ثمة دوافع لدى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لإطالة أمد الحرب التي يشنها الكبان الصهيوني بلا هوادة على قطاع غزة، وهي حرب مدفوعة بالانتقام والثأر لمكانة إسرائيل التي اهتزت بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي.
الموضوع لم يكن يتعلق فقط بشن حرب انتقامية يدمر فيها الاحتلال كل ما في طريقه بغزة، إنما يرتبط بمؤامرة لتصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير كل الفلسطينيين وإفراغ غزة من مخزونها السكاني الذي يشكل رأس الحربة في مواجهة المخططات الصهيونية.
أربعة أشهر على الحرب وإسرائيل لم تتمكن إلى اللحظة من تحقيق أهدافها بالقضاء على حركة حماس، ويجري الحديث في هذه الأيام عن استعداد جيش الاحتلال لتوسيع عدوانه على جنوب القطاع باتجاه مدينة رفح المأهولة عن بكرة أبيها بالمواطنين.
رفح المدينة المجاورة لخان يونس وآخر المحافظات الجنوبية باتجاه الحدود مع مصر، يسكنها حوالي 270 ألف نسمة على أبعد تقدير، لكن بسبب النزوح السكاني من الشمال ووسط القطاع، هناك أكثر من مليون و400 ألف فلسطيني يقيمون فيها.
منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع، سعى الاحتلال إلى نشر إخطارات بمغادرة أهالي شمال ووسط القطاع باتجاه دير البلح والمغازي والمناطق الجنوبية، ومن ثم انتقل إلى مرحلة أخرى وصل فيها إلى تلك المناطق، بالإضافة إلى محطته الحالية خان يونس.
ما الذي يدفع بنيامين نتنياهو للإيعاز للقيادة العسكرية بتوسيع العدوان باتجاه رفح، وهل ذلك يخدم بالفعل توجهاته لإطالة أمد الحرب؟ يدرك نتنياهو أن وقف الحرب أو الوصول إلى تهدئة مؤقتة سيعني نهاية حياته السياسية، ولذلك يُفضّل الاعتراض على أي وساطات للتهدئة باتجاه شراء وقت يمكنه من تحقيق الحد الأدنى من الأهداف التي وضعت لغزة.
إذا تمكن نتنياهو من الوصول إلى بعض المحتجزين الإسرائيليين لدى حماس، أو تآكلت قدرة الأخيرة على التأثير العسكري، حينذاك ستكون بيد نتنياهو أوراق قوة ربما تساعده على البقاء في السلطة أو الخروج الآمن منها دون أي ملاحقات قضائية.
كذلك يأتي إعلان التلويح بتوسيع العدوان على رفح للضغط على حماس حتى تخفف اشتراطاتها بشأن موقفها من التهدئة مع الاحتلال الإسرائيلي، وحتى يقال، إن إسرائيل ومن خلفها نتنياهو متمسكون بمواقفهم ولن يرضخوا لأي ضغوط سواء من حماس أو الوسطاء الدوليين.
من غير المستبعد أن يلجأ الاحتلال إلى تكثيف العدوان على مدينة رفح بعد تمهيد القصف الحربي، وهو إما أن يدخل مناطق محددة بعيدة عن الكثافة السكانية، أو يدفع السكان إلى خاصرة رفح الغربية باتجاه البحر من أقصى الجنوب إلى خان يونس، أو أن لديه خيارا آخر.
هذا الخيار قد يفضي إلى إعادة تدوير عملية النزوح بحيث يضغط الاحتلال على السكان لمغادرة رفح باتجاه شمال قطاع غزة، ومن المحتمل أن يدقق في جميع النازحين من رفح إلى شمال القطاع عبر بوابة عبور أمنية.
الخطاب الأمريكي تجاه نية إسرائيل توسيع عدوانها على رفح مائع إلى حد كبير، وهو يعطيها الضوء الأخضر للهجوم بشرط أن يكون محسوباً ودقيقاً ويتجنب خلاله الاحتلال استهداف المواطنين العزل. البيت الأبيض قال، إنه لن يدعم ولا يؤيد شن هجوم على رفح، ويفهم من هذا الخطاب أن الخيار متروك للقيادة السياسية في إسرائيل لاتخاذ القرار المناسب وتفهم التخوفات الأمريكية.
الجميع يتذكر حين دعت الولايات المتحدة إسرائيل إلى تجنب استهداف المدنيين الفلسطينيين في المرحلة الثانية التي تركزت على وسط وجنوب غزة، والنتيجة أن كل الدعوات الأمريكية طارت مع الرياح وواصل الاحتلال ارتكاب المجازر تلو الأخرى.
رفح في الأساس تعاني من التكدس السكاني ونقص المواد التموينية والصحية، وثمة الكثير من الأمراض المعدية والأوبئة التي تفتك بحياة الناس في ظل انتشار المكاره الصحية، وإذا لم يكن هناك تحرك عالمي وعربي سريع لوقف العدوان الإسرائيلي على رفح فقد نكون أمام كارثة إنسانية أصعب من الكوارث التي شاهدناه خلال فترة الحرب هذه.
لا يكفي صوت الأمم المتحدة وأمينها العام أنطونيو جوتيريش للتحذير بشأن أي هجوم إسرائيلي على رفح وتضخيم معاناة السكان هناك، إذ يجب على الدول العربية والأجنبية أن تأخذ هذه التحذيرات على محمل الجد، وخصوصاً أن حوالي ثلثي الفلسطينيين في القطاع يسكنون رفح.
الفلسطينيون في غزة يتعرضون لأبشع أنواع القتل وسياسات التدمير والظلم ويحاربون في حريتهم وأمنهم بكل مستوياته وفي مأكلهم ومشربهم، والطامة الكبرى أن الاحتلال يواصل عدوانه ولا هناك من حسيب ورقيب والشكوى لغير الله مذلة.
{ كاتب من فلسطين
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك