في السادس من شهر مارس عام 2024 حلت الذكرى الخامسة والعشرون لتسلم جلالة الملك «حمد بن عيسى»، الأمانة، خلفا لوالده الأمير المرحوم الشيخ «عيسى بن سلمان آل خليفة» – طيب الله ثراه – الذي سلم الراية لولي عهده، وهو يعلم أن لديه «رؤية إصلاحية نهضوية شاملة».. وقد كان هذا يقين كل شعب البحرين، الذي كان بقدر تألمه من هذا الرحيل، بقدر قناعته وإيمانه بأن مسيرة خلفه ستواصل خطاها بالمحافظة على مصالح المملكة وأمنها، وسلامتها، واستقلالها، وسيادتها.. وقد أكد جلالة الملك كل هذه المعاني في خطاب تتويجه يوم 13 مارس1999، قال: «أقول لكم جميعا بمنتهى الوضوح إنني ابن عيسى وحافظ عهده، سوف أحمل لواء نهجه الذي لا يميز بين أبناء الوطن الواحد في اختلاف الأصول والمذاهب، ولا ينظر إلا لصدق الانتماء الوطني وروح المواطنة الحقة التي تريد الخير للبحرين وأهلها كافة».
ومنذ البداية، تجسَّدت شخصية جلالة الملك في قدرته على تحقيق الأهداف، وحشد الطاقات الوطنية، وحل المشكلات، وإيجاد هدف واحد يلتف حوله الجميع هو الوطن؛ فكان نتيجة ذلك أن نجح في بناء مملكة على أركان ثابتة وأسس راسخة.. منتهجا سياسة تعاونية إيجابية نشطة، تقوم على الاعتدال والتوازن، أهم مبادئها عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى؛ ما أبعدها عن الصراعات الدولية.. ففي عهده شهدت البحرين جملة من التحديات والفرص؛ فواجهت التحديات وانتصرت عليها، واستغلت الفرص وحولتها إلى واقع.. وكان نتيجة ذلك أن قاد مسيرة إنجازات وطنية حافلة في كل المجالات.
ومن ثمّ، لم يكن غريبًا على قائد مثله أن يعتاد منذ توليه الحكم على إطلاق وتبني المبادرات الإصلاحية السياسية والإنسانية، ومنها «اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق»، التي تشكلت عام2011، بالتعاون مع «مجلس حقوق الإنسان» التابع للأمم المتحدة -للتحقيق وتقصي الحقائق حول الأحداث المؤسفة التي جرت في البحرين خلال شهري فبراير ومارس2011 - لأول مرة في تاريخ الدول، دون إملاءات أو ضغوطات من أحد، والتي تكونت من خبراء دوليين ذوي سمعة عالمية طيبة، برئاسة الخبير القانوني الدولي «شريف بسيوني»، والذي قال عند تسليم تقرير اللجنة النهائي لجلالة الملك في 23/11/2011، وقبوله جميع توصياتها الـ26، بحضور جمع غفير من السياسيين والإعلاميين، وممثلي دول ومنظمات حقوقية: «إنه حدث تاريخي قانوني وسياسي مهم وفريد؛ لأنه وللمرة الأولى تقبل حكومة لا تزال تمارس سلطتها، بأن تفتح جميع ملفاتها، وبأن تستقبل كل أنواع الاتهام الموجه ضدها، وأن تسهل مهمة عمل من يسعى إلى تقييم أدائها، وربما إقامة الحجة على تقصيرها، رغم إدراكها حساسية الموقف»، هذا فضلا عن مبادراته الأخرى، مثل إنشاء «مركز الملك حمد العالمي للتعايش السلمي»، وإطلاق «مركز الملك حمد العالمي للحوار بين الأديان»، وغيرها من المبادرات التي نالت جميعها إشادات محلية وإقليمية وعالمية.
خلال هذه المسيرة، كان الاهتمام الملكي في خدمة المشروع التنموي الوطني، وتنويع الاقتصاد، بالدفع بتنمية القطاعات غير النفطية، كما كان اهتمامه بترسيخ مفهوم الأمن الشامل، وبالاستثمار في المواطن، باعتباره كما يؤكد دائمًا أغلى ما تملكه البحرين، فعمل على الارتقاء بأوضاع الشباب، وتوسيع شبكة الحماية الاجتماعية، لتوفير الحياة الكريمة لكل مواطن.
وهذه الأيام، يحتفل البحرينيون بذكرى تسلم جلالة الملك أمانة الحكم؛ وبما تم إنجازه خلال هذه المسيرة والتي أسس لها مشروعه الإصلاحي، وحققت البحرين من خلاله نهضة جعلها نموذجًا يحتذى في الديمقراطية والتطوير والإصلاح والحريات.
ففي مسار «التطور الديمقراطي»، أمر بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد «ميثاق العمل الوطني» في نوفمبر2000، وتم الاستفتاء عليه في فبراير 2001، حيث أظهر «توافقًا شعبيًا»، وصدق جلالة الملك عليه «كوثيقة فوق دستورية»، وعقد اجتماعي الشعب فيه صاحب السيادة، ومصدر السلطات. وعليه، وُضعت اللبنة الأولى لانطلاق دولة المؤسسات والقانون، وأسست لنهضة تشريعية وسياسية وحقوقية شاملة؛ ليتم وضع البلاد على طريق التحول الديمقراطي، بإرادة وطنية خالصة. وفي 14 فبراير2002، صدر «الدستور»، الذي حول البحرين إلى مملكة، يتمتع فيها المواطنون ذكورا وإناثا بكل الحقوق والحريات، أساسها المواطنة، واستقلال السلطة القضائية، والفصل بين السلطات، كما نص على إنشاء المجلس الوطني بغرفتيه: الشورى والنواب، ورحب بإنشاء جمعيات سياسية.. ثم انتقل مسار التطور الديمقراطي إلى إجراء الانتخابات البرلمانية والبلدية بشكل منتظم كل 4 سنوات اعتبارا من عام 2002.
وعليه، أمكن خلال الفصول التشريعية المتعاقبة إنجاز الكثير من التشريعات، فشهدت البحرين خلال السنوات (2002-2024)، صدور أكثر من (864) قانونا، و(1659) مرسوما، و(1032) أمرا ملكيا، شملت العديد من القطاعات، بالإضافة إلى مناقشة المجلس ثلاثة اقتراحات بتعديل الدستور، وتوجيه مئات الأسئلة إلى الحكومة، وتشكيل (41) لجنة تحقيق برلمانية، فضلا عن الموافقة والمصادقة على 154 اتفاقية ومعاهدة دولية. ولعل إنجاز كل هذه التشريعات والتطوير وخطط التنمية، لم تكن لتؤتي ثمارها، إلا في ظل مناخ ملائم، تستقر فيه العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية على أسس عملية ودستورية.
وفي مجال حقوق الإنسان، تعهد جلالة الملك منذ خطابه الأول أن يرتكز حكمه على مبادئ العدالة وحقوق الإنسان، فلدى البحرين مؤسسات وجمعيات ولجان تضمن هذه الحقوق عددها الآن (28)؛ ما بين رسمية وأهلية، كما تم إصدار أكثر من (69) تشريعا تُعنى بتنظيم حقوق الإنسان، إضافة إلى تعاون البحرين مع «المنظمات الحقوقية»، وأهمها «مجلس حقوق الإنسان»، التابع للأمم المتحدة من خلال الحرص على المشاركة في اجتماعاته، ومصادقتها على العهدين الدوليين السياسي والمدني عام 2006، ثم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي عام 2007، إضافة إلى التوقيع على (30) اتفاقية دولية وإقليمية حقوقية، والمشاركة في الفعاليات الحقوقية الدولية، وتبادل الخبرات وعقد الدورات التدريبية في مجال حقوق الإنسان مع عديد من الدول والمنظمات الدولية.
وتقديرًا لهذا الالتزام، تم انتخاب المملكة لعضوية «لجنة حقوق الإنسان»، التابعة للأمم المتحدة ثلاث مرات؛ في أعوام 2006، و2009، و2019، وفاز مرشحها في انتخابات منصب نائب رئيس اللجنة الاستشارية في فبراير2015، وفازت برئاسة «لجنة حقوق الإنسان بجامعة الدول العربية»، عام 2017، واحتلت مراكز متقدمة في عديد من التقارير الدولية، آخرها تقرير حقوق الإنسان الصادر عن «الخارجية البريطانية»، في 13 يوليو 2023، الذي أشاد بجهودها في مجال تعزيز حقوق الإنسان واحترامها للحريات الدينية، وترويجها لمبادرات التعايش والتسامح بين الشعوب.
أما الأمن الوطني، فهو في رؤية جلالة الملك، مفهوم متعدد الأبعاد، يشمل إلى جانب الأمن بمعناه التقليدي، محاور إنسانية واجتماعية، ومن ثمّ، لم يعد تحقيقه أمرًا تختص به فقط وزارة الداخلية، وإنما حصيلة تضافر الجهود الوطنية لمختلف المؤسسات الحكومية والأهلية والمواطنين والمقيمين؛ ولهذا تم إنشاء نظام الشراكة المجتمعية، واستحداث «شرطة خدمة المجتمع»، وتبني نظام «العقوبات البديلة»، و«السجون المفتوحة»، فيما عمل على تطوير منظومة الأمن، وتعزيز قدراتها، وتمكينها من التعامل مع التحديات باستخدام استراتيجية ارتكزت على «كوادر مؤهلة»، تُعقد لها الدورات التدريبية، وتستخدم أحدث الأجهزة. وكان ثمرة هذه الجهود، احتلال البحرين المرتبة العاشرة عالميًا ضمن الدول الأقل جريمة، طبقًا لمؤشر الجريمة الصادر عن موسوعة قاعدة البيانات العالمية «توميو» عام 2023، والمرتبة 12 عالميًا من بين 134 دولة، ضمن الدول الأكثر أمانًا في العالم طبقًا لمؤشر الأمان الصادر عن «جلوبل فايننس» لعام 2023.
وفي مجال الدفاع: عمل جلالة الملك على تعزيز قدرات قوة دفاع البحرين، من خلال زيادة إمكاناتها التسليحية، والتدريبات المشتركة. ولأن البحرين مفتاح أمن الخليج، فهي تشارك الدول الخليجية في الحفاظ على الأمن الخليجي، ومع الدول العربية في الحفاظ على الأمن العربي، ومع المجتمع الدولي في عمليات حفظ السلام، ومكافحة الإرهاب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك