عادة عندما نعطي استشارات أو دورات تدريبية في موضوع دراسة الأسواق لرواد الأعمال أو حتى عندما نعمل في التخطيط الاستراتيجي نتحدث عن التحليل الرباعي (سوات SWOT)، ولقد تكلمنا سابقًا عن هذا النوع من التحليل الذي يظهر كما أشرنا سابقًا جوانب القوة والضعف في المؤسسات أو السوق وكذلك جوانب الفرص والتهديدات التي يمكن أن تتعرض لها تلك المؤسسات التي نعمل معها.
ثم نأتي بعد ذلك ونجمع نقاط القوة والضعف تحت مسمى العوامل أو البيئة الداخلية، والفرص والتهديدات تحت مسمى العوامل أو البيئة الخارجية. وبعد ذلك أتى بعض الباحثين بنموذج لتحليل البيئة الخارجية، وهو ما سوف نتحدث عنه اليوم. وهذا التحليل يطلق عليه اسم (بيستل PESTEL)، ما هذه النوعية من التحليل وكيف نستفيد منه في ريادة الأعمال؟
تحليل (بيستل PESTEL)، ما هو؟ وكيف يتم؟
هو أداة استراتيجية كانت تعرف فيما مضى بتحليل (PEST)، هذه الأداة تسمح للمؤسسات – سواء الكبيرة أو الصغيرة – بفهم كيف يمكن لعناصر مختلفة أن تؤثر في أعمالها الآن وفي المستقبل، بمعنى أنه إطار عمل أو أداه تستخدم لتحليل ومراقبة العوامل البيئية الخارجية التي قد يكون لها تأثير في المؤسسات، ويعتبر تحليل (PESTEL) مفيد بشكل كبير عند بدء عمل جديد أو دخول سوق خارجي جديد، وغالبًا ما يتم استخدامه بالتعاون مع أدوات تحليل أخرى مثل تحليل (SWOT).
ومصطلح (PESTEL) وهو اختصار للعوامل الستة التي يمكن أن تؤثر في الأسواق والبيئة الخارجية، إذ ترمز إلى العوامل السياسية (Political)، والعوامل الاقتصادية (Economic)، والعوامل الاجتماعية (Social)، والعوامل التكنولوجية (Technological)، والعوامل البيئية (Environmental)، والعوامل القانونية (Legal). لنتعرف على هذه العوامل من الناحية السوقية.
العوامل السياسية: تتأثر الكثير من المؤسسات بعوامل سياسية، أو عوامل ذات دوافع سياسية. على سبيل المثال، سياسة الحكومة بصورة عامة تجاه العمل التجاري أو إنشاء المشاريع وسياستها بشأن التجارة الخارجية وأسس الاستثمار، ومستوى الاستقرار السياسي، والقيود التجارية وقوانين العمل، التشريعات الضريبية والجمركية، وربما القوانين البيئية، وقوانين حقوق الملكية الفكرية، وكل التشريعات والأنظمة ذات التأثير المباشر وغير المباشر على التجارة الخارجية، إذ إن كل تلك العوامل ذات تأثير في التخطيط الاستراتيجي للمؤسسة. ويمكن ضرب بعض الأمثلة للأسئلة التي يمكن أن تطرح، مثل:
{ ما التغييرات التي حدثت في البيئة السياسية؟
{ كيف يمكن أن تؤثر هذه التغييرات في المؤسسة؟
{ هل تتضمن تلك الأحداث بعض المسرحيات الطويلة أو القصيرة المدى التي يمكن أن تؤثر في المؤسسة؟
{ ما التهديدات السياسية التي يجب رصدها؟
العوامل الاقتصادية: بالنسبة إلى المؤسسات، فإن العوامل الاقتصادية وتقلباتها قد تكون مفيدة للنجاح أو ضارة به. إذ إن العوامل الاقتصادية تعني النمو الصناعي، والتغييرات الموسمية، وتكاليف العمل، والاتّجاهات الاقتصادية، ومعدّلات النمو، وأسعار الصرف، وأسعار الفائدة، ومعدّلات البطالة، والدخل المتاح للمستهلك، والضرائب، والتّضخم، معدلات النمو الاقتصادي، وسياسات البنوك المركزية والسياسات المالية، كل هذه العوامل ذات تأثير بطريقة أو بأخرى في إدارة المشاريع، وربما السؤال العام الذي يجب أن يسأله رائد العمل لنفسه: ما العوامل الاقتصادية التي قد تؤثر في تسعير مؤسستنا وعوائدها وتكاليفها؟ وبعد ذلك يمكن أن يرتب الأسئلة بطريقة أخرى، مثل:
{ ما وضع الاقتصاد الآن؟ كيف يمكن أن يؤثر ذلك في المؤسسة؟
{ تواجه سلسلة التوريد الخاصة بنا أي رياح معاكسة أو رياح خلفية، أليس كذلك؟
{ ما جوانب الاقتصاد المحلي التي يمكن أن تكون ضارة بمؤسستنا؟
العوامل الاجتماعية: ومن الطبيعي جدًا أن تؤثر المواقف والاتجاهات والسلوكيات الاجتماعية في الأعمال والمشاريع إذ إنها ذات تأثير في العملاء والتسويق وما إلى ذلك، فعلى سبيل المثال، يمكن أن تؤثر المواقف والمعتقدات التي تخصّ المال، وخدمة العملاء، والعمل، والترفيه، والاتجاهات في أنماط الحياة، والنمو السكاني، والخصائص السكانية، وحجم الأسرة، والهجرة بشكلٍ كبير في أي عمل. وكذلك المعايير والعادات والقيم للسكان المستهدفين، وهذا يشمل الاتجاهات السكانية مثل معدل النمو السكاني، التوزيع العمري، توزيع الدخل، الوظائف، الوعي الصحي، نمط الحياة والحواجز الثقافية، والتغيرات في احتياجات المستهلكين والظروف الاجتماعية، والتغيرات في معدلات الولادة وشيخوخة السكان، كل ذلك يؤثر في أنماط الحياة وبالتالي العمل والاستهلاك وما إلى ذلك. لذلك فإن على رائد العمل وصاحب المشروع أن يسأل نفسه: كيف تؤثر الاتجاهات والقيم الديموغرافية لعملائنا والعملاء المحتملين في عادات شرائهم؟ بالإضافة إلى بعض الأسئلة الأخرى، مثل:
{ هل هناك أي تغيرات في عدد السكان أو التركيبة السكانية في السوق؟
{ كيف يمكننا مساعدتهم أكثر؟ ما الآثار التي ستحدثها العوامل الاجتماعية المتزايدة على مؤسستنا؟
{ ما التغييرات التي لوحظت في مشاعر المستهلك أو سلوكه أو آرائه؟
العوامل التكنولوجية (التقنية): غدا استخدام التكنولوجيا اليوم من الضروريات التي لا مناص منها، فنحن اليوم نستخدم الحاسوب وأجهزة الهاتف الذكية لإنجاز كل أعمالنا من خلال المنصات الإلكترونية، فأصبح من السهل الوصول إلى المستهلك عبر هذه التقنيات، وهذه التقنيات أصبحت ذات تأثير مباشر على إدارة الأعمال، مثل: التشريعات المتعلقة بالتكنولوجيا، وإمكانية وصول المستهلك إلى التكنولوجيا، والبحث والتطوير، والبنية التحتية للتكنولوجيا والاتصالات في معظم المؤسسات، وكذلك تؤثر هذه العوامل في قرارات الدخول في صناعات معينة أو عدم دخولها، أو إنتاج منتج جديد أو عدم إنتاجه، أو الاستعانة بمصادر خارجية لإنتاج المنتج. ومن خلال مواكبة رائد العمل للتطور التقني قد تكون قادرًا على مواكبة التطورات التكنولوجية في الاتصالات، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والابتكارات في الصناعة، وكذلك تقنية المعلومات والاتصالات وتأثيرها في الأعمال. ليس ذلك فحسب وإنما أصبح المستهلك يميل إلى شراء البضائع عبر الإنترنت إذ يجدها أسهل. لذلك من المهم أن يسأل رائد العمل نفسه هذا السؤال: كيف يمكن أن تؤثّر التكنولوجيا الحالية أو المستقبلية في نمو أعماله ونجاحاته؟ ثم يعيد ترتيب الأسئلة بطريقة أخرى، مثل:
{ كيف تغيرت التكنولوجيا المتاحة؟ هل هذه فرصة أم خطر؟
{ هل تحقق أقصى استفادة من التكنولوجيا المتوفرة الآن؟
{ ما مدى تأثير التكنولوجيا الجديدة على مؤسستك؟
العوامل البيئية: ربما بسبب التلوث البيئي وتغير المناخ وبقية القضايا البيئية، أصبحت العوامل البيئية ذات أهمية إذ إنها سببت ندرة وضغطا متزايدا على المواد الخام، وكذلك فإن أهداف التنمية المستدامة ركزت بصورة كبيرة على قضايا البيئة والمناخ، كل تلك العوامل كان لها تأثير مباشر في الإنتاج والاستهلاك، فقامت الدول بإصدار القوانين البيئية التي يجب اتباعها في العمل التجاري والزراعي والحقلي، مما أدى إلى التفكير فيما يعرف بالاستدامة والممارسات البيئية، وهذا يعني زيادة الوعي البيئي لدى المستهلكين والمؤسسات فيما يتعلق بالمسؤولية الاجتماعية والبيئية لدى المؤسسات والأفراد. لذلك أصبح على رائد العمل أن يسأل نفسه بصورة مستمرة: كيف يمكن للتغييرات البيئية أن تساعد قدرة مؤسستنا على العمل أو هل تعيقها؟ ثم يبدأ الرائد في تفنيد الأسئلة كالتالي:
{ ما العوامل البيئية التي تؤثر فينا الآن؟
{ ما العوامل البيئية التي قد تؤثر فينا في المستقبل؟
{ ما العوامل البيئية التي نحتاج إلى تتبعها؟
العوامل القانونية: على الرغم من أن العوامل القانونية قد تتداخل بعض الشيء مع بقية العوامل الأخرى بطريقة أو بأخرى، إلا أنها تشمل القوانين الأكثر تحديدًا مثل قوانين التمييز، قوانين مكافحة الاحتكار، قوانين العمل، قوانين حماية المستهلك، قوانين الملكية الفكرية، قوانين الصحة والسلامة، ومعايير السلامة، والقوانين واللوائح المحلية والدولية، والقوانين الضريبية والتشريعات المالية، فمن الجدير بالذكر أن كل تلك القوانين والأنظمة واللوائح تؤثر بطريقة أو بأخرى في كيفية عمل الصناعات والمشاريع في الدولة. ويجب أن يسأل رائد العمل نفسه: كيف يمكن أن تؤثّر الأُطُر القانونية الحالية أو المستقبلية في قدرة مؤسستنا على العمل؟ ثم يعيد التساؤل بطريقة أخرى، مثل:
{ ما التغييرات التشريعية الدولية والوطنية والمحلية التي تؤثر في المؤسسة؟
{ كيف ستؤثر هذه التغييرات القانونية في المؤسسة؟
{ ما الضغوط القانونية المحتملة التي قد تظهر؟
عمومًا، وعلى مر السنين، أضاف الناس إلى تحليل (PESTEL) بعض العوامل الإضافية؛ مثل العوامل الديموجرافية (Demographics)، العوامل الثقافية (Intercultural)، والعوامل الأخلاقية (Ethical)، وربما غيرها، وهذا أدى إلى ظهور مسميات مختلفة مثل: (PESTELE) و(STEEPLEF) و(SLEPIT) و(DESTEP)، ولسنا معنيين هنا بكل هذه العوامل، فيكفينا ما تحدثنا عنه.
وقبل أن نختم نقول إنه على رائد العمل أن يفهم أن هذه الأداء مفيدة بطريقة ما في تحديد الميزة التنافسية التي يتمتع بها. ولكن لا ينبغي أن يعتقد أنها الأداء السحرية التي ستحلل له كل شيء، إذ إن النتيجة الوحيدة التي سيحصل عليها من خلال هذا الأداء هي مجرد نظرة عامة على بيئة المجال الذي تعمل فيه المؤسسة، وكذلك فهم البيئة التجارية والسوق وتحديد الفرص والتهديدات المحتملة التي يمكن أن تواجهها المؤسسة، وتطوير الاستراتيجيات الخاصة بها، وما إلى ذلك.
Zkhunji@hotmail.com
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك