العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

الدبلوماسية الأمريكية بين سذاجة العرض وبشاعة التطبيق

بقلم: د. أحمد رفيق عوض

الاثنين ١٢ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

يدهشك‭ ‬وزير‭ ‬خارجية‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭ ‬أنتوني‭ ‬بلينكن‭ ‬وهو‭ ‬يربط‭ ‬الأحداث‭ ‬ببعضها‭ ‬ليخرج‭ ‬باستنتاج‭ ‬عجيب‭ ‬غريب،‭ ‬يدهشك‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬الأمريكي‭ ‬المسطح‭ ‬والساذج،‭ ‬الراغب‭ ‬دوما‭ ‬بالاختزال‭ ‬والاختصار‭ ‬والقفز‭ ‬على‭ ‬التفاصيل‭ ‬والخلفيات‭ ‬والصورة‭ ‬المركبة،‭ ‬ليبرر‭ ‬مصالحه‭ ‬وسياساته‭ ‬وأهدافه،‭ ‬سهولة‭ ‬العرض‭ ‬هنا‭ ‬تخفي‭ ‬بشاعة‭ ‬المضمون،‭ ‬يدهشك‭ ‬هذا‭ ‬العقل‭ ‬العملي‭ ‬والقريب‭ ‬والقافز‭ ‬أبدا‭ ‬إلى‭ ‬مصالحه‭ ‬وأهدافه‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬احترام‭ ‬الآخرين‭ ‬أو‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬مصالحهم‭ ‬أو‭ ‬طموحاتهم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬قد‭ ‬يسبب‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬إشعال‭ ‬للحرائق‭.‬

فالدبلوماسية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬بلينكين‭ ‬تتميز‭ ‬بسطحيتها‭ ‬الشديدة‭ ‬واختزالاتها‭ ‬المضحكة‭ ‬واستنتاجاتها‭ ‬الغبية،‭ ‬معتمدا‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬طبعا‭ ‬على‭ ‬القوة‭ ‬والبلطجة‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬هذه‭ ‬السطحية‭ ‬على‭ ‬الجميع،‭ ‬تماما‭ ‬كالعملاق‭ ‬القوي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬غافلا‭ ‬عن‭ ‬وجود‭ ‬نقطة‭ ‬ضعف‭ ‬فيه‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تقوده‭ ‬إلى‭ ‬الفناء،‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬القصص‭ ‬القديمة‭ ‬اكتشفت‭ ‬هذا‭ ‬التناقض‭ ‬المذهل‭ ‬أو‭ ‬السر‭ ‬الكامن‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬العمالقة‭ ‬الأقوياء‭ ‬هم‭ ‬من‭ ‬السطحية‭ ‬والسذاجة‭ ‬بمكان‭ ‬إلى‭ ‬درجة‭ ‬أنهم‭ ‬يتهالكون‭ ‬بسبب‭ ‬غفلتهم‭ ‬عن‭ ‬نقاط‭ ‬ضعفهم‭ ‬ونقصهم،‭ ‬العملاق‭ ‬الأمريكي‭ ‬وبسبب‭ ‬عنجهيته‭ ‬وغطرسته‭ ‬وعدم‭ ‬انتباهه‭ ‬يقود‭ ‬دبلوماسية‭ ‬في‭ ‬منطقتنا‭ ‬تخدم‭ ‬مصالحه‭ ‬الاستعمارية‭ ‬بالدرجة‭ ‬الأولى،‭ ‬وهي‭ ‬دبلوماسية‭ ‬أنانية‭ ‬غرائزية،‭ ‬وسهلة‭ ‬أيضا‭ ‬وتقوم‭ ‬على‭ ‬الاتي‭ :‬

أولا‭: ‬دعم‭ ‬إسرائيل‭ ‬والانحياز‭ ‬لها‭ ‬وتوفير‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يلزم‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ترسيخ‭ ‬احتلالها‭ ‬وعدوانها‭ ‬وتفوقها‭ ‬ودمجها‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬دون‭ ‬تقديم‭ ‬استحقاقات‭ ‬لكل‭ ‬ذلك،‭ ‬وما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬أمريكا‭ ‬لإدامة‭ ‬هذا‭ ‬الاحتلال‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬إضعاف‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإسلامي‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬والتلويح‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬بتسوية‭ ‬سياسية‭ ‬لا‭ ‬تتحقق‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬ثانية‭ .‬

ثانيا‭: ‬إعلان‭ ‬عدم‭ ‬رغبة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بتوسع‭ ‬الصراع‭ ‬ليس‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تقديم‭ ‬حلول‭ ‬سياسية‭ ‬حقيقية‭ ‬أو‭ ‬فتح‭ ‬مسارات‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬إقناع‭ ‬الأطراف‭ ‬جميعا،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬القوة‭ ‬وسياسة‭ ‬الاستعراض‭ ‬والاستقواء،‭ ‬أمريكا‭ ‬ليست‭ ‬صادقة‭ ‬عندما‭ ‬تعلن‭ ‬عدم‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬توسيع‭ ‬الصراع‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬ذلك‭ ‬فهي‭ ‬تكثف‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وترفض‭ ‬الاعتراف‭ ‬بدولتهم‭ ‬أو‭ ‬حقوقهم،‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬تفعله‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬تسهل‭ ‬لإسرائيل‭ ‬أفعالها‭ ‬وتعطيها‭ ‬الوقت‭ ‬والتبرير‭ ‬لإنهاء‭ ‬أغراضها‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تخفى‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬ضد‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ .‬

ثالثا‭: ‬سياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬تخفيض‭ ‬حدة‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وزيادة‭ ‬المساعدات‭ ‬إليها‭ ‬هي‭ ‬سياسة‭ ‬بالغة‭ ‬النفاق‭ ‬وقمة‭ ‬الاستهتار‭ ‬بشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬والقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والإنساني‭ ‬أيضا،‭ ‬وتعارض‭ ‬الصورة‭ ‬التي‭ ‬تحب‭ ‬أمريكا‭ ‬أن‭ ‬تبدو‭ ‬بها‭ ‬أمام‭ ‬العالم،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬تقول‭ ‬عمليا‭ ‬إن‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬قتل‭ ‬الناس‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬إطعامهم،‭ ‬والمشكلة‭ ‬العظمى‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭ ‬المغلوط‭ ‬والمناقض‭ ‬للقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬تم‭ ‬تبنيه‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الضعيفة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تعارض‭ ‬أمريكا‭ .‬

رابعا‭: ‬سياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬القائلة‭ ‬بضرورة‭ ‬تحديد‭ ‬من‭ ‬يمثل‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬هو‭ ‬تدخل‭ ‬فظ‭ ‬وعلني‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني،‭ ‬وهو‭ ‬تدخل‭ ‬لا‭ ‬يفيد‭ ‬على‭ ‬المديين‭ ‬القصير‭ ‬والطويل،‭ ‬بالعكس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬أن‭ ‬تحديد‭ ‬مصير‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ودولته‭ ‬وممثليه‭ ‬والتدخل‭ ‬في‭ ‬وعيهم‭ ‬وتمويلهم‭ ‬واتجاهاتهم‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬وصفة‭ ‬حقيقية‭ ‬لاستمرار‭ ‬العنف‭ ‬والتطرف‭ ‬والكراهية،‭ ‬وبالمقارنة‭ ‬مع‭ ‬طريقة‭ ‬أمريكا‭ ‬في‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الجمهور‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬واختياراته‭ (‬الديمقراطية‭) ‬سنرى‭ ‬الفرق‭ ‬الشاسع‭ ‬في‭ ‬كيفية‭ ‬تعامل‭ ‬الإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬الناعم‭ ‬والرخو‭ .‬

خامسا‭: ‬سياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬بمحاربة‭ ‬‮«‬الاونروا‮»‬‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬انحياز‭ ‬للموقف‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬الذي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الجهد‭ ‬لإثباته،‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬الأمريكي‭ ‬المتعجل‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬تجويع‭ ‬لستة‭ ‬ملايين‭ ‬فلسطيني‭ ‬وإنهاء‭ ‬لإحدى‭ ‬أهم‭ ‬مؤسسات‭ ‬الامم‭ ‬المتحدة‭ ‬التي‭ ‬أقيمت‭ ‬بقرار‭ ‬أممي،‭ ‬ما‭ ‬يعني‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬انهيار‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬العالمي‭ ‬الحالي‭ ‬في‭ ‬مقدمة‭ (‬ربما‭) ‬لتوزيع‭ ‬جديد‭ ‬للقوة‭ ‬والنفوذ‭ ‬بالعالم‭ .‬

سادسا‭: ‬رؤية‭ ‬أمريكا‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬مع‭ ‬إيران‭ ‬وأذرعها،‭ ‬وهي‭ ‬جملة‭ ‬صارت‭ ‬شائعة،‭ ‬إنما‭ ‬هي‭ ‬رؤية‭ ‬ساذجة‭ ‬جدا،‭ ‬فالأمر‭ ‬أعقد‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬بكثير،‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬صراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬هو‭ ‬الصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬وهو‭ ‬السبب‭ ‬الأهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تشهده‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬توتر،‭ ‬وبلغت‭ ‬السذاجة‭ ‬أو‭ ‬التغابي‭ ‬بالإدارة‭ ‬الأمريكية‭ ‬للقول،‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يجري‭ ‬في‭ ‬باب‭ ‬المندب‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬له‭ ‬بالصراع‭ ‬الفلسطيني‭ ‬الإسرائيلي‭.‬

سابعا‭: ‬سياسة‭ ‬أمريكا‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬إدارة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الاسرائيلي‭ ‬وإدامته‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اعتبار‭ ‬لطموحات‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬ونضالاته‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬لها‭ ‬أن‭ ‬تظل‭ ‬ناجحة‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود،‭ ‬وقد‭ ‬دفعت‭ ‬أمريكا‭ ‬بالذات‭ ‬ثمن‭ ‬تجاهل‭ ‬الشعوب‭ ‬وطموحاتها‭ ‬في‭ ‬فيتنام‭ ‬وأفغانستان‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ .‬

لا‭ ‬يمكن‭ ‬لأمريكا‭ ‬أن‭ ‬تستغل‭ ‬إسرائيل‭ ‬أيضا‭ ‬وتجعلها‭ ‬في‭ ‬خندق‭ ‬متقدم‭ ‬في‭ ‬منطقة‭ ‬مشتعلة‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬مصالحها‭ ‬الاستعمارية‭ ‬أو‭ ‬اللاهوتية،‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬السياسة‭ ‬تستنزف‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬وشعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬وكذلك‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬الذين‭ ‬سيدركون‭ ‬عاجلا‭ ‬أم‭ ‬آجلا‭ ‬أنهم‭ ‬مجرد‭ (‬نجمة‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الأمريكية‭).‬

{ رئيس‭ ‬مركز‭ ‬القدس‭ ‬للدراسات

‭ ‬المستقبلية‭ - ‬جامعة‭ ‬القدس

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا