احتفلت المملكة العربية السعودية الشقيقة يوم الخميس الماضي 22/ فبراير/2024 بذكرى يوم تأسيس الدولة السعودية الأولى عام 1727م والذي يرمز إلى العمق الحضاري لبناء الدولة وإرساء قاعدة النهضة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية المعاصرة في المملكة، كما أنه محطة مشرقة في تاريخ المملكة العربية السعودية تعبر عن إرادة وحنكة وبعد نظر قادة المملكة أسرة آل سعود الكريمة وقدراتها المتميزة في توحيد القبائل العربية ورص صفوفها لإنشاء أول كيان سياسي ناضج في تاريخ شبه الجزيرة العربية، حيث أقام آل سعود بقيادة الإمام محمد بن سعود أول دولة عربية سعودية عاصمتها الدرعية، في وقت كانت تشهد فيه شبه الجزيرة العربية فوضى اجتماعية وسياسية، واقتتالا داميا بين القبائل العربية وضياعا للأمن والاستقرار والأمان، وتدهورا اقتصاديا كبيرا، فما كان من آل سعود إلا أن يحشدوا العديد من القبائل ويوحدوا صفوفها ويقيموا دولة دستورها القرآن الكريم وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم. وفرت الأمن والأمان ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وتميزت باستقلالها السياسي عن القوى الإقليمية والدولية التي كانت تتجاذب المنطقة. وشهدت مناطق نفوذها انتعاشا اقتصاديا مميزا نتيجة للاستقرار والأمان الذي نعمت به. وقد استقبلت الدرعية في ظل حكم الإمام محمد بن سعود، الذي استمر حكمه حتى وفاته عام 1765م العديد من العلماء، فانتشر التعليم والتأليف في ربوعها. ثم أخلفه ابنه الأمام عبدالعزيز، الذي استمر حكمه حتى اغتياله وهو يصلي في المسجد في شهر نوفمبر1803م، وفي عهده امتد نفوذ الدولة السعودية إلى الرياض وجميع بلدان الخرج ووادي الدواسر في الجنوب، وفي الشمال امتد إلى القصيم ودومة الجندل بالجوف ووادي السرحان وتيماء وخيبر. وفي الشرق تمكن الإمام عبد العزيز من السيطرة على الأحساء وقطر والبريمي. وفي الغرب امتد نفوذ الدولة السعودية إلى شرقي الحجاز والطائف والخرمة وتربة وما حولها. وفي الجنوب الغربي وصل نفوذ الدولة إلى بيشة والليث وجازان. كما امتد نفوذ الدولة السعودية الأولى إلى دول مجاورة. وتشير الوثائق التاريخية إلى أن عهد الإمام عبدالعزيز اتسم بالعديد من النشاطات العلمية والثقافية والحضارية فازدهرت العلوم وانتعش الاقتصاد. وبعد وفاة الإمام عبدالعزيز، تسلم مقاليد حكم الدرعية ابنه الإمام سعود بن عبد العزيز. الذي لقب بسعود الكبير، واستمر حكمه إلى وفاته في شهر مايو 1814م. فخلفه ابنه الإمام عبدالله بن سعود الذي استمر حكمه نحو أربع سنوات، توالت خلالها حملات والي مصر محمد علي باشا، حتى وصلت إلى حدود الدرعية فحاصرها مدة سنة كاملة، وبعد أن نفد سلاح وزاد المجاهدين المدافعين عن أرضهم، تمكن قائد الحملة من دخول الدرعية عام 1817م وأسر الإمام عبدالله وعائلته وأخذوا إلى مصر ومنها إلى الآستانة حيث قتل الإمام عبدالله ابن سعود هناك غدرا، في شهر ديسمبر سنة 1818م. وبذلك انتهت حقبة مضيئة في تاريخ الجزيرة العربية، إلا أن أسرة آل سعود لم تستسلم للواقع المرير فاستمرت في استنهاض القبائل العربية، وإبرام المواثيق والتحالفات في سبيل الخروج من هذا الواقع حتى تمكن الإمام تركي بن عبد الله بن محمد آل سعود من إقامة الدولة السعودية الثانية سنة 1827م وعاصمتها الرياض، فشهدت في عهده تطورا معماريا سريعا واتسعت مساحتها حتى أصبحت الدرعية تابعة لها بعد أن كانت تتبعها، وسارت الدولة السعودية الثانية على خطى الدولة السعودية الأولى من اهتمام بالأوضاع الاقتصادية والعمرانية والتعليمية، فضلا عن بسط الأمن والاستقرار في منطقة نفوذها، إلا أنها ضعفت وانهارت بسبب الخلافات بين أمراء الأسرة الواحدة ، فتمكن أمير الدولة السعودية علي حائل، وهو من أسرة آل رشيد من إسقاطها عام 1891م .
ومرة أخرى عاود آل سعود جمع صفوفهم وتوحيد كلمتهم وبناء تحالفاتهم ليتمكنوا بقيادة المغفور له بإذن الله الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود من دخول الرياض في 15/يناير/1902م إيذانا بقيام الدولة السعودية الثالثة وعاصمتها الرياض.
واستمر الملك المؤسس بجهده وجهاده حتى أعانه الله جل في علاه من توحيد البلاد في 23/سبتمبر/ 1932م وإعلان قيام المملكة العربية السعودية، ونال باستحقاق بيعة الشعب وولاءه، لتبدأ مرحلة جديدة من الاستقرار والأمن والبناء والإعمار والتطور والنهضة، والتي تواصلت ونمت خلال العقود والسنين اللاحقة لتحول صحراء الجزيرة العربية إلى دولة حديثة لها شأنها ومكانتها الرفيعة بين دول العالم، وتواصلت عجلة التطور والتحديث مع تداول الحكم بين أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود رحمه الله وطيب ثراه، الذين تمكنوا بنجاح باهر من إرساء قواعد النهضة والتنمية. وصولا إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله عمره، الذي بايعته الأسرة المالكة والشعب السعودي في23/يناير/2015، في ظروف وتحديات غاية في التعقيد الإقليمي والعالمي، وعلى مختلف الصعد الأمنية والسياسية والمالية والاقتصادية، فكان جلالته على مستوى التحديات وأهلا لتحشيد قوى الشعب وإمكاناته لمواجهتها، وقيادته لإصلاح وتطوير الاقتصاد وترصين بنيته الهيكلية وتنويع موارده وثرواته، وتعزيز موقع المملكة إقليميا وعالميا، والسير بها نحو آفاق جديدة من النهضة والتنمية المستدامة، واعتماد قيادات وطنية شابه مفعمة بروح البذل والعطاء وتواقة للتطوير، بدءا من تعيين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان وليا للعهد ونائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للدفاع، وإعلان رؤية المملكة 2030 التي كان الأمير محمد بن سلمان مهندسها وقائدها التنفيذي، لتمثل خط الشروع للانطلاق بالمملكة العربية السعودية نحو آفاق أوسع. مستلهما من تاريخ أسرته وأجداده العظام الذين بنوا أول دولة عربية سعودية قبل ثلاثة قرون حوافز دافعة للمزيد من الإصلاح والبناء للنهوض بالحاضر واستشراف المستقبل الوضاء، فجاء قراره الحكيم بالاحتفال بيوم التأسيس ليعبر عن ذلك الاعتزاز بالماضي المشرق، وليذكر الأجيال بعظمة الآباء والأجداد وقدراتهم الفذة على الجهاد والتضحية وبناء الدول وإرساء الحضارة. وللمملكة العربية السعودية علاقات أخوية مميزة مع مملكة البحرين في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، حتى يمكن القول إنها علاقات متفردة في عمقها وأصالتها وحرص قيادتي المملكتين على ترسيخها. تحية حب وتقدير واعتزاز وولاء لحضرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أطال الله في عمره، ولولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان مهندس الإصلاح وقائد عجلة التطور، وكل عام والمملكة العربية السعودية تحتفل بأيامها الوطنية وهي تحقق المزيد من المنجزات للشعب والأمة العربية والإسلامية جمعاء والله ولي التوفيق.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك