تحتفل الشعوب الإسلامية بمعجزة الإسراء والمعراج التي كرم الله تعالى بها خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وسلم) عندما قلاه أهل الأرض، فاحتفل به أهل السموات والأرض، وأقيم له مهرجان عظيم حضره الرسل والأنبياء من لدن آدم إلى عيسى (عليهم الصلاة والسلام )، وتحقق لرسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) ما لم يتحقق لغيره من الأنبياء والرسل الكرام، حيث احتفى به إخوانه وآباؤه منهم، ولما حان وقت الصلاة قدموه ليصلي بهم إمامًا، وفِي هذا إشارة واضحة الدلالة على تفرده بالإمامة لكل هؤلاء الأنبياء، ولقد فرحوا به، واستبشروا ببلوغ دعوته ما بلغت، ورأوا من شواهد الحق ما اطمأنت إليه قلوبهم، وارتاحت إليه نفوسهم، وها هو اللقاء يتجدد، وبتجدد اللقاء تهفو القلوب إلى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين - المسجد الأقصى- الذي أوكل الله تعالى حفظه وصيانته إلى أمة الإسلام، التي اختارها الله من بين الأمم، وصنعها على عينه حيث ختم بها موكب الأمم، وبرسالة الإسلام ختمت بها الرسالات، وبنبي الرحمة ختم به موكب الرسل والأنبياء، وجعلها الحق سبحانه وتعالى الشهيدة على الأمم يوم القيامة، حافظة للعهود والمواثيق، فهي الأمة الوحيدة التي أخرجت للناس تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، والتي وصفها ربها تعالى بالخيرية، قال سبحانه وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله…) (آل عمران / 110) ومن لوازم هذه الخيرية وأسسها المتينة هي أنها أمة وسطا، قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا..) البقرة / 143.
إذًا، فسورة الإسراء هي أقدًم وثيقة يمتلكها المسلمون، وهي وثيقة خالدة وخالصة لا تشاركهم فيها أمة من الأمم، ومهما طال الزمان، ومهما تبدلت الأحوال، وتعاقبت الأمم على الزعم كذبًا وبهتانًا على أن فلسطين تابعة لهذه الأمة أو لتلك، فإن سورة الإسراء ستظل شاهدة على ملكية المسلمين لها، وأنهم مسؤولون عن استعادتها من أيدي من اغتصبها، وأنهم إن لم يفعلوا ذلك، لم يعملوا على إعادة التوازن إلى الميزان الذي ربطه الحق سبحانه وتعالى بالسموات والأرض، يقول سبحانه وتعالى: (والسماء رفعها ووضع الميزان (7) ألَّا تطغوا في الميزان (8) وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان (9)) سورة الرحمن.
إن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) قد ألزمهم بالعهود والمواثيق على الحفاظ على المسجد الأقصى، وما حوله من الأراضي المباركة، وهو سائلهم يوم القيامة عنها حفظوا أم ضيعوا، فليستعد القادة والرؤساء للإجابة عن هذا السؤال الصعب والحرج بعد أن يَسَّر الحق سبحانه لهم أسباب القوة والمنعة، وبما أغدق عليهم من ثروات، ومعلوم أن الله تعالى إذًا أعطى حاسب وسأل، وإذا سلب ما وهب أسقط ما وجب من التكاليف، ونعوذ بالله تعالى أن تكون حال الأمة الإسلامية هذا الحال يوم القيامة.
إن المتدبر لسورة الإسراء، ولحكمة توجه المسلمين إلى المسجد الأقصى في صلاتهم قبل أن يؤمروا بالتوجه إلى المسجد الحرام سوف يجد أن الحكمة من وراء ذلك هي إثبات ملكية المسجد الأقصى للمسلمين وضمه إلى مقدساتهم وهي: المسجد الحرام في مكة المكرمة، ومسجد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) في المدينة المنورة، ليصبح المسجد الأقصى أولى القبلتين، وثالث الحرمين الشريفين التي لا تشد الرحال إلا لها كما ورد في الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه.
ولقد تعرض المسجد المبارك إلى جولات من الاغتصاب على أيدي الطغاة المستبدين، كما قام المسلمون بتحريره من أيدي هؤلاء الغزاة، فقد تسلم مفاتيحه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) في عهده المبارك، ثم حرره القائد المظفر الصالح صلاح الدين الأيوبي (رحمه الله تعالى) ولقد آن للمسلمين أن يتقربوا إلى الله تعالى بتحريره من أيدي الغاصبين، ووقف شلال الدم الذي يتدفق من الشهداء الأبرار الذين لا يزالون يقدمون القرابين، لتحريره، وإعادة تعميره بالصلاة فيه، ورفع أصوات المؤذنين لتعلوا في سماوات بيت المقدس وما حوله من أراض مباركة، ومآذن تنشر الأمن والأمان في ربوعه المباركة.
إن المسجد الأقصى ليس مسجدًا عاديا، بل إن استعادته من أيدي الصهاينة القتلة علامة من علامات الساعة، وأن القيامة لن تقوم إلا وهو في أيدي المسلمين يتقربون فيه بالصلاة والدعاء، فمن يكون له هذا الشرف العظيم؟!
إن الجرح الغائر في صدورنا سوف يظل ينزف دمًا حتى تجف العروق من الدماء، ويلوح في الأفق نور الضياء، وسوف تتلألأ الأنوار، ويعلو صوت المؤذن يدعو الناس إلى الحق المبين، وسوف تتردد أصوت المؤذنين يدعون الناس إلى الصلاة، وتوحيد الخالق سبحانه وتعالى في الصلوات الخمس المفروضة على المسلمين في ليلهم ونهارهم، وسوف تتبدد ظلمات القهر والاستبداد، وتشع أنوار الحق والتوحيد بين جنبات المسجد الأقصى والأرض المقدسة من حوله.
إن الأمة الإسلامية هي الأمة التي تقوم عليها القيامة، وهي الأمة التي وعدها الله تعالى بالنصر والتمكين لأن الله تعالى وعدها بذلك، فقال سبحانه وتعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) (سورة التوبة) ولهذا رأينا كيف انتشر الإسلام هذا الانتشار العظيم رغم سوء أحوال أمته، وتخلفهم عن ركب الحضارة، والله تعالى قد حباهم بدين كامل ونعمة تامة، وهو وفر لهم أسباب المنعة والقوة والتمكين، ولقد تحقق للمسلمين كل هذا بسبب أن الإسلام لا ينتشر بجهود المسلًمين، بل هو ينتشر بالقوة الذاتية فيه.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك