يخال لرائد العمل أو صاحب المشروع إنه – في بعض الأحيان – قادر على تجنب تقنية الذكاء الاصطناعي، فيمكنه أن يفكر في إيجاد مشروع وأن يسوّق المشروع، وأن يفعل الكثير من غير أن يمد يديه مستعينًا بتقنية الذكاء الاصطناعي، وفي أحيان أخرى قد نرى العديد من رواد الأعمال يعتقد أنه إن استخدم تقنية الذكاء الاصطناعي واعتمد عليها بصورة كبيرة ولا متناهية فإن مشروعه سينجح من غير أي عناء.
نعتقد أن كلا التفكيرين خاطئ بطريقة أو بأخرى، إذ إن الإنسان لا يمكنه أن يعتمد على تفكيره الذاتي والخاص في إدارة كل جوانب مشروعه، ولا يمكنه أيضًا أن يرمي كل العبء على تقنية الذكاء الاصطناعي، ويجلس في طرف آخر من الطاولة وينتظر الأرباح، وإنما من الضروري أن يعتدل الإنسان في تعامله مع الطرفين، فيأخذ من تقنية الذكاء الاصطناعي ما يناسبه وفي الجوانب التي تناسبه، وفي الوقت نفسه يستخدم ويشغل عقله من أجل الابتكار والإبداع.
فتقنية الذكاء الاصطناعي مهما ارتقت فإنها ما زالت تحتاج إلى عديد من المعلومات حول الموضوع المراد الوصول إليه حتى تتمكن من إعطاء نتائج، والإنسان هو الذي يقدم تلك المعلومات، ويرتبها، ويدخلها إلى التقنية، فإن كانت المعلومات ناقصة أو مشوشة، فإن النتائج حتمًا ستخالف كل التوقعات.
وهذا ما حاولت الوصول إليه من خلال الورقة التي قدمتها في مؤتمر (تمكين) الأول للذكاء الاصطناعي والابتكار وريادة الأعمال – الفرص والتحديات الذي أقيم في ولاية (بدية) بمحافظة شمال الشرقية في سلطنة عمان خلال الفترة ما بين 13 إلى 15 فبراير 2024 بتنظيم كل من مجموعة تمكين الاستثمارية بالتعاون مع البورد العربي للاستشارات والتدريب والتنمية البشرية والتي أقيمت برعاية كريمة من محمود بن يحيى الذهلي محافظ المحافظة.
كانت ورقتي بعنوان (ريادة الأعمال الخوارزمية.. بين الواقع والآفاق)، وتتكون من ثلاثة محاور أساسية، ولا أريد التحدث عن كل المحاور ولكن الذي يهمني المحور الخاص بنقاط الالتقاء ما بين ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي، فأين توجد نقاط الالتقاء؟ وهل يمكن لرائد العمل وصاحب المشروع الصغير أن يستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي في مشروعه منذ البداية حتى يثبت المشروع ويسوقه وما إلى ذلك؟
الذكاء الاصطناعي –كما يعرفه أهل الاختصاص– هي قدرة الآلة على محاكاة العقل البشري وطريقة عمله، مثل قدرته على التفكير والاستكشاف. ومع التطورات الهائلة للحواسيب، تبين أن باستطاعتها القيام بمهام أعقد مما نعتقد بحيث يمكنه استكشاف وإثبات النظريات الرياضية المعقدة، وأيضًا يمكنه لعب الشطرنج بمهارة عالية، ويتميز بسرعة عالية في إنجاز المهام وبدقة عالية، ويتصف بسعة تخزين كبيرة، إلا إنه إلى الآن لا يوجد برنامج يستطيع مجاراة مرونة العقل البشري وخصوصًا فيما يتعلق بالمهام الاستنتاجية التي يتعرض لها.
ومن ناحية أخرى يتمتع الذكاء الاصطناعي ببعض التطبيقات التي استطاعت أن تضاهي مستوى أداء الخبراء والمحترفين بالقيام بمهمات محددة، ومن هذه التطبيقات، التشخيص الطبي، محركات بحث الحاسوب وقدرته على التعرف على الصوت والكتابة اليدوية.
ولكن يتضح لنا – أيضًا – أن المبدأ الأساسي الذي يقوم عليه علم الذكاء الاصطناعي لا يكمن حل الإشكاليات بسرعة كبيرة في معالجة المزيد من البيانات أو في حفظ أكبر عدد من المعلومات التي تستقي من العقل البشري، وإنما المبدأ الأصح الذي يبنى عليه هذا المجال هو في الواقع مبدأ معالجة المعلومات مهما كانت طبيعتها وحجمها بطريقة آلية أو نصف آلية وبشكل مناسب ومتوافق مع هدف معين. نشير هنا أن كلمة نصف آلية تعني تدخل المستخدم (الإنسان). ولكن يبقى السؤال المهم، هل يمكن أن يستخدم رائد العمل من هذه التقنية؟
حاولنا من خلال الورقة أن نجيب عن هذا التساؤل من خلال جانبين، وهما:
تسخير الذكاء الاصطناعي لإثراء وتطوير ريادة الأعمال،ريادة الأعمال في مجال الذكاء الاصطناعي، لنحاول أن نسلط بعض الأضواء على هاتين النقطتين.
أولاً: تسخير الذكاء الاصطناعي لتنمية وتطوير ريادة الأعمال
عادة تبدأ المشاريع الريادية بفكرة، تتحول مع الوقت إلى منتج أو خدمة، وبالتالي تحتاج إلى دراسات جدوى وإدارات وأفكار وكذلك إلى تسويق وما إلى ذلك من أمور عديدة، وربما يمكننا أن نجد بعض التداخل والالتقاء في كثير من المراحل بين ريادة الأعمال والذكاء الاصطناعي، إلا إننا هنا وفي هذه المقال سنركز على أربعة مراحل ومستويات من مراحل بناء المشروع الريادي، وهي:
الطرق الإبداعية في اختيار المشروع، دراسة جدوى المشروع، إدارة الجودة الشاملة، التسويق الإلكتروني.
وجدنا أن هناك الكثير من الطرق الإبداعية أو غير الإبداعية التي يمكن أن يستخدمها رائد العمل لاختيار المشروع المناسب، فهو يمكن أن يختار مشروعه الخاص حسب المهارات التي يمتلكها، والمهنة التي يرغب فيها، أو مهنة قد يكون ورثها من والده، وربما يلجأ إلى بعض الطرق الأخرى لاختيار المشروع وذلك حسب العديد من المعطيات التي بيديه، مثل رغبات الجمهور، أو وجود حاجة معينة في المجتمع، وإن لم يوجد كل هذا فإنه ربما يلجأ إلى بعض طرق التفكير الإبداعي مثل العصف الذهني أو التفكير خارج الصندوق أو بعض الطرق الأخرى من أجل اختيار المشروع الريادي الذي يرغب فيه. ربما هنا نأتي إلى ما يعرف بالذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative Artificial Intelligence)، فما هذا النوع من الذكاء الاصطناعي؟ وكيف يمكن أن يخدم في اختيار المشروع؟ وهذا ما حاولنا أن نجيب عنه من خلال التطبيقات التي من أهمها: (ChatGPT)، و(Jasper)، و(Otter.ai)، و(Midjourney)، و(Runway).
وعندما نتحدث عن دراسات جدوى المشروع، فإننا نتحدث عن دراسة إدارية، ودراسة مالية، ودراسة تسويقية وبعض الأمور الأخرى التي تسهم بطريقة أو بأخرى في إخراج المشروع على أرض الواقع. ولقد وجدنا أن للذكاء الاصطناعي دورا مهما في تحديد وإنتاج العديد من الدراسات المتعلقة بذلك، إذ إن هناك بعض التطبيقات المهمة التي يمكن استخدامها من أجل تحقيق هذا الهدف، ومن أهم تلك التطبيقات، تطبيق (Bard).
ولقد وجدنا أنه يمكن التعاون بين الذكاء الاصطناعي وإدارة الجودة الشاملة فإن حدث فيمكنها إحداث ثورة في الطريقة التي تدير بها المؤسسات الجودة، وذلك من خلال الجمع بين نقاط القوة في هذين المجالين حيث يمكن للمؤسسات تحقيق مستوى عال من الجودة لم يكن من الممكن تحقيقه في السابق.
ومما لا شكّ فيه أن مجالي الذكاء الاصطناعي (AI) وإدارة الجودة الشاملة (TQM) يتقاربان بشكل متزايد مع مرور الوقت وتطوّر العصر الرقمي بشكل سريع، حيث يمكن استخدام الذّكاء الاصطناعي لأتمتة العديد من المهام المتضمنة في إدارة الجودة الشاملة. على سبيل المثال؛
جمع البيانات والتحليل وإعداد التقارير، بالتّالي يؤدي ذلك إلى تحرير الموارد البشرية للتركيز على المزيد من الأنشطة الاستراتيجية.
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين فعالية مجال إدارة الجودة الشاملة، وذلك من خلال توفير رؤى لا يمكن الحصول عليها بالطرق التقليدية على سبيل المثال؛ يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحديد الأنماط في البيانات التي يصعب أو يستحيل اكتشافها بالعين المجردة.
استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات من مجموعة متنوعة من المصادر مثل أجهزة الاستشعار والآلات واستطلاعات العملاء، بالتّالي يتم استخدام هذه البيانات لتحديد الاتّجاهات والأنماط التي يمكن أن تساعد المؤسسات على تحسين منتجاتها وخدماتها.
أما بالنسبة إلى التسويق الرقمي فإننا نعرف اليوم أن العالم الرقمي الافتراضي الإلكتروني، المرتبط بشبكة الإنترنت قد غيّر بشكل كبير مجال التسويق، إذ إن أغلب المسوقين يعتبرون أساليب التسويق الرقمي أساسية حين يحاولون جعل العملاء واعين بمنتجاتهم أو خدماتهم ويحفزوهم على الشراء. ومن الملاحظ أن مجال التسويق الإلكتروني أعاد تشكيل عالم الإعلان والدعاية، وعلى نحو أساسي، ويرجع ذلك إلى أن هذا المكان الذي يتجه إليه الناس – والأعين – في الأساس. ويمكن للعملاء المحتملين أن يتجهوا إلى الهاتف المحمول أو البحث الشبكي بدلاً من إيجاد تصفح القوائم المطبوعة كقوائم دليل الهاتف وعناوين المؤسسات. وهذا مجال واسع يمكن ممارسته من خلال تطبيقات: الفيس بوك (Facebook)، والتويتر (X)، والانستجرام (Instagram)، التسويق عبر قنوات اليوتيوب، غيرها الكثير.
ثانيًا: ريادة الأعمال والتجارة في مجال الذكاء الاصطناعي
في مستوى آخر فإن العديد من رواد العمل وخاصة الشغوفين بالتقنيات الحديثة يمكنهم الاتجار فيها، فقد وجدنا أن الكثير من رجال الأعمال والمؤسسات يحتاجون إلى بعض الأعمال التقنية المتخصصة، مثل إنشاء المواقع الإلكترونية وإدارتها بالإضافة إلى إنشاء المواقع الإلكترونية للبيع والتسويق وغيرها من أمور، وكل هذه الأمور تحتاج إلى أفراد متخصصين يمكنهم القيام بذلك، وهنا ينبري دور المتخصصين والشغوفين من رواد العمل التقنيين للقيام والاتجار بمثل هذه الأعمال. وحاولنا أن نستعرض بعضا من تلك الأعمال ومنها:
إنشاء المواقع الإلكترونية
المتاجر الإلكترونية
الأمن السيبراني
علم وإدارة المعلومات
عمومًا ما حاولنا أن نقوله من خلال الورقة إن على رائد العمل وصاحب المشروع أن يعيد التفكير في قدرته على استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في عمله، ويحاول أن يقيم علاقة بينه كرائد عمل وصاحب مشروع ومشروعه والذكاء الاصطناعي، ولكن مع كل هذه التقنيات الجديدة والمتجددة يجب ألا يهمل تفكيره وخيالاته وإبداعاته، لأن تقنية الذكاء الاصطناعي هذه ربما تقف عاجزة إن لم يوجد التفكير البشري بجانبها.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك