العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«الأونروا» ودورها التاريخي الإنساني الذي لا ينسى

بقلم: د. أسعد عبدالرحمن

الثلاثاء ٢٠ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

شهادتي‭ ‬بـ«الأونروا‭ ‬‭ ‬وكالة‭ ‬غوث‭ ‬وتشغيل‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‮»‬‭ ‬شهادة‭ ‬تقدير‭ ‬وتثمين‭ ‬لدورها‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ ‬شهادة‭ ‬مجروحة‭! ‬ذلك‭ ‬أنني‭ ‬بامتنان‭ ‬شديد‭ ‬سبق‭ ‬أن‭ ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬‮«‬الغوث‮»‬‭ ‬وجانب‭ ‬‮«‬التشغيل‮»‬‭ ‬فيها‭. ‬ففي‭ ‬السنوات‭ ‬العجاف‭ (‬سنة‭ ‬نكبة‭ ‬1948‭ ‬وما‭ ‬تلاها‭) ‬حظيت‭ ‬عائلتي‭ ‬الممتدة،‭ ‬كوننا‭ ‬من‭ ‬معشر‭ ‬اللاجئين،‭ ‬بـ«بطاقة‭ ‬التموين‮»‬‭ (‬كرت‭ ‬المؤن‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصرفها‭ ‬‮«‬الوكالة‮»‬‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬‮«‬الغوث‮»‬‭. ‬ثم،‭ ‬ومع‭ ‬بلوغي‭ ‬عامي‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ (‬1961‭) ‬استفدت‭ ‬من‭ ‬‮«‬منحة‭ ‬التعليم‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تصرفها‭ ‬‮«‬الوكالة‮»‬‭ ‬للطلبة‭ ‬المتفوقين‭ ‬بين‭ ‬اللاجئين‭ ‬وهكذا‭ ‬التحقت‭ ‬بالجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المستحيل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لي‭ ‬فيها‭ ‬نصيب‭ ‬لولا‭ ‬تلك‭ ‬‮«‬المنحة‮»‬،‭ ‬حيث‭ ‬الأوضاع‭ ‬المالية‭ ‬لوالدّي‭ (‬رحمهما‭ ‬الله‭) ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تؤهلني‭ ‬للدراسة‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الجامعة‭ ‬المتميزة‭ ‬والمكلفة‭ ‬أيضا‭.‬

ولأنها‭ ‬جامعة‭ ‬متميزة،‭ ‬فتح‭ ‬لي‭ ‬تخرجي‭ ‬منها،‭ ‬وعلى‭ ‬الفور،‭ ‬أبواباً‭ ‬عدة‭ ‬للعمل‭ ‬منذ‭ (‬1965‭). ‬ثم‭ ‬شاءت‭ ‬المقادير‭ ‬أن‭ ‬أتولى‭ (‬1997‭) ‬موقع‭ ‬المسؤول‭ ‬الأعلى‭ ‬عن‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬وضمن‭ ‬مهمات‭ ‬متعددة‭ ‬جعلني‭ ‬المسؤول‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬مع‭ (‬الأونروا‭) ‬وبالذات‭ ‬مع‭ ‬كبار‭ ‬مسؤوليها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬‮«‬المفوض‭ ‬العام‮»‬‭ ‬وذلك‭ ‬قبل‭ ‬استقالتي‭ ‬من‭ ‬موقعي‭ ‬ذاك‭ ‬في‭ ‬عام‭ (‬2000‭). ‬وهكذا،‭ ‬يتضح‭ ‬كم‭ ‬هي‭ ‬شهادتي‭ ‬مجروحة‭ ‬عند‭ ‬أي‭ ‬منعطف‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ (‬الأونروا‭). ‬هذا‭: ‬أولاً‭.‬

وثانياً،‭ ‬وفي‭ ‬ظل‭ ‬العدوان‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الحالي‭ ‬على‭ ‬‮«‬قطاع‭ ‬غزة‮»‬،‭ ‬وكذلك‭ ‬ازدياد‭ ‬التفاعل‭ ‬والتضامن‭ ‬وحركة‭ ‬التأييد‭ ‬والدعم‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬فإنه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬دول‭ (‬غربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأخرى‭ ‬تدور‭ ‬في‭ ‬فلكها‭) ‬بتعليق‭ ‬تمويل‭ (‬وكالة‭ ‬الأونروا‭) ‬إلا‭ ‬بهدف‭ ‬سفح‭ ‬دمها‭ ‬وتضييق‭ ‬الخناق‭ ‬والحصار‭ ‬الشامل‭ ‬على‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬،‭ ‬باعتبار‭ (‬الأونروا‭) ‬الشريان‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬يغذي‭ ‬أوساطاً‭ ‬واسعة‭ ‬فيه،‭ ‬أي‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬العدوان‭/ ‬الحرب‭ ‬التي‭ ‬يتعرض‭ ‬لها‭ ‬مليونان‭ ‬وثلث‭ ‬المليون‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجزء‭ ‬الغالي‭ ‬من‭ ‬الوطن،‭ ‬لتصبح‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬أعلنت‭ ‬تعليق‭ ‬التمويل،‭ ‬شريكة‭ ‬بشكل‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬سفح‭ ‬دماء‭ ‬الأهل‭ ‬في‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬التدمير‭ ‬والتجويع‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬الإبادية‭ ‬المستمرة‭ ‬منذ‭ ‬أربعة‭ ‬أشهر‭.‬

هذه‭ ‬‮«‬الوكالة‮»‬‭ ‬الرائدة‭ -‬كما‭ ‬هو‭ ‬معروف‭- ‬هي‭ ‬منظمة‭ ‬حيوية‭. ‬فهي‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬تقديم‭ ‬المساعدات‭ ‬الإنسانية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬التعليم‭ ‬والرعاية‭ ‬الصحية‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬اللاجئين‭ ‬في‭ ‬الأراضي‭ ‬الفلسطينية‭ ‬والدول‭ ‬المجاورة،‭ ‬وتعتمد‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬التمويل‭ ‬الدولي‭ ‬لتقديم‭ ‬خدماتها،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فإن‭ ‬استهدافها‭ ‬يمثل‭ ‬عقابا‭ ‬جماعيا‭ ‬للقطاع‭ ‬الذي‭ ‬تصل‭ ‬نسبة‭ ‬اللاجئين‭ ‬فيه‭ ‬إلى‭ ‬80%،‭ ‬وللاجئي‭ ‬‮«‬الدول‭ ‬المضيفة‮»‬‭ ‬المجاورة‭ ‬أيضاً‭. ‬وعليه،‭ ‬فإن‭ ‬قرار‭ ‬ثمانية‭ ‬عشرة‭ ‬دولة‭ ‬بتعليق‭ ‬تمويلها‭ (‬للأونروا‭) ‬هو‭ ‬بمثابة‭ ‬الدخول‭ ‬في‭ ‬شراكة‭ ‬كاملة‭ ‬مع‭ ‬الدولة‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬قضية‭ ‬تجويع‭ ‬وتقتيل‭ ‬فلسطينيي‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منذ‭ (‬7‭) ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬من‭ ‬نقص‭ ‬حاد‭ ‬في‭ ‬المواد‭ ‬الغذائية‭ ‬والمساعدات‭ ‬الطبية،‭ ‬ناهيك‭ ‬عن‭ ‬وقف‭ ‬العملية‭ ‬التعليمية‭!‬

إن‭ ‬أبرز‭ ‬سبب‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬السياسي‭ (‬وليس‭ ‬المالي‭ ‬فحسب‭) ‬هو‭ ‬التماهي‭ ‬الكامل‭ ‬مع‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والتصديق‭ ‬الأوتوماتيكي‭ ‬المتسرع‭ ‬على‭ ‬اتهامات‭ ‬غير‭ ‬موثقة،‭ ‬دون‭ ‬مراعاة‭ ‬للوضع‭ ‬الإنساني‭ ‬الصعب‭ ‬الذي‭ ‬يمر‭ ‬به‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬هناك‭.‬

وحقاً،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬تجاهل‭ ‬الآثار‭ ‬الكارثية‭ ‬لهذا‭ ‬القرار‭ ‬على‭ ‬حياة‭ ‬المدنيين‭ ‬والأطفال‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وبوضوح‭ ‬ساطع،‭ ‬فإن‭ ‬وقف‭ ‬التمويل‭ ‬يهدف‭ ‬إلى‭ ‬ضرب‭ ‬عصب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وعمودها‭ ‬الفقري،‭ ‬وهي‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وحق‭ ‬العودة‭ ‬والتعويض،‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬مساعي‭ ‬‮«‬التوطين‮»‬‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬المضيفة‭ ‬للاجئين‭ ‬تمهيدا‭ ‬لتصفية‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭.‬

المطلوب‭ ‬الآن‭ ‬صهيونيا‭ ‬هو‭ ‬شطب‭ (‬الوكالة‭) ‬وسجلاتها‭ ‬ووثائقها،‭ ‬علماً‭ ‬بأنها‭ ‬الشاهد‭ ‬التاريخي‭ ‬على‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين،‭ ‬مثلما‭ ‬هي‭ ‬الجهة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬تملك‭ ‬وثائق‭ ‬‮«‬حق‭ ‬العودة‮»‬‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬البطاقات‭ ‬القديمة‭. ‬ولطالما‭ ‬ردّد‭ ‬آباؤنا‭: ‬‮«‬معنا‭ ‬الله‭ ‬ثم‭ ‬كرت‭ ‬المؤن‮»‬‭! ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬الكرت‭ ‬هو‭ ‬البطاقة‭ ‬اليتيمة‭ ‬التي‭ ‬تثبت‭ ‬وجود‭ ‬إنسان‭ ‬فلسطيني‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭. ‬

وبشطب‭ ‬‮«‬الأونروا‮»‬،‭ ‬يتم‭ ‬إلغاء‭ ‬الجهة‭ ‬المرجعية‭ ‬الوحيدة‭ ‬التي‭ ‬لديها‭ ‬وثائق‭ ‬تثبت‭ ‬فلسطينية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭. ‬وما‭ ‬كانت‭ (‬الوكالة‭) ‬لتصمد‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬إلا‭ ‬لأنها‭ ‬تابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وقطع‭ ‬التمويل‭ ‬عنها‭ ‬اليوم‭ ‬هو‭ ‬دعوة‭ ‬صريحة‭ ‬للدول‭ ‬العربية‭ ‬بتحمل‭ ‬تكاليفها‭ ‬فيما‭ ‬سيقتصر‭ ‬دور‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬دعم‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬رغم‭ ‬أنها‭ (‬وكالة‭) ‬أنشئت‭ ‬بقرار‭ ‬دولي‭ ‬ولا‭ ‬مجال‭ ‬لتصفيتها‭ ‬إلا‭ ‬بقرار‭ ‬دولي‭ ‬مماثل،‭ ‬لكن‭ ‬أولاً‭ ‬بعد‭ ‬حل‭ ‬قضية‭ ‬اللاجئين‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬حلا‭ ‬عادلا‭.‬

بل‭ ‬إن‭ ‬الأهمية‭ ‬التاريخية‭ ‬الحيوية‭ ‬للأونروا‭ ‬تزداد‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ (‬1‭) ‬مع‭ ‬تفاقم‭ ‬أوضاع‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬في‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬و«الضفة‮»‬‭ ‬ومخيمات‭ ‬اللجوء‭ ‬كذلك،‭ (‬2‭) ‬ومع‭ ‬ازدياد‭ ‬قدسية‭ ‬‮«‬حق‭ ‬العودة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أعين‭ ‬الكثيرين‭. ‬والحال‭ ‬كذلك،‭ ‬ليس‭ ‬مستغرباً‭ ‬الجهد‭ ‬الصهيوني‭/‬الغربي‭ ‬المتصهين‭ ‬لسفح‭ ‬دمها‭ ‬عبر‭ ‬نزيف‭ ‬‮«‬تعليق‭ ‬التمويل‮»‬‭ ‬الجاري‭ ‬حالياً‭ ‬مترافقاً‭ ‬مع‭ ‬سفح‭ ‬دم‭ ‬الأهل‭ ‬في‭ ‬‮«‬القطاع‮»‬‭ ‬وفي‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬أيضاً،‭ ‬هذا‭ ‬الدم‭ ‬الذي‭ ‬غسل‭ ‬وسيغسل‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬عار‭ ‬كبير‭ ‬لحق‭ ‬بعديد‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭ ‬والغربية،‭ ‬بل‭ ‬بالنظام‭ ‬الدولي‭ ‬قانونيا‭ ‬وأخلاقيا‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا