الاحتفال بذكرى ميثاق العمل الوطني، في عصر تتنوع وتشتد فيه التحديات الإقليمية والعالمية له معان كثيرة وآثار عديدة، تنطلق مما يمثله الميثاق من قوة حافزة للصمود والمواجهة، فقد كان ولم يزل يمثل انطلاق لمرحلة مميزة من مراحل بناء الدولة الحديثة في مملكة البحرين اقترنت بخيار وقرار شعبي حاسم بنتائجه ومضامينه، فمن حيث النتائج صوت للميثاق 98.4% من أصل 90% من الذين شاركوا في الاستفتاء ممن يحق لهم التصويت من شعب البحرين، وكان ذلك بمثابة إجماع عام وتجديد للعهد والمبايعة لجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، ومنهجه الوطني في ترصين وحدة البلاد وتعزيز أمنها، وفي استراتيجيته التنموية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ومن حيث المضمون يمثل حقبة جديدة من رسوخ الوحدة الوطنية والاستقرار السياسي والأمني للبلاد وبدء مرحلة جديدة من الانفتاح الخارجي والتواصل الحضاري مع الأمم والشعوب، فهو قاعدة البنية والهيكلية السياسية والاقتصادية اللاحقة التي شهدتها البلاد، وهو خطوة متقدمة في مسيرة الإجماع السياسي على نهج القيادة وفلسفتها في الحكم ومرئياتها في تنظيم الدولة، واستفتاء وطني قل نظيره على مشروعيتها التاريخية وضرورتها الوطنية لاستقرار المملكة وأمنها وتطورها ونهضتها ورقي شعبها، وهو تعبير عن تلاحم الشعب والقيادة في بناء الوطن على أسس متينة وراسخة من دون تمييز أو إقصاء، لذا فإنّ احتفالنا في الرابع عشر من فبراير في كل عام بذكرى إعلان ميثاق العمل الوطني يعكس صدق إيماننا بمبادئ الميثاق وسعينا لتجسيد مضامينه وفق معايير ثابتة تقوم على مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، فهو مرجعية وطنية خالدة لا يمكن القفز فوقها ولا يمكن تجاهلها، حيث يُعد حجر الأساس للدولة العصرية وقاعدتها المؤسسية ونظامها الدستوري وخيارها الديمقراطي الذي يعلي من شأن المواطن باعتباره غاية النهضة ووسيلتها، المستند إلى العدل والشورى وضمان حقوق الإنسان، في دولة المؤسسات والقانون التي تزهو بالأمن والاستقرار والرخاء والنزاهة وتكافؤ الفرص، توفر لشعبها مقومات الانطلاق والنهوض والتقدم ليواكب ما يشهده العالم من تطورات في ميادين العلم والتعليم والتنمية والتقنية والبناء، وليتفاعل مع العالم من موقع متكافئ في الثقافة والوعي والإدراك والقدرة على التعامل مع معطيات العصر وتحدياته، وتحسين مستوى الخدمات، وتعظيم تنافسية الاقتصاد الوطني، وتفعيل أدوات الرقابة المالية والإدارية والشعبية فضلا عن البرلمانية، وزيادة الشفافية والإفصاح في عمل إدارات الدولة.
وقد تمكنت المملكة بعون الله وبحكمة وصبر جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى، وقراءة جلالته الصحيحة لمعطيات الحاضر وصياغته الرشيدة لمتطلبات المستقبل من تحقيق نجاحات باهرة على خطى الميثاق وبوحي منه وتجسيد للالتزام الواعي بمبادئه، ذلك أن روح ومبادئ ميثاق العمل الوطني متنامية ومتواصلة ومتجددة في مرئيات وتوجيهات القيادة، وتنامي المنجزات وتطور الخطط والبرامج النهضوية وتنمية العدالة والفصل بين السلطات. كما أن الاحتفال بالميثاق في ظل التحديات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية الوطنية والإقليمية والعالمية الراهنة يدفع باتجاه المزيد من اللحمة الوطنية والتكافل والتكامل والاتحاد الخليجي والتعاون العربي والإسلامي. فعلى الصعيد الوطني ينبغي أن نقرأ الأحداث برؤية تنطلق من التزامنا الثابت بميثاق العمل الوطني الذي يمثل صمام الأمان لاستقرار مملكتنا العزيزة، وندعم بقوة السياسات الأمنية لمملكتنا ونعزز التحسب لمواجهة احتمالات الإرهاب والعدوان والتخريب المنظم داخليا أو خارجيا، وأيًّا كان مصدره، ونكون العين الساهرة لحماية أمننا واستقرارنا ومنجزاتنا التنموية، وأن ندرك أن أمننا وتنميتنا ومستقبل شعبنا أولوية لا تدانيها أولوية أخرى، وعلينا أن نستذكر مقولة جلالة الملك المعظم في كلمته السامية بذكرى الميثاق عام 2019م «أن الميثاق جاء معبراً عن الإرادة الصلبة والقرار الحر لشعبنا الوفي في تشكيل مستقبل الوطن واستمرار نهضته»، لذا لا بد من أن يكون مستقبل الوطن واستمرار نهضته هدفنا الأول، ومحط أنظارنا في كل قرار نتخذه، لا بل في كل تصريح أو تلميح نطلقه.
وعلى صعيد دول مجلس التعاون الخليجي ينبغي أن ندرك المصير المشترك لنا، وبالتالي أن نقف موحدين في مواجهة التحديات العاتية التي تعصف بالمنطقة والعالم.
وإزاء هذه التحديات لا بد أن نستحضر روح ميثاق العمل الوطني لتلهمنا المزيد من الوحدة والتوثب والتطلع إلى المستقبل المشرق بعون الله وحكمة ورشد قيادتنا، ومملكتنا الحبيبة أكثر استقرارا وتماسكا وأعز شأنا وأعظم تطورا.
أجمل التهاني وأسمى التبريكات لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المعظم، ولصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء الموقر، ولشعبنا الوفي المعطاء، وكل عام والبحرين تتقدم نحو الغد الأفضل، خليفية خليجية عربية مسلمة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك