العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

صوت بوتين يخترق الحصار الغربي

بقلم: د. نبيل العسومي

الجمعة ٢٣ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

حقق‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مقابلته‭ ‬مع‭ ‬الصحفي‭ ‬الأمريكي‭ ‬المشهور‭ ‬تاكر‭ ‬كارلسون‭ ‬مكسبا‭ ‬سياسيا‭ ‬وإعلاميا‭ ‬كبيرا‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بمضمون‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬المهمة‭ ‬ولكن‭ ‬بما‭ ‬تميز‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬حضور‭ ‬ذهني‭ ‬كبير‭ ‬ومن‭ ‬معرفة‭ ‬شاملة‭ ‬بالتاريخ‭ ‬القديم‭ ‬والمعاصر‭ ‬وبالقدرة‭ ‬على‭ ‬الإجابة‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬سؤال‭ ‬مهما‭ ‬كان‭ ‬صعبا‭ ‬أو‭ ‬محرجا‭ ‬أو‭ ‬معقدا‭ ‬في‭ ‬مقابل‭ ‬ما‭ ‬عاناه‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬جو‭ ‬بايدن‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬على‭ ‬صعيد‭ ‬الذاكرة،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬الحصرية‭ ‬والطويلة‭ ‬والتي‭ ‬شملت‭ ‬جميع‭ ‬مناحي‭ ‬السياسة‭ ‬الروسية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬الدولية‭ ‬أظهرت‭ ‬بالفعل‭ ‬ما‭ ‬يتميز‭ ‬به‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬من‭ ‬وضوح‭ ‬للرؤية‭ ‬والتركيز‭ ‬على‭ ‬الهدف‭ ‬في‭ ‬معركته‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬التي‭ ‬يخوضها‭ ‬هذا‭ ‬الحلف‭ ‬ضد‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬بهدف‭ ‬إسقاطها‭ ‬أو‭ ‬هزيمتها‭.‬

هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬الحصرية‭ ‬التي‭ ‬حققت‭ ‬ملايين‭ ‬المشاهدات‭ ‬عبر‭ ‬العالم‭ ‬استطاع‭ ‬بوتين‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬تحقيق‭ ‬أربعة‭ ‬أهداف‭ ‬أساسية‭:‬

الأول‭: ‬كسر‭ ‬الحصار‭ ‬المفروض‭ ‬على‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬عامة‭ ‬وعلى‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المقاطعة‭ ‬غير‭ ‬المسبوقة‭ ‬لكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬روسي‭ ‬والرفض‭ ‬الدائم‭ ‬لمنع‭ ‬الرؤية‭ ‬الروسية‭ ‬من‭ ‬الوصول‭ ‬إلى‭ ‬الغرب‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحرب‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الناتو‭. ‬فكانت‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬فرصة‭ ‬لم‭ ‬يشهد‭ ‬لها‭ ‬مثيل‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬والتي‭ ‬استطاع‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬أن‭ ‬يوضح‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الجوانب‭ ‬المتعلقة‭ ‬بأسباب‭ ‬وملابسات‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬وأوكرانيا‭ ‬في‭ ‬تحميل‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬وبريطانيا‭ ‬مسؤولية‭ ‬اندلاع‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬ومسؤولية‭ ‬استمرارها‭ ‬حيث‭ ‬أوضح‭ ‬بوتين‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يدع‭ ‬مجالا‭ ‬للشك‭ ‬بأنه‭ ‬تكلم‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬قبل‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬بعدة‭ ‬أسابيع‭ ‬وأوضح‭ ‬له‭ ‬إن‭ ‬المطلوب‭ ‬الالتزام‭ ‬باتفاقية‭ ‬مينسك‭ ‬1‭ ‬،‭ ‬2‭ ‬وأن‭ ‬المطلوب‭ ‬من‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬إن‭ ‬هي‭ ‬أرادت‭ ‬منع‭ ‬حدوث‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬أن‭ ‬تدفع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬الالتزام‭ ‬بما‭ ‬تم‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬مع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬بمشاركة‭ ‬الشركاء‭ ‬الأوروبيين‭ ‬وهذا‭ ‬يؤكد‭ ‬مجددا‭ ‬الحكاية‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تكررها‭ ‬روسيا‭ ‬خلال‭ ‬العامين‭ ‬الماضيين‭ ‬بأن‭ ‬شن‭ ‬الحرب‭ ‬كان‭ ‬بالأساس‭ ‬موقفا‭ ‬وغاية‭ ‬وليس‭ ‬عدوانا‭ ‬مثلما‭ ‬يصور‭ ‬الإعلام‭ ‬الغربي‭.‬

الثاني‭: ‬حمل‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬السابق‭ ‬بوريس‭ ‬جونسون‭ ‬تحديدا‭ ‬مسؤولية‭ ‬منع‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬توقيع‭ ‬وثيقة‭ ‬الاتفاق‭ ‬المتعلقة‭ ‬بإيقاف‭ ‬الحرب‭ ‬والذي‭ ‬تمت‭ ‬كتابتها‭ ‬بالأحرف‭ ‬الأولى‭ ‬وما‭ ‬سبق‭ ‬الاتفاق‭ ‬عليه‭ ‬خلال‭ ‬المفاوضات‭ ‬الروسية‭ ‬الأوكرانية‭ ‬التي‭ ‬احتضنتها‭ ‬تركيا‭ ‬حيث‭ ‬حرص‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البريطاني‭ ‬على‭ ‬رفض‭ ‬التوقيع‭ ‬على‭ ‬الاتفاق‭ ‬ومواصلة‭ ‬الحرب‭ ‬بما‭ ‬يؤكد‭ ‬سعي‭ ‬روسيا‭ ‬من‭ ‬البداية‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬بالوسائل‭ ‬السلمية‭ ‬لحقن‭ ‬دماء‭ ‬الشعبين‭ ‬الشقيقين‭ ‬الروسي‭ ‬والأوكراني‭.‬

وهذه‭ ‬نقطة‭ ‬تستكمل‭ ‬وجهة‭ ‬النظر‭ ‬الروسية‭ ‬التي‭ ‬تحمل‭ ‬أيضا‭ ‬مسؤولية‭ ‬عدم‭ ‬منع‭ ‬اندلاع‭ ‬الحرب‭ ‬لبريطانيا‭ ‬وهذه‭ ‬النقطة‭ ‬كررها‭ ‬بوتين‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬التي‭ ‬استمرت‭ ‬طوال‭ ‬ساعتين‭.‬

الثالث‭: ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬موسكو‭ ‬ليست‭ ‬لديها‭ ‬مصلحة‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬أوكرانيا‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬مثل‭ ‬بولندا‭ ‬ولاتفيا‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬وإن‭ ‬روسيا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬دولة‭ ‬استعمارية‭ ‬أو‭ ‬عدوانية‭ ‬وإنها‭ ‬لم‭ ‬تخض‭ ‬أي‭ ‬حرب‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬جرى‭ ‬الاعتداء‭ ‬عليها‭ ‬فقط‭ ‬وعندما‭ ‬ألح‭ ‬الصحفي‭ ‬هل‭ ‬إن‭ ‬روسيا‭ ‬مستعدة‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬حرب‭ ‬مع‭ ‬بولندا‭ ‬أكد‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬واحدة‭ ‬فقط‭ ‬وهي‭ ‬إذا‭ ‬هاجمت‭ ‬بولندا‭ ‬روسيا‭ ‬وإن‭ ‬العملية‭ ‬في‭ ‬الأساس‭ ‬حرب‭ ‬دفاعية‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬حربا‭ ‬استعمارية‭ ‬أو‭ ‬عدوانية‭.‬

الرابع‭: ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬خاصة‭ ‬ودول‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬عامة‭ ‬أوضح‭ ‬الرئيس‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬المبادئ‭ ‬والأسس‭ ‬والثوابت‭ ‬الأساسية‭ ‬التي‭ ‬تلخص‭ ‬السياسة‭ ‬الروسية‭ ‬واضحة‭ ‬وهي‭ ‬حفظ‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬وسيادة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬وبناء‭ ‬علاقات‭ ‬متكافئة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬والسلام‭ ‬والاحترام‭ ‬المتبادل‭ ‬وأولها‭ ‬توقف‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ودول‭ ‬الناتو‭ ‬عن‭ ‬توريد‭ ‬السلاح‭ ‬إلى‭ ‬أوكرانيا‭ ‬ودفعها‭ ‬إلى‭ ‬تنفيذ‭ ‬القرارات‭ ‬المتفق‭ ‬عليها‭ ‬في‭ ‬إسطنبول‭ ‬برعاية‭ ‬تركية‭ ‬وإن‭ ‬توسيع‭ ‬حلف‭ ‬الناتو‭ ‬يزعج‭ ‬روسيا‭ ‬لأنه‭ ‬يرسل‭ ‬رسائل‭ ‬عدوانية‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬دول‭ ‬الناتو‭ ‬تحاول‭ ‬محاصرة‭ ‬روسيا‭ ‬وإلحاق‭ ‬هزيمة‭ ‬استراتيجية‭ ‬بها‭ ‬حيث‭ ‬أكد‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬حلم‭ ‬هزيمة‭ ‬روسيا‭ ‬الاتحادية‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتحقق‭ ‬لأنه‭ ‬مستحيل‭ ‬أصلا‭.‬

بهذه‭ ‬النقاط‭ ‬الأساسية‭ ‬استطاع‭ ‬الرئيس‭ ‬الروسي‭ ‬فلاديمير‭ ‬بوتين‭ ‬أن‭ ‬يحقق‭ ‬أهدافا‭ ‬ثمينة‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬وأوصل‭ ‬صوته‭ ‬بشكل‭ ‬قوي‭ ‬ومؤثر‭ ‬داخل‭ ‬المجتمعات‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تابعت‭ ‬هذه‭ ‬المقابلة‭ ‬بكل‭ ‬اهتمام‭ ‬مما‭ ‬أزعج‭ ‬بشكل‭ ‬علني‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬كما‭ ‬أزعج‭ ‬الأوساط‭ ‬السياسية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬اتهمت‭ ‬الصحفي‭ ‬كارل‭ ‬كارلتون‭ ‬بأنه‭ ‬أعطى‭ ‬لبوتين‭ ‬فرصة‭ ‬استثنائية‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬الرأي‭ ‬العام‭ ‬الغربي‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا