا