شكل الخطاب الأخير للرئيس الروسي بوتين في نهاية شهر فبراير الماضي والموجه إلى الأمة الروسية وبمشاركة وحضور أعضاء مجلس الأمن الروسي مرجعا جديدا لرؤية الرئيس الروسي ولروسيا الاتحادية خلال السنوات الـ 6 المقبلة، إضافة إلى آفاق علاقات روسيا الاتحادية مع دول العالم المختلفة وبخاصة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تحديدا ويمكن أن نتوقف عند هذا الخطاب الذي يواصل فيه بوتين تحديه للغرب وعند أهم مفاصله الذي وصف بأنه برنامج الرئيس الروسي بوتين المرشح للانتخابات التي ستجرى خلال هذا الشهر.
أولا: الاعتزاز الكبير بالإنجازات التي حققتها روسيا الاتحادية خلال السنوات القليلة الماضية وبخاصة خلال السنتين الماضيتين اللتين شهدتا حصارا غريباً غير مسبوق على روسيا ومقاطعة من خلال أكثر من 7000 عقوبة شملت كل شيء تقريبا ومن خلال المشاركة المباشرة لدول حلف الناتو في الحرب الأوكرانية وخاصة ما سمى بالهجوم المضاد الأوكراني على روسيا الاتحادية من خلال تقديم عشرات المليارات من الدولارات وتوريد الأسلحة بكل أشكالها وأنواعها إلى الجيش الأوكراني ومع ذلك استطاعت روسيا في ظل هذا الحصار وهذه العدوان أن تحقق نتائج اقتصادية باهرة وغير مسبوقة جعلت منها القوة الاقتصادية الأولى في أوروبا قبل ألمانيا وبريطانيا وفرنسا بل وجعلت منها القوة الاقتصادية الخامسة في العالم وخلال السنوات الست القادمة سوف تصبح روسيا القوة الاقتصادية الرابعة في العالم بعد الصين والولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الهند وهذا يوضح أن الأهداف المعلنة لخنق روسيا وإضعافها اقتصاديا ودفعها إلى الانهيار المالي لن تنجح نهائيا.
وهذا في الحقيقة ما يدهش أعداء روسيا الاتحادية الذين تخيلوا أن 7000 عقوبة سوف تدفع روسيا إلى الاستسلام واقتصادها إلى الانهيار مثلما خططت دول حلف الناتو إلى ذلك.
ثانيا: الصمود العسكري العجيب والمدهش أمام هجوم حوالي 50 دولة تشارك في العدوان على روسيا من خلال التسلح والتمويل والتدريب وتقديم الاستشارات وعشرات الآلاف من المرتزقة من الدول الغربية الذين يقاتلون في الجبهة الأمامية مع الجيش الأوكراني حيث فشل ما يسمى بالهجوم المضاد الذي استمر عدة أشهر وانتهى بالخذلان والسقوط بل إن الصمود البطولي الروسي أمام السلاح الغربي «المتطور جدا» كان مفاجأة لم يتوقعها الغرب أبدا فلا صواريخ الباتريوت استطاعت اسقاط أو تحييد القوة الجوية الروسية ولا الصواريخ البريطانية والألمانية والتشيكية استطاعت أن تهزم الجيش الروسي على الجبهة كما إن الدبابات الأمريكية والألمانية وحتى الإسرائيلية التي تعتبر «فخر الصناعة العسكرية الغربية» استطاعت أن تخترق الخطوط الدفاعية الروسية بل الأهم من كل ذلك أن الجيش الروسي تحول من الدفاع إلى الهجوم وهو يتقدم حاليا على كل الجبهات وفي طريقه إلى إلحاق هزيمة نكراء بالجيش الأوكراني الذي يستعد للاستسلام على ما يبدو وهو تأكيد ليس لهزيمة أوكرانيا فقط وإنما لهزيمة الغرب بأكمله الذي حشد كل إمكانياته وقدراته وأسلحته لإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا الاتحادية ومع ذلك لا تزال المساعدات الغربية تتدفق على أوكرانيا لمنع الهزيمة العسكرية لأوكرانيا أو على الأقل منع روسيا من تحقيق الانتصار الكامل وكما جاء في تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مؤخرا والذي ذهب أبعد من ذلك عندما هدد بإرسال قوات فرنسية نظامية لتقاتل مع القوات الأوكرانية حيث أوضح بوتين في خطابه ردا على هذه الدعوات بأن من يفعل ذلك يفتح الباب أمام حرب عالمية جديدة وليس مستبعدا في هذه الحالة أن تستخدم جميع أنواع الأسلحة في هذه المواجهة إن حدثت.
ثالثا: التشبث بالسلام بالرغم من نجاح روسيا اقتصاديا وتفوقها عسكريا الذي يجعلها تتفاخر بما حققته من إنجازات على الأرض فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه الكلمة وفي كلمات وخطابات سابقة كان دائما حريصا على تأكيد اهتمام روسيا أولا وأخيرا بإقامة السلام وضمان الأمن الجماعي المتساوي للجميع في أوروبا مؤكدا أن السلام لن يتحقق قبل أن تحقق روسيا أهدافها التي لم تتغير وهي اجتثاث النازية من أوكرانيا ونزع الأسلحة الهجومية الخطيرة من هذه الدولة وضمان الوضع الحيادي لأوكرانيا بعد دخولها في حلف الناتو والاعتراف بالحدود الجديدة لروسيا الاتحادية غير القابلة للنقاش والتفاوض، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد انفقت أكثر من 50 مليار بهدف إفساد العلاقات بين روسيا وأوكرانيا وبين الشعب الروسي والشعب الأوكراني الشقيقين وفي هذا السياق تحديدا أعاد بوتين تأكيد استعداد روسيا لبناء علاقات مثمرة ومتساوية مع الولايات المتحدة الأمريكية ومع الدول الغربية ككل من دون استثناء على أن يتم احترام حقوق روسيا وأمنها وعدم التعدي على استقرارها أو التدخل في شؤونها.
هذا بالطبع إضافة إلى العديد من النقاط المهمة تتعلق بالإصلاح الداخلي للاقتصاد والمجتمع وتقوية البنية النحتية والخدمات خاصة الاهتمام بالتعليم والتعليم العالي وتخريج الآلاف من المهندسين والفنيين الذين يحتاجهم الاقتصاد الروسي في مرحلة النهوض.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك