حقق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال مقابلته مع الصحفي الأمريكي المشهور تاكر كارلسون مكسبا سياسيا وإعلاميا كبيرا ليس فقط بمضمون هذه المقابلة المهمة ولكن بما تميز به من حضور ذهني كبير ومن معرفة شاملة بالتاريخ القديم والمعاصر وبالقدرة على الإجابة عن أي سؤال مهما كان صعبا أو محرجا أو معقدا في مقابل ما عاناه الرئيس الأمريكي جو بايدن من معاناة على صعيد الذاكرة، ولذلك فإن هذه المقابلة الحصرية والطويلة والتي شملت جميع مناحي السياسة الروسية وعلاقاتها الدولية أظهرت بالفعل ما يتميز به فلاديمير بوتين من وضوح للرؤية والتركيز على الهدف في معركته مع دول الناتو التي يخوضها هذا الحلف ضد روسيا الاتحادية بهدف إسقاطها أو هزيمتها.
هذه المقابلة الحصرية التي حققت ملايين المشاهدات عبر العالم استطاع بوتين من خلالها تحقيق أربعة أهداف أساسية:
الأول: كسر الحصار المفروض على روسيا الاتحادية عامة وعلى الرئيس بوتين خاصة من خلال المقاطعة غير المسبوقة لكل ما هو روسي والرفض الدائم لمنع الرؤية الروسية من الوصول إلى الغرب خاصة فيما يتعلق بالحرب مع أوكرانيا في مواجهة الناتو. فكانت هذه المقابلة فرصة لم يشهد لها مثيل خلال العامين الماضيين والتي استطاع من خلالها أن يوضح الكثير من الجوانب المتعلقة بأسباب وملابسات اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في تحميل كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مسؤولية اندلاع هذه الحرب ومسؤولية استمرارها حيث أوضح بوتين بما لا يدع مجالا للشك بأنه تكلم مع الرئيس الأمريكي قبل اندلاع الحرب بعدة أسابيع وأوضح له إن المطلوب الالتزام باتفاقية مينسك 1 ، 2 وأن المطلوب من الولايات المتحدة إن هي أرادت منع حدوث هذه الحرب أن تدفع أوكرانيا إلى الالتزام بما تم الاتفاق عليه مع أوكرانيا بمشاركة الشركاء الأوروبيين وهذا يؤكد مجددا الحكاية الروسية التي تكررها روسيا خلال العامين الماضيين بأن شن الحرب كان بالأساس موقفا وغاية وليس عدوانا مثلما يصور الإعلام الغربي.
الثاني: حمل الرئيس بوتين رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون تحديدا مسؤولية منع أوكرانيا من توقيع وثيقة الاتفاق المتعلقة بإيقاف الحرب والذي تمت كتابتها بالأحرف الأولى وما سبق الاتفاق عليه خلال المفاوضات الروسية الأوكرانية التي احتضنتها تركيا حيث حرص رئيس الوزراء البريطاني على رفض التوقيع على الاتفاق ومواصلة الحرب بما يؤكد سعي روسيا من البداية إلى حل هذه الحرب بالوسائل السلمية لحقن دماء الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني.
وهذه نقطة تستكمل وجهة النظر الروسية التي تحمل أيضا مسؤولية عدم منع اندلاع الحرب لبريطانيا وهذه النقطة كررها بوتين في هذه المقابلة التي استمرت طوال ساعتين.
الثالث: أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن موسكو ليست لديها مصلحة في توسيع نطاق الحرب في أوكرانيا إلى دول أخرى في المنطقة مثل بولندا ولاتفيا أو أي دولة أخرى من دول الناتو وإن روسيا لم تكن في يوم من الأيام دولة استعمارية أو عدوانية وإنها لم تخض أي حرب إلا إذا جرى الاعتداء عليها فقط وعندما ألح الصحفي هل إن روسيا مستعدة في الدخول في حرب مع بولندا أكد أن ذلك يمكن أن يحدث في حالة واحدة فقط وهي إذا هاجمت بولندا روسيا وإن العملية في الأساس حرب دفاعية ولم تكن حربا استعمارية أو عدوانية.
الرابع: عن العلاقة بين روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية خاصة ودول حلف الناتو عامة أوضح الرئيس بوتين أن المبادئ والأسس والثوابت الأساسية التي تلخص السياسة الروسية واضحة وهي حفظ أمن واستقرار وسيادة روسيا الاتحادية وبناء علاقات متكافئة قائمة على الحوار والسلام والاحترام المتبادل وأولها توقف الولايات المتحدة الأمريكية ودول الناتو عن توريد السلاح إلى أوكرانيا ودفعها إلى تنفيذ القرارات المتفق عليها في إسطنبول برعاية تركية وإن توسيع حلف الناتو يزعج روسيا لأنه يرسل رسائل عدوانية مفادها أن دول الناتو تحاول محاصرة روسيا وإلحاق هزيمة استراتيجية بها حيث أكد بوتين أن حلم هزيمة روسيا الاتحادية لا يمكن أن يتحقق لأنه مستحيل أصلا.
بهذه النقاط الأساسية استطاع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن يحقق أهدافا ثمينة من هذه المقابلة وأوصل صوته بشكل قوي ومؤثر داخل المجتمعات الغربية التي تابعت هذه المقابلة بكل اهتمام مما أزعج بشكل علني الإدارة الأمريكية كما أزعج الأوساط السياسية الغربية التي اتهمت الصحفي كارل كارلتون بأنه أعطى لبوتين فرصة استثنائية للوصول إلى الرأي العام الغربي.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك