القراء الأعزاء،
أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي المرئية في اطلاعنا على ما لم تتسع مساحة وقت ومنهجية وسائل الاعلام الرسمية لإظهاره، إذ شاهدنا فيها ذلك التناغم الجميل بين الكائنات الحيّة الحيوانية بجميع أنواعها، فيطالعنا فيديو بعلاقة لطيفة تنضح بالحب والحنان والاحتواء بين كلب أو قطة وبين صغار الفراخ أو البط، ونرى عطفا جميلاً بين كلب وقطة وهكذا، وهو سلوك وشعور مغاير تماماً للصورة الذهنية التي عهدناها (أو لربما غُرست في أذهاننا غرساً) لعلاقة القط بالفأر أو القط بالكلب أو حتى علاقتهم بصغار الكائنات التي تنتهي إلى أن تكون الأخيرة وجبة لذيذة لهم، بينما تشتهر في الآونة الأخيرة قصة بطّة وقطة كورنيش الخبر، وحكاية الرفقة والوئام والود السائد بينهما حتى أصبحت علاقتهما (ترندا).
وأتساءل ما الذي حدث في الكون لتختلف طبيعة العلاقات بين الكائنات الحيّة بخلاف الانسان؟؟ وهل أن الكون والطبيعة قد قررا إعادة ترتيب أبجديات طبيعة الخلق وتكوينه؟، بعد أن تبيّن أن الإنسان ذلك الكائن العاقل الوحيد قد بدأ يفقد انسانيته ومشاعر العطف والرحمة والحنان والحب التي خُلق مفطوراً عليها؟.
وأساس الجملة الأخيرة هو ما نشاهده جميعاً من استمرار تعرض الآمنين من المدنيين في العالم لحرمانهم من حقهم في الحياة كتبعة من تبعات الحروب التي تدور هنا وهناك لأسباب سياسية بحتة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ولعل في مصاب أهل غزة مثالا حياً لذلك، على الرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة قد تم اعتماده لغرض الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، وأن من أهم الحقوق التي كفلها وحماها الإعلان العالمي لحقوق الانسان هو حق الانسان في الحياة الذي يُعد أكثر الحقوق تضرراً من نشوب الحروب.
والحقيقة بأنه لم تخلُ حقبة زمنية من ذلك، ولكن الحروب التقليدية كانت أرحم بكثير على الانسان من الحروب الحديثة، ذلك أن آثارها ما كانت تبرح أرض المعركة وأن أضرارها كانت تطول فرسانها وقادتها وجنودها الذين يخوضونها وقليلاً ما تنال آثارها من المدنيين الآمنين بعيداً في مساكنهم، بينما أسفر التطور التكنولوجي والصناعي للأسلحة وترسانة الحروب والنزاعات المسلحة، عن أضرار تلحق بالمدنيين الآمنين في منازلهم وأحيائهم ومدنهم، وعودة إلى مثال غزّة، حيث الدمار الواقع على أرضها والمشهود من الجميع، وأعداد القتلى التي تتزايد يوماً عن الآخر من المدنيين الذين لا ذنب لهم، ليتم حرمانهم من حقهم في الحياة الذي أكدت عليه المادة (6) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والتي ذهبت في سبيل تعزيزها للحق في الحياة إلى وضع شروط مضيّقة لإمكانية تنفيذ عقوبة الإعدام في حال الحكم بها، بل اتجهت في البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد في عام 1989، إلى إلغاء عقوبة الإعدام من القوانين الوطنية لحماية الحق في الحياة، كما أكدّ تعهد الدول والتزامها بمنع استخدام القوة أو التلويح بها أو الترويج لها أو التهديد بها ضد دولة أخرى، فأصبح على الدول واجباً والتزاماً بمنع الحروب وأعمال القتل وأعمال العنف الجماعي التي يترتب عليها حرمان الأفراد من حقهم في الحياة.
والحديث عن الإنسانية وحقوق الانسان ولاسيما الحق في الحياة، أعني به كل انسان على أرض الله الواسعة، ولا أقصد فيه فئة أو جنسية أو عرقا أو طائفة معينة، فالمقصود به الانسان أينما كان بغض النظر عن جنسيته أو دينه أو أيدولوجيته، إذ اننا جميعنا على هذه الأرض نتشابه في تفاصيل حياتنا، فكل منا له عقله وفكره ومعتقده وله أسرة يحبها ويعيلها وحياة يعيشها ويقاسمها أحبته، ولنا حقوق واحدة وثابتة يجب أن نستوفيها جميعها على قدم المساواة ومن دون تمييز لأي سبب من الأسباب التمييزية التي نعلمها جميعاً، لذا لا تهم جنسية من سيفقد حياته في الحرب، المهم أنه انسان وهبه الله حقه في الحياة ولا يحق لأحد أن يسلبه هذا الحق ولاسيما إن كان ذلك بسبب صراع المال والسلطة، في عالم لم تنصف اتفاقياته الدولية الحقوق التي كفلت لها الحماية في ظل سياسات الكيل بمكيالين، وأن تقف الأمم وقفة واحدة في مواجهة الحروب لوقفها ومنعها والخلاص من ويلاتها.
ولربما أتى الزمن الذي يتعلم فيه الانسان من الحيوانات التي حوله المعنى الحقيقي للإنسانية بما تحمله من مشاعر النُبل والتجرّد والايمان بقواعد الوفرة وبأنه في هذه الأرض متّسع للجميع وكفاية من الخير والرزق، والاشتغال على تعزيز ثقافة التسامح الديني والتعايش السلمي وتقبّل الآخر كما هو بلا ضرر ولا ضرار.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك