هناك أسئلة في الوجود، وأسئلة في العدم، فهل يستطيع الإنسان العاجز بقدراته النفسية والمادية المحدودة أن يجيب عنها، ويشفي صدره الحائر المتشوق إلى المعرفة التي يسعى جاهدًا إلى الإجابة الشافية عنها، ليطمئن قلبه، وترتاح إليها نفسه، وسر الإيمان، بل سر الاطمئنان يتطلب منه أولًا: الإقرار بوجود خالق لهذا الكون، ويتطلب منه ثانيًا: أن يستيقن أن هذا الإله واحد لا شريك له، ولا نِدَ له سبحانه – تعالى الله عن ذلك علوًا كثيرا – أن يكون له شبيه أو مثيل.
هو وحده سبحانه وتعالى الخالق الذي خلق من المفقود موجودًا، وجعل من الموجود مفقودًا.. هو وحده سبحانه القادر على ذلك دون سواه، يقول تعالى، وهو أصدق القائلين: (أمْ خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون) سورة الطور.
تساؤلٌ قد يكون حائرًا ومحيرًا للعقول في نفس الزمان وفي نفس المكان، وقد يكون تساؤلًا مشروعًا يؤسس لمنهجٍ متكاملٍ في التعرف على الكون وما فيه، والحصول على الأجوبة الشافية التي تشبع فضول الإنسان، وتهدئ من روعه، وتمنحه السكينة والاطمئنان بحيث يكون قادرًا على إثارة التساؤلات، وتتبع مساراتها للوصول إلى حالة مطمئنة لنفسه ووجدانه.
الملحد يشعر وبعمق أن هنالك عبثا من حياته حيث يسعد الظالم بظلمه، ويدركه الموت وهو على ذلك دون أن ينال ما يستحق من عقاب، ويدرك الموت المظلوم، ويموت حسرة على مظلمته دون أن يشفي غليله بمعاقبة من أفسد حياته، وحرمه من لذة الاطمئنان والسكينة، وتنتهي. الحياة على هذه الحال.. هذا ما يعتقده الملحد، ولكن هل هذا يقين ثابت؟ أَمَّ أن هناك فَرَضِيَةٌ أخرى؟ يقول تعالى: (والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذًا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه والله سريع الحساب) سورة النور / 39.
نحن المؤمنين لا نخسر شيئًا إذًا نحن لم نجد شيئًا، بل على العكس من ذلك سوف نجني تربيةً حسنة، وسلوكًا قويمًا، ولكن لو وجد هذا الملحد أنه بعد تبدد هذا السراب سوف يجد الله تعالى الذي أقسم الأَيمان المغلظة على أنه سبحانه غير موجود، وإذا هو أمام الحقيقة الكبرى التي تسلمه إلى هلع ليس له حد، وإلى خسران بَيِّنْ.. ما أشقاها وأقساها، بل ما أبأسها من رحلة قضى الملحد حياته أو جزًءا كبيرًا من حياته يصارع الوهم الذي توهمه، ويحاول الاطمئنان إلى ما انتهى إليه عقله غير السوي.
إن أمام الملحد المعجب بعقله، والذي ظن أنه راشد، ووعيه الذي حسب أنه ناضج، خدع بأنه قد بلغ الغاية، وهو في الحقيقة قد توهم أنه قد بلغها.. سوف يواجه الملحد سؤالًا مصيريًا ضخما لا قبل له به، وهو قول الحق سبحانه وتعالى: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون (35) أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون (36)) سورة الطور.
سؤال يعجز الملحد عن أن يواجهه ويجيب عنه، وبعد ذلك يؤسس عليه منظومة معارفه التي لابد لها من يقين ثابت لا يتزعزع..
الملحد أمامه فرضيتان، الأولى: أنه خُلِقَ من غير شيء.. هكذا فتح عينيه، فإذا هو بمخلوق لا يعرف له خالق، وعليه أن يستوثق من صحة هذه الفرضية، وهل بالإمكان تحويلها إلى حقيقة علمية تشبع فضوله إلى المعرفة، ويستطيع أن يقيم عليها الدليل الذي يعجز عقله الواهن، والمكبل بقيود الجهل والتخلف العقلي ، والقرآن العظيم يتحداه، ويقول له: (قل هاتوا برهانكم)، هذه هي الفرضية الأولى ، أما الفرضية الثانية: فهي أن الإنسان نفسه هو الخالق، خلق السموات والأرض ، وهما أعظم من خلق الإنسان، يقول سبحانه وتعالى: (لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) غافر / 57.
إن من يتأمل هذا الوجود من حوله، ويرى ويمعن النظر في السموات والأرض وما بينهما من مخلوقات ليوقن بما لا يدع مجالًا لأدنى شك بأن خلق السموات والأرض بهذه العظمة والإتقان لأعظم من خلق الناس وأكبر، وهذا ندركه بالعقل المجرد دون شك أو ريبة، وهذا حق مشاهد مهما علا شأن هذا الإنسان، أو زادت معارفه أن الإِحكام الإلهي المتقن الذي نشهده للسموات والأرض لدليل قاطع، وبرهان ساطع على ما يدفعنا إلى النظر والتدبر، ونظن أنه ليس للملحد فرضية ثالثة، ويظل السؤال عالقًا: هل خُلق الإنسان من لا شيء أم هو خالق كل شيء!. إنه سؤال عجز الفلاسفة والملحدون عن الإجابة عنه، والاطمئنان إلى ما انتهى العقل البشري إليه، واطمأنت نفسه الحائرة والمتشككة إليه.
وبعد، إن القرآن العظيم هو أصدق الحديث لأنه وحي مقدس من الله تعالى ومن أصدق من الله حديثًا، ومن أصدق من الله قيلا، قال تعالى: (الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثا) النساء / 87. وقال سبحانه: (والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا وعد الله حقا ومن أصدق من الله قيلا) النساء 122.
إننا معاشر المؤمنين لن نخسر شيئًا حين نؤمن ونستيقن أن لهذا الكون، بل لهذه الأكوان إلها واحدا لا شريك له نتعرف عليه عن طريق تأمل مخلوقاته، والسياحة في ملكوته، ونستنطق من خلال تدبر سوره وآياته بديع صنعه، وعظيم قدرته جل جلاله وتقدست أسماؤه وصفاته.
اطمئن أيها الملحد إذا كنت لا تزال شاكًا في وجودك، وفي وجود الله تعالى.. إله واحد لا شريك له سبحانه، واعلم أنك لو آمنت بما نؤمن به، فسوف تهدأ نفسك، ويطمئن قلبك، وتشفى من حيرتك، وتبلبل أفكارك.
وبعد أيها الملحد، هل رأيت عقلك الذي به تفكر، وبه تختار بين البدائل، بل هل رأيت روحك التي تشيع الدفء والنشاط في بدنك حتى تنكر وجود خالقك الذي خلقك من العَدَمْ، وأمدك من العُدْم؟!، وسيظل السؤال حائرًا عند الملحد لا يجد له جوابًا شافيًا، تطمئن إليه النفس، ويستريح إليه العقل والوجدان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك