في ظل التحولات العميقة التي تشهدها ساحة الأعمال، برزت الاستدامة كمحور رئيسي يحتل قلب الاستراتيجيات الطويلة الأمد للحكومات والشركات والمجتمعات على حد سواء حيث أصبحت المؤسسات التي تضع الاستدامة في صدارة أولوياتها تنعم بفرص نمو وتنافسية لا مثيل لها في قطاعاتها. تلك المؤسسات، وبخاصة الصغيرة والمتوسطة منها، تقف أمام تساؤل جوهري: كيف نبدأ رحلة الاستدامة؟
والإجابة هنا تكمن في اعتماد البساطة والتدرج في التنفيذ حيث يبدأ الطريق نحو التحول المستدام بتقييم ذاتي للممارسات الحالية التي تدعم الاستدامة، كاستخدام تقنيات توفير الطاقة وتقليل استهلاك الموارد الورقية، وتشجيع العمل التطوعي بين الموظفين هذا التقييم يمهد الطريق لتحديد فرص التوسع وضبط الأهداف التي تتسق مع العمليات اليومية للشركة حيث يتوجب على الشركات إنشاء لجنة للاستدامة تضم ممثلين من كل قسم يعزز من فاعلية التحول نحو ممارسات أكثر استدامة حيث يجب أن تضع المؤسسات نصب أعينها الأطر الرائدة والرؤى الاستراتيجية للدول، لاسيما رؤية البحرين ورؤية 2030 في المملكة العربية السعودية. هاتان الرؤيتان تشكلان نموذجاً يحتذى به في ترسيخ مبادئ الاستدامة وتبني ممارسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والإدارية في جوهر نماذج الأعمال المحلية للتوافق مع المعايير العالمية في هذا الشأن.
ويجب على المؤسسات تصميم استراتيجية تدريجية للاستدامة تشمل أهدافاً واضحة وقابلة للقياس كتعزيز القيادة الأخلاقية، مكافحة تغير المناخ، وتعزيز التواصل المجتمعي. تليها خطوة إعلان سياسة رسمية تعكس التزام المؤسسة بالاستدامة، والتي يمكن تحديثها بشكل دوري.
ولضمان نجاح هذه الاستراتيجية، يجب اعتماد آليات قياس ومتابعة دقيقة لأداء الاستدامة، مع الحفاظ على نشاط لجنة الاستدامة لتشجيع الابتكار وتحسين الممارسات باستمرار. كما يعتبر التفاعل مع الخبراء والجمهور وتبادل الخبرات أمراً حيوياً للتطوير المستمر حيث يضمن الشراكة مع الخبراء واعتماد منظور طويل الأمد بناء إرث مستدام يؤثر إيجابياً في الأجيال القادمة مما يساعد المؤسسات على مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وفعالية
ومع تصاعد الوعي بضرورة الاستدامة، تقف الشركات، خاصةً الصغيرة والمتوسطة، على أعتاب فرصة ذهبية لإعادة صياغة مساراتها التجارية بما يتوافق مع المعايير البيئية، الاجتماعية، والإدارية. البداية تكمن في اتخاذ خطوات متواضعة لكن ثابتة ومدروسة، التي بدورها، قادرة على إحداث فارق ملموس ليس فقط على صعيد الشركة، بل أيضاً على المجتمع والبيئة ككل حيث إن التزام الشركات بمسيرة الاستدامة يتطلب رؤية بعيدة المدى وإصراراً لا يلين، لكن العوائد المترتبة على هذا الالتزام تتجاوز بمراحل التحديات المحتملة. الشركات التي تنخرط بعمق في تبني مبادئ الاستدامة لا تحصل على ميزة تنافسية فحسب، بل تسهم بشكل فعال في صوغ مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة للأجيال القادمة.
وختاما فإن السعي نحو الاستدامة لم يعد مجرد خيار إضافي بل أصبح ضرورة حتمية وملحة، تقتضيها مسؤولياتنا تجاه كوكبنا ومجتمعاتنا. بدء هذه الرحلة يمثل خطوة جوهرية نحو ضمان تحقيق تنمية مستدامة وازدهار يعم الجميع، مما يعكس الدور المحوري للشركات في بناء مستقبل مستدام وترك إرث إيجابي يخدم الأجيال القادمة.
مستشار الاستدامة
Pi Strategica / باي سترتيجكا
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك