بعد مرور أكثر من أربعة أشهر منذ هجوم حماس على إسرائيل في السابع من شهر أكتوبر 2023م، والذي أسفر عن مقتل 1200 شخص واختطاف 240 آخرين، لا توجد نهاية في الأفق للحرب في غزة.
وأثار مقتل أكثر من 27 ألف فلسطيني، بحسب وزارة الصحة في غزة، احتجاجات عالمية لوقف إطلاق النار، بما في ذلك الأمر الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في 26 يناير ويحث إسرائيل على تجنب الإبادة الجماعية على يد قواتها في غزة.
ومع ذلك فإن القتال مستمر. ويتساءل الفلسطينيون: ما الهدف من كل هذا الألم والمعاناة عندما لم تحقق إسرائيل أهدافها المتمثلة في اقتلاع حماس أو تدمير قدرتها العسكرية، ولم تتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن المتبقين مقابل إطلاق سراح سجناء فلسطينيين؟
هل هي حرب حقيقية على حماس؟ أم أنها بالأحرى، كما نراها نحن الفلسطينيين، حرب على الفلسطينيين في غزة وحملة لمنع إنشاء دولة فلسطينية، كما أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن ذلك علناً وبشكل متكرر؟
وعندما سئلنا عما يريده الفلسطينيون، أجبنا: إنهاء الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وممارسة الحق في العيش بحرية وأمن وأمان في دولتنا المستقلة ذات الحدود الواضحة التي يتم تحقيقها من خلال سلام دائم يتم التفاوض عليه.
فالفلسطينيون يريدون ما تتمتع به جميع الدول الحرة، بما في ذلك الكرامة والرفاهية الاجتماعية والديمقراطية والرخاء. نحن لا نريد الحرب أو الدمار، أو قبل كل شيء، الألم والمعاناة أو خسارة الأرواح البشرية.
وكان هذا هو السبب الذي جعل الكثيرين منا يشعرون بالابتهاج عندما تم التوقيع على اتفاقيتي أوسلو الأولى وأوسلو الثانية في أوائل التسعينيات من القرن العشرين. وفي هذه الاتفاقيات، اعترفت إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهما البعض.
وكان حجر الزاوية في هذه الاتفاقيات هو تبادل الأرض مقابل السلام وإنشاء خارطة طريق لإقامة الدولتين. لقد اعتقدنا أننا تصالحنا مع إسرائيل وأن نهاية الاحتلال وهذا الصراع الذي دام عقوداً قد أصبحت في الأفق.
ومن المؤسف أن هذه الاتفاقيات لم يتم تنفيذها قط، الأمر الذي سمح للتطرف بالتوسع والتنامي على الجانبين، فيما ظلت العلاقة الإسرائيلية الفلسطينية تتسم بعدم الثقة والرفض منذ ذلك الحين.
عندما يسعى الفلسطينيون إلى إقامة دولة، يقول كثيرون آخرون إن القضايا معقدة للغاية بحيث لا يمكن حلها بشكل واقعي. إسرائيل تقول لنا إن علينا أن نكتفي بالعيش تحت سيطرتها السيادية.
تريد إسرائيل مواصلة تكريس ذات الوضع الذي يسمح لها بتقديم تصاريح عمل مؤقتة يمكن إلغاؤها في أي وقت لنحو 160 ألف فلسطيني للقيام بأعمال يدوية في إسرائيل.
هذا الوضع هو الذي يسمح أيضا لإسرائيل بإحكام قبضتها على وارداتنا ويفرض علينا رسومًا لأنه ليس لدينا حدود دولية، إذ تسيطر إسرائيل على أرضنا وأجوائنا وبحرنا.
هذا هو الوضع الذي يتيح لإسرائيل أن تبيعنا المياه والطاقة والوقود والغذاء وغيرها من الضروريات لأنها تسيطر على جميع حدودنا الخارجية وحتى الحدود الداخلية من خلال شبكة واسعة من نقاط التفتيش العسكرية داخل الضفة الغربية.
قطاع غزة والضفة الغربية معزولان عن بعضهما البعض. إن إسرائيل هي التي تحدد كيف ومتى يمكننا الانتقال من مدينة فلسطينية إلى أخرى، أو حتى السفر إلى الخارج.
يبدو أن الفلسطينيين والإسرائيليين لديهم اختلافات جوهرية في القيم. إن قواعد القانون الدولي التي تم وضعها بعد أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية تنطبق على الإسرائيليين ولكن ليس على الفلسطينيين بالتساوي.
إن الدول الغربية التي هيمنت على السياسة العالمية منذ الحرب العالمية الثانية تسمح لإسرائيل بجني فوائد نظام القيم الدولي، لكن الفلسطينيين يحرمون من ذلك.
وعندما قتلت حماس 1200 إسرائيلي في السابع من أكتوبر الماضي، فقد أشعل ذلك فتيل الحرب الإسرائيلية في غزة، بدعم من الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية والتي أدت حتى الآن إلى مقتل أكثر من 27 ألف مدني في غزة.
وقد دُفن أكثر من 8000 شخص تحت الأنقاض، وأصيب أكثر من 65000 شخص، ونزح أكثر من 1.7 مليون شخص، أي أكثر من 75 بالمائة من إجمالي السكان، وأجبروا على العيش في خيام أو في أحياء ضيقة في جنوب غزة. وتدافع إسرائيل عن هذا كله باعتباره دفاعا عن النفس.
ومن المؤكد أن كل دولة عندما تتعرض للهجوم يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها، وخاصة سكانها المدنيين. ويجب على كل دولة أن تحمي مواطنيها من الاختطاف.
تستطيع إسرائيل أن تفعل ذلك، لكن الأراضي الفلسطينية لا تستطيع الدفاع عن نفسها أو حماية أطفالها وسكانها المدنيين.
منذ أن أخلت إسرائيل مستوطناتها في قطاع غزة في عام 2005، ظلت حماس تسيطر على القطاع وسكانه المدنيين، فيما استمرت إسرائيل في السيطرة على حدود قطاع غزة. وبعد صراع على السلطة مع فتح، الذراع السياسية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تخوض انتخابات السلطة الفلسطينية، حكمت حماس غزة.
منذ يوم 7 أكتوبر والغزو الإسرائيلي المدمر لغزة، تظهر استطلاعات الرأي زيادة في الدعم لحماس في الضفة الغربية، وإن كان أقل في غزة.
أما الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث أعيش، فهي قصة أخرى. لقد رأينا أرضنا تتقلص لصالح المستوطنات الإسرائيلية؛ ويعيش الآن أكثر من 700 ألف مستوطن إسرائيلي في وسطنا.
أصبح حقنا في العبادة في أماكننا المقدسة مقيدا لأن سكان الضفة الغربية وغزة يجب أن يحصلوا على تصاريح من إسرائيل لدخول القدس.
ويعيش ملايين الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في العالم العربي، وكذلك في الضفة الغربية والقدس الشرقية. لقد فرت الغالبية العظمى من سكان غزة من إسرائيل خلال حرب عام 1948 أو شردتهم المستوطنات اليهودية اللاحقة.
أما اليوم، فإن الفلسطينيين في القدس الشرقية والجزء الذي تسيطر عليه إسرائيل من الضفة الغربية غير قادرين على توسيع مراكزنا الحضرية لتلبية النمو السكاني لدينا، أو تحسين شبكات النقل لدينا، أو استغلال مواردنا الطبيعية لأن إسرائيل تحد من تصاريح البناء لدينا وتفضل مستوطناتها.
وبينما يعاني سكاننا من المنازل المكتظة والطرق السيئة، نرى مدنًا ومراكز حضرية استيطانية إسرائيلية بأكملها مبنية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
تاريخياً، لم يكن الفلسطينيون أبداً أسياد مصيرهم. بدأ ذلك مع الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1918 وما تلا ذلك من هجرة يهودية كبيرة من أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية. ثم، في حرب عام 1967، احتلت إسرائيل هذه الأراضي.
لقد مهّد الحكم الذاتي المحدود الذي أنشأته اتفاقيات أوسلو في عام 1995 الطريق أمام الفلسطينيين ليصبحوا أسياد مصيرنا، لكنه لم ينفذ بالكامل قط. وعندما تراجعت آفاق السلام، تبددت آمالنا في الحكم الذاتي.
إن تحقيق الأمن والاستقرار للإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة برمتها يتطلب تحقيق رؤية الدولتين التي بدأت بأوسلو الأولى وأوسلو الثانية.
إن الأفق السياسي الآن مناسب، ولكن يجب على الولايات المتحدة الأمريكية تعزيز مكانتها السياسية في المنطقة بدعم من أصدقائها العرب واتخاذ إجراءات حاسمة لدعوة الجانبين إلى الموافقة على وقف إطلاق النار ومنع تصعيد الحرب.
ولا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تسمح لإسرائيل بأن تجعل من هذه الحرب حرب استنزاف مقدر لها أن تستمر لأشهر عديدة أخرى. لقد أدت استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية وسياستها تجاه إسرائيل إلى حروب متتالية وصعود الجماعات المسلحة المدعومة من إيران.
وقد تركزت هذه الحروب حول قضية فلسطين؛ ومن الواضح أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد قادرة على تجاهل هذه الحقيقة. لقد أصبحت التكلفة بالنسبة لنا جميعا مرتفعة للغاية.
ويبقى السؤال الكبير: من الذي يريد الشعب الفلسطيني أن يمثله وكيف ينبغي اختيار ذلك الشخص أو المجموعة؟ إنه سؤال صعب للغاية، ونحن الفلسطينيون نتصارع من أجل الإجابة الصحيحة بأنفسنا.
إن أفضل طريق لحل مسألة الزعامة يتلخص في إجراء انتخابات تتمكن فيها الأحزاب المستقلة، وليس فقط ممثلو حماس أو فتح، من الترشح لمنصب الرئيس والبرلمان.
وفي الواقع، عندما أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إجراء الانتخابات في عام 2021، انضم 36 حزباً مستقلاً إلى قوائم المرشحين.
وهذا يدل على أن الجمهور الفلسطيني يريد تغييرات كبيرة ومستعد للانتقال من حماس أو السلطة الفلسطينية. وربما تكون النتيجة الأكثر ترجيحاً هي تشكيل حكومة ائتلافية.
ويريد الفلسطينيون حكومة تمثيلية يمكنها تقديم الخدمات والأمن. إنهم يريدون التحرر من الاحتلال، وإنهاء الصراع مع إسرائيل، وفلسطين محررة.
هذا أمر طويل جدًا، لكنه يمثل الطريقة الوحيدة لمنح الفلسطينيين الحق في تقرير المصير الذي يستحقونه، مثل كل البشر وسائر المجتمعات الإنسانية.
{ مواطنة فلسطينية مقيمة في القدس وتمارس القانون في الضفة الغربية. عملت مستشارا قانونيا لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية بين 1994 و2008، وهي لا تزال تسهم في مبادرات السلام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك