القراء الأعزاء،
قبل حوالي عامين قرأت كتاب (المواثيق الدولية وأثرها في هدم الأسرة، بداية من تأسيس المنظمة المتحدة عام 1945 وحتى مطلع 2019) للدكتورة كاميليا حلمي محمد، المنشور عام 2020، حيث تعمقت الباحثة فيما لا يجهله أحد من سعي الدول الغربية غير المنقطع عبر السنوات الطويلة لفرض وصايتها على شعوب الأرض، وصاية كانت تتغير وفقاً لمتغيرات المراحل التاريخية، انتهت في المرحلة المعصرة إلى عولمة مجموعة من القيم السائدة في مجتمعاتها لتكون أداتها في حكم العالم عبر الاشتغال على المرأة والطفل باعتبارهما عنصرين مهمين في تكوين وكيان الأسرة.
حيث تطرّفت الباحثة إلى الاستراتيجيات والسياسات التي رسمتها المواثيق الدولية للمرأة والطفل لهدم واستئصال الأسرة التي تعتبر الوحدة الأساسية لبناء المجتمعات والتي إذا صلحت صلح المجتمع بأكمله وإذا انهارت انهار المجتمع كله، فالأسرة الطبيعية هي أصل الترابط والاتحاد والتوّاد والتراحم وحفظ النسل البشري والإحصان وتقوية أفرادها والكفاية لاحتياجاتهم الأساسية وغيرها من المقاصد والمنافع والإيجابيات التي يُحققها للإنسان وجوده في نطاق الأسرة.
وقد أعادت بعض السلوكيات التي شاهدها الكثير والتي كان لوسائل التواصل الاجتماعي دور في انتشارها ووصولها إلى شريحة كبيرة من المجتمع مما أدى إلى إعادة ذكرى مضمون هذا الكتاب، لاسيما وإن السلوك الذي شاهدناه كان في سياق ما تطرقت إليه الباحثة من الاستراتيجيات والسياسات التي انتهجت لهدم الأسرة، والتي ناقشتها في فصلين الأول بعنون: صرف الشباب عن الزواج، والثاني بعنوان هدم الأسرة القائمة، وسأخصص هذا المقال فقط عن المبحث الثاني في الفصل الأول والمتعلق بتقنين الشذوذ ليس من خلال ما ورد في الكتاب ولكن من خلال الواقع الذي نشاهده أينما يمّمنا وجهنا، وإن مجموعة الفيديوهات التي انتشرت وأعلنت سلوكا مخالفا لعاداتنا وأعرافنا وتقاليدنا وعقيدتنا، من أبنائنا الطلبة في المدارس الخاصة، ربما كانت خلاصة لثقافة جيل من المؤمل أن يكون المؤسس للأسر المستقبلية.
ففي إحدى المدارس طالب يمارس دور القديس ليتم عقد زواج طالبتين ويتلو عليهما عهود الزواج وسط أصوات مباركة زملائهم وطالب آخر يُشرف على تقدّم طالب آخر لطلب يد زميله تحت أعين بقية الطلبة وهتافهم لزميلهم المتقدم بعرض الزواج لكي يجثو على ركبتيه أثناء تقديمه خاتم الخطبة، ويبدو من ظاهر الفيديوهات - والله أعلم - أنها كانت استعدادات (بروفات) لفقرة مسرحية مدرسية يتم الاستعداد لها ومراجعتها تهيئة لعرضها في مناسبة يوم الحب (الفالنتاين)، ومن المستغرب أن الطلبة ذكوراً وإناثاً يبدو أنهم متقبلين الوضع ومشجعين له، وفي هذا جرس إنذار للأسر وللدولة.
والمشاهد السابقة ليست بغريبة علينا ولا على الطلبة والطالبات لأن أحدنا لا بد وأن شاهد مقطعاً ولو عرضياً مما يُعرض أمامنا جميعاً وأمام أبنائنا من أفلام ومسلسلات أجنبية في القنوات المختلفة والمتنوعة المتاحة، بل إن الأمرّ والأدهى هو ما يمكن أن يُشاهده الأطفال ممن هم دون سن التعليم الإلزامي من قنوات اليوتيوب التي تحرص على دسّ سمّ إفساد الأطفال في عسل البرامج المتنوعة التي تعرضها، والتي يُشاهدها الأطفال غير المميزين دون رقابة من أهلهم، وهو بلا شكّ كفيل بأن يخلق ثقافة تقبل المشاهد التي تحدثنا عنها وتُباركها، وإننا لنخشى على مستقبل هؤلاء الأطفال ونأمل أن يكون هناك حراك للدفاع عنهم وحمايتهم وإحكام الرقابة على ما يشاهدون وما تستقبله عقولهم البريئة في المؤسسات التعليمية.
وبالتأكيد إن مثل هذا السلوك هو سلوك مستهجن ومُستنكر في مجتمع تحكمه شرائعه وعاداته وتقاليده ولاسيما وأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في المملكة، وأن مثل هذا الفكر يُعد معول هدم ومُهددا لوجود الأسرة الطبيعية، من خلال صرف الشباب عن تكوين أسرة طبيعية منتجة وحافظة للنوع البشري.
فإذا ما علمنا وأدركنا أن هناك من يسعى للنيل من ثقافتنا ومبادئنا الإسلامية الإنسانية وإلى إفساد القيمة الحقيقية للأسرة، فإنه يصبح لزاماً على الأسر ويتوجب عليها العمل على تعزيز ثقافة الفطرة السليمة لدى أبنائها ونبذ ما يخالف الطبيعة البشرية، كما يتوجب عليها الرقابة على ما تتغذى عليه عقول فلذات أكبادها لضمان بقائهم على طريق الصواب.
ومن المعلوم أن دستور مملكة البحرين قد أكد أهمية الأسرة باعتبارها أساس المجتمع وأنه على القانون حفظ وحماية كيانها الشرعي، وأن الأسرة هي المؤسسة التعليمية الأولى للطفل ثم تتولى هذا الدور المدرسة وكلاهما يُسهمان في صقل الوعي لديه والعلم والمعرفة والثقافة وغرس القيم فيه، وهنا يبرز دور وزارة التربية والتعليم باعتبارها الجهة المسؤولة عن التعليم العام والخاص في مملكة البحرين، في الرقابة على المدارس وإعمال مبدأ المحاسبة للمخالفين، وتأكيد أهمية دورهم في خلق جيل مُسلّح بالعلم والمبادئ ومتمسك بهويته ودينه بعيداً عن ما يُخالف فطرته وخلقه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك