يتجه «قطاع السياحة»، إلى قيادة النمو الاقتصادي غير النفطي في دول «مجلس التعاون الخليجي»، عام 2024، بعد إقرار «التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة»، والخطط التي وضعتها كل دول المجلس لتنمية هذا القطاع، وبعد أن أثبتت استضافة «قطر»، لكأس العالم لكرة القدم عام 2022، أن الطقس الحار الذي تتسم به هذه المنطقة، لم يعد حائلاً دون اجتذابها ملايين السياح من كل دول العالم.
وعلى حسب جاهزية الأنظمة اللازمة بدول الخليج، يبدأ العمل بالتأشيرة السياحية الموحدة خلال العام الحالي 2024 أو 2025، بعد أن اعتمدها وزراء السياحة بدول المجلس في اجتماعهم السابع بسلطنة عُمان في أكتوبر2023، وبعد مناقشة إجراءات تفعيلها في اجتماع وزراء الداخلية في نوفمبر لاعتمادها، ثم رفعها إلى القمة الخليجية، التي أقرتها في ديسمبر الماضي، وتم تفويض وزراء الداخلية بتنفيذها.
وتتيح هذه التأشيرة للسائح زيارة عدة دول خليجية بتأشيرة واحدة، كما أنه بمقتضاها يتم تبسيط السفر للمقيمين في دول مجلس التعاون، فيما تسعى إلى استقطاب السياح وبقائهم بدول الخليج مدة أطول، وهو ما من شأنه تعزيز التكامل الاقتصادي الخليجي. ومع اعتمادها، يتم تدشين مسار سياحي خليجي موحد، يربط دول المجلس في مسار واحد ينتهجه الزوار الأجانب، الذين تمتد إقامتهم لأكثر من 30 يوما، للاستفادة من التأشيرة، ومع هذا المسار السياحي بين دول المجلس، فإن كل دولة ترسم «مسارا سياحيا خاصا» بها، يُمكن السائح من زيارة كل أنحائها. ويأتي إقرار «التأشيرة السياحية الخليجية الموحدة»، ضمن «استراتيجية مجلس التعاون الخليجي 2030»، التي تستهدف زيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي، من خلال زيادة الرحلات البينية، وعدد نزلاء الفنادق على مستوى دول المجلس، وجعلها الوجهة السياحية الرائدة على مستوى العالم.
وفي واقع الأمر، تمتلك دول الخليج، بنية تحتية متطورة مؤهلة لقطاع السفر والسياحة. وبنهاية عام 2022، بلغ عدد المنشآت الفندقية فيها أكثر من 10.6 آلاف منشأة، فيما بلغ عدد الغرف نحو 675 ألفا، وتستهدف «الاستراتيجية السياحية الخليجية المشتركة 2023–2030»، زيادة الرحلات الوافدة إلى دول الخليج بمعدل سنوي 7%، فيما بلغ عدد زوارها 39.8 مليون زائر في 2022، بنسبة نمو بلغت 136.6%، مقارنة بعام 2021، بينما تستهدف الوصول إلى 128.7 مليون زائر في 2030، وزيادة إنفاق السياح الوافدين إليها، بمعدل نمو سنوي 8% ليصل إلى 188 مليار دولار بحلول 2030، وزيادة الناتج المحلي الإجمالي المباشر لقطاع السفر والسياحة بمعدل نمو سنوي 7%، فيما حقق هذا الناتج 171.4 مليار دولار في 2022، مع توقع نمو بنسبة 8.5%، ليصل إلى 185.9 مليار دولار في 2023، ويُبني هذا الرقم على استحواذ دول الخليج على نحو 837 موقعا سياحيا.
ويتزامن العمل بالتأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، مع بروز «السعودية»، كواجهة سياحية، معززة بالإصلاحات، والمبادرات الطموحة التي يجري تنفيذها، في إطار برنامج رؤية 2030، الهادفة إلى تحويل المملكة إلى واحدة من الدول التي تستقبل أكبر عدد من الزوار، وتعزيز ذلك باستثمارات متواصلة في البنية التحتية المتعلقة بالسياحة، بما فيها المطارات والفنادق والنقل. وفي هذا الإطار، أعلنت «وزارة السياحة»، عن تقديم «حزمة استثمارية»، بقيمة تريليون دولار مدة عشر سنوات، في ضوء سعي الدولة إلى زيادة القدرة الاستيعابية للفنادق بمقدار 310 آلاف غرفة بحلول 2030.
علاوة على ذلك، سهلت «الرياض»، الحصول على التأشيرات السياحية، وخصصت مبالغ كبيرة للاستثمار في ترميم المواقع التراثية والثقافية الغنية والترويج لها، كونها مواقع جاذبة للسياح، مثل (مدينة العلا القديمة، آثار مدائن صالح النبطية، مدينة جدة التاريخية.. إلخ)، كما تبنت الحكومة استراتيجية لاستقطاب الاستثمار، وتعزيز إنفاق السائح، من خلال الفعاليات الجاذبة والسياحة الرياضية، ومن المتوقع إقامة عدد من الفعاليات في 2024، بما فيها سباق جائزة السعودية الكبرى الفورمولا 1 في جدة، وعدد من المؤتمرات والقمم. وفي ديسمبر 2023، تم اختيارها لاستضافة معرض إكسبو2030، المقرر إقامته بالرياض، ومن المرجح أن تستضيف كأس العالم لكرة القدم 2034.
ونتيجة لذلك، بدأت هذه الجهود تؤتي ثمارها، فبرزت «السعودية»، بصفتها الوجهة السياحية الثانية الأسرع نموًا في العالم، بناء على عدد السياح الدوليين الوافدين إليها. وتشير أرقام 2023 إلى استقطاب نحو 70 مليون زائر محلي، و30 مليون زائر دولي، ورفع مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 6%، بعد أن كانت 3% في 2019، وتستهدف 10% في 2030 محققة معدل نمو سنوي 11% خلال العقد التالي.
إلى جانب ذلك، يتأهب القطاع السياحي في «الإمارات»، لمرحلة جديدة من النمو في 2024، بعد أن حقق «نقلات نوعية»، و«إنجازات استثنائية»، العام الماضي، ما عزز مكانة الإمارات على خريطة السياحة العالمية، وجعلها وجهة مستدامة للسائحين من أنحاء العالم، بفضل منشآتها الفندقية عالية المستوى، والمقاصد السياحية والثقافية المتنوعة، إضافة إلى الأمن والاستقرار، والموقع الاستراتيجي والفعاليات المتعددة.
وتمثل «استراتيجية الإمارات الوطنية للسياحة 2031»، خريطة طريق لخلق قطاع سياحي مستدام، مستهدفة رفع مكانة الدولة، لتصبح الأولى عالميًا كأفضل هوية سياحية، وزيادة مساهمة القطاع السياحي في الناتج المحلي الإجمالي إلى 450 مليار درهم، وجذب استثمارات جديدة بقيمة 100 مليار درهم، واستقطاب 40 مليون نزيل بحلول 2031. ويُقدر «المجلس العالمي للسياحة والسفر»، ارتفاع مساهمة هذا القطاع في الاقتصاد الإماراتي بـ180.6 مليار درهم في 2023، بزيادة 8.3% عن عام 2023، وبنسبة مساهمة في الاقتصاد الوطني تصل إلى 10%، مقارنة بـ9% في 2022، وخلال الـ 7 أشهر الأولى من عام 2023 ارتفع إجمالي إيرادات المنشآت الفندقية، بنسبة نمو 24%، محققًا 26 مليار درهم، بعدد نزلاء بلغ 16 مليونا بإجمالي 56 مليون ليلة فندقية.
وعلى هامش اجتماع وزراء السياحة بسلطنة عُمان -السابق الإشارة إليه- تم اختيار «المنامة»، عاصمة للسياحة الخليجية لعام 2024، تأكيدًا للدور البارز للبحرين في تطوير منظومة سياحية تكاملية على مستوى المنطقة، وتشجيع السياحة البينية، بعد أن وضعت قطاع السياحة في مقدمة أولوياتها التنموية، لدوره في دفع مسيرة التنمية المستدامة، مع مضاعفة حجم الاستثمار في البنية التحتية السياحية، وتطوير الخدمات السياحية، وإقامة المزيد من المنشآت الفندقية؛ لاستيعاب السياح من مختلف أنحاء العالم؛ تحقيقًا لأهداف (الاستراتيجية السياحية 2022 – 2026). وفي السنة الأولى لهذه الاستراتيجية، بلغت الإيرادات السياحية 4 مليارات دولار بزيادة 50%، واستقبلت 9.9 ملايين زائر، بزيادة بنسب 19%، فيما شملت الاستراتيجية أربع أولويات هي (تسهيل الدخول – الجذب السياحي – التسويق والترويج – الإقامة). فيما تستهدف 14 سوقا سياحيا في مقدمتها السوق السعودي، ولهذا جرى الاتفاق على أن تكون السعودية والبحرين، وجهة سياحية واحدة، مع حزمة مشاريع سياحية واعدة.
أما «سلطنة عُمان»، فقد بلغ دخلها السياحي خلال الثمانية أشهر الأولى من عام 2023، نحو 3.6 مليارات ريال، فيما وصل عدد الزوار إلى 4.5 ملايين زائر في هذه الفترة، وبلغ إجمالي الإنتاج السياحي لعام 2022، نحو 1.9 مليار ريال، مرتفعًا بنسبة 47% عن عام 2021، وبلغ عدد الزوار 2.9 مليون زائر مرتفعًا بنسبة 348%، كما تجاوزت قيمة المشاريع المؤكدة حتى نهاية ديسمبر 2022، مبلغ 2.71 مليار ريال، وارتفع مؤشر مساهمة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 2.1%، في حين يستهدف الوصول إلى 2.7% عام 2025، وتعمل السلطنة على تطوير قطاعها السياحي، ضمن خطة التنمية الخمسية 2021 - 2025 ، باستثمارات تبلغ 3 مليارات ريال.
بالإضافة إلى ذلك، توقع «البنك الدولي»، نمو اقتصاد «قطر»، بنسبة 2.5% في 2024، وتسجيل نمو قوي في القطاعات غير النفطية، بنسبة تصل إلى 3.6%، نتيجة تزايد أعداد السياح، وتنظيم فعاليات كبيرة، إذ سيسهم تنظيم 14 فعالية رياضية رئيسية إضافية في تعزيز مكانتها كمركز رياضي عالمي، فيما شهدت في 2023، زيادة بنسبة 26.6% في أعداد الزوار، حيث بلغت نحو 4 ملايين سائح، وتستهدف رفع مكانة السياحة في الناتج المحلي الإجمالي إلى 12% بنهاية العِقد، وجذب نحو 6 ملايين سائح.
وبالنسبة إلى الكويت، فإن السياحة والعقار يعدان من ركائز تصحيح المسار الاقتصادي وتحقيق التنمية المستدامة بها، وتتسارع الخطى لإقامة «مهرجان الكويت للسياحة والترفيه والثقافة»، في دورته الأولى 2024، لجهة تعزيز دور السياحة في التنويع الاقتصادي وفق «رؤية 2024–2040»، وتطور الكويت مشروعين سياحيين بقيمة 1.64 مليار دولار في جزيرة «فيلكا»، وموقع المدينة الترفيهية في منطقة الدوحة غرب العاصمة. ووفقًا للرؤية، وضعت برنامجا اقتصاديا طموحا يمتد أربعة أعوام حتى 2027، يتضمن 107 مشاريع وفق جداول زمنية، من أبرزها مشاريع تخدم السياحة (الربط السككي الخليجي، خط سكة حديد السعودية الكويت، تطوير جزيرة «فيلكا» كوجهة ثقافية وسياحية).
على العموم، يشهد عام 2024 انطلاقة كبيرة لقطاع السياحة في الاقتصاد الخليجي، معززة بالتأشيرة السياحية الخليجية الموحدة، التي طال انتظارها سبع سنوات، ليصبح هذا القطاع، قائدًا للنمو الاقتصادي غير النفطي، كونه يرتبط بعديد من القطاعات الأخرى، وأسرع القطاعات استقطابًا للاستثمار، وضخًا للإيرادات، وأكبرها استيعابًا للعمالة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك