رحلة الكفاح الفلسطيني لم تعتمد فقط على الأوضاع الداخلية ولا على حسابات أو أخطاء الفصائل الفلسطينية ولا على الثمن الذي دفعه الشعب الفلسطيني من دماء أبنائه لنَيْل استقلاله، إنما أيضًا كان للمتغير الخارجي تأثير كبير ومباشر على القضية الفلسطينية منذ وعد بلفور حتى العدوان الإسرائيلي على غزة.
والمؤكد أن هناك فارقًا كبيرًا بين خبرة منظمة التحرير الفلسطينية في التعامل مع العالم الخارجي وبين خبرة فصائل المقاومة المسلحة، وعلى رأسها حركة حماس، فالأولى أثرت وتأثرت بالعالم الخارجي وتفاعلت معه، حتى وهي مختلفة مع أقطابها الكبرى (أمريكا أساسا)، في حين أن الثانية انكفأت على نفسها، ولم تقدم خطابًا يؤثر في الخارج، واعتمدت أساسًا على صمودها أمام آلة الحرب الإسرائيلية وعمليات المقاومة المسلحة.
ورغم أن العمليات الفدائية التي نفذتها منظمة التحرير في الماضي صنفها العالم الغربي وإسرائيل بالإرهابية، فإنها نجحت في أن تحصل على دعم أطراف خارجية مثل الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية وقتها، ودعمتها تجارب التحرر الوطني في العالم العربي ودول العالم الثالث وأيضًا تيارات أوروبية يسارية.
وقد تبنّت منظمة التحرير الفلسطينية مشروع الدولة العلمانية الواحدة في فلسطين التاريخية، التي يعيش عليها المسلمون والمسيحيون واليهود، مدعومة من خطاب التحرر الوطني العربي والعالمي، ولم تقل مطلقًا بإلقاء اليهود في البحر، كما حاولت الترويج لذلك الدعاية الصهيونية المضللة وخاصة في الغرب، إلا أن هذا المشروع وُصف من جانب أمريكا بأنه متطرف ومُعادٍ لليهود، رغم أنه كان طرحًا مدنيًّا، ولم يكن مشروع إقصاء ديني ولا عرقي، ونال قبولًا في أوساط خارجية كثيرة.
وقد أُعيد طرح سؤال التفاعل الفلسطيني مع العالم الخارجي عقب عملية 7 أكتوبر، وخاصة بعد أن وقف الجميع، بمَن فيهم المختلفون مع حماس والرافضون لعملية 7 أكتوبر، مصدومين من هول ما جرى في غزة من جرائم إبادة وقتل متعمد للمدنيين والأطفال، في مشهد لم تعرفه أشد حروب العالم بربرية وقسوة، وكان التضامن العربي الإسلامي العالمي مع شعب غزة كبيرًا، ولأول مرة، نجد هناك ضميرًا إنسانيًّا عالميًّا عابرًا للحدود والثقافات، ويطالب بوقف فوري لإطلاق النار، وجاءت خطوة جنوب إفريقيا لتعزز من دور العالم الخارجي في معادلة اتهام إسرائيل بجريمة شن حرب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني ومحاولة ردعها عن ارتكاب المزيد من المجازر اليومية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في غزة.
ورغم كل التحولات الكبرى في الرأي العام العالمي، فإن واقع فصائل المقاومة وخطابها السياسي يقول إنه لم يستطع أن يؤثر ويتأثر بالخطاب الإنساني والقانوني والحقوقي العالمي الذي يدعم فلسطين، وأن الأمر المؤكد أنه لا يمكن أن تنتصر المقاومة الفلسطينية إلا إذا استطاعت أن تقدم نموذجًا للصمود الداخلي وتحافظ على حاضنتها الشعبية، وهو واقع موجود وملموس بالفعل، وأيضًا أن تتفاعل وتؤثر كما فعلت كل تجارب التحرر الوطني مع العالم الخارجي أو على الأقل التنسيق والتواصل مع أصوات الضمير والرأي العام العالمي والنخب البديلة لمنظومات الحكم الاستعمارية المهيمنة في الغرب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك