العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

«تحرير فلسطين» أم حراسة الهيمنة الإيرانية؟!

بقلم: فاروق يوسف

الأحد ١١ فبراير ٢٠٢٤ - 02:00

المزاد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مفتوح‭. ‬منذ‭ ‬متى؟‭ ‬منذ‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭. ‬حين‭ ‬صارت‭ ‬فلسطين‭ ‬أرضا‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬شعب‭ ‬لتوهب‭ ‬إلى‭ ‬شعب‭ ‬من‭ ‬غير‭ ‬أرض‭. ‬كذبة‭ ‬على‭ ‬الضفتين‭. ‬

أما‭ ‬حين‭ ‬انسحب‭ ‬المحتل‭ ‬البريطاني‭ ‬وسلمها‭ ‬لليهود‭ ‬ليقيموا‭ ‬على‭ ‬أرضها‭ ‬دولتهم‭ ‬فقد‭ ‬بالغ‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حبها‭ ‬و‮«‬أخي‭ ‬جاوز‭ ‬الظالمون‭ ‬المدى‮»‬‭. ‬تنافسوا‭ ‬عليها‭. ‬وصار‭ ‬بعضهم‭ ‬يشهر‭ ‬بالبعض‭ ‬الآخر‭. ‬وكان‭ ‬سلاحهم‭ ‬فاسدا‭.‬

وعصف‭ ‬بهم‭ ‬أحمد‭ ‬سعيد‭ ‬من‭ ‬إذاعة‭ ‬صوت‭ ‬العرب‭ ‬ليكشف‭ ‬عن‭ ‬معجزتهم‭ ‬الوحيدة‭ ‬كونهم‭ ‬أمة‭ ‬لسان‭. ‬‮«‬العرب‭ ‬ظاهرة‭ ‬صوتية‮»‬،‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬الكاتب‭ ‬السعودي‭ ‬عبدالله‭ ‬القصيمي‭. ‬انتقل‭ ‬الخط‭ ‬البياني‭ ‬من‭ ‬نكبة‭ ‬إلى‭ ‬نكسة‭ ‬إلى‭ ‬نصر‭ ‬لم‭ ‬يكتمل‭. ‬فاجأهم‭ ‬بطل‭ ‬العبور‭ ‬بزيارته‭ ‬المباغتة‭ ‬إلى‭ ‬إسرائيل‭. ‬

أما‭ ‬حين‭ ‬عزلوا‭ ‬مصر‭ ‬فقد‭ ‬بدأ‭ ‬الخط‭ ‬البياني‭ ‬لانهيار‭ ‬مشروعهم‭ ‬القومي‭ ‬الذي‭ ‬مُسح‭ ‬بالأرض‭ ‬يوم‭ ‬احتلت‭ ‬القوات‭ ‬العراقية‭ ‬الكويت‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المشؤوم،‭ ‬كانت‭ ‬ورقة‭ ‬فلسطين‭ ‬جاهزة‭ ‬على‭ ‬المنصة‭ ‬فيما‭ ‬المطرقة‭ ‬تنتقل‭ ‬بين‭ ‬الرؤوس‭ ‬كما‭ ‬لو‭ ‬أنها‭ ‬تضرب‭ ‬على‭ ‬مفاتيح‭ ‬بيانو‭. ‬لقد‭ ‬اتضح‭ ‬أن‭ ‬فلسطين‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬إلا‭ ‬خلفية‭ ‬لصراع‭ ‬عربي‭ ‬‭ ‬عربي‭ ‬ونُسيت‭ ‬إسرائيل‭.‬

مَن‭ ‬الظالم‭ ‬ومَن‭ ‬المظلوم؟‭ ‬يعتقد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬أن‭ ‬العرب‭ ‬ظلموهم‭. ‬في‭ ‬المقابل،‭ ‬فإن‭ ‬العرب‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬فلسطين،‭ ‬وهم‭ ‬يقصدون‭ ‬قيام‭ ‬إسرائيل،‭ ‬كانت‭ ‬خشبة‭ ‬نعشهم‭. ‬وافقوا‭ ‬على‭ ‬قرارات‭ ‬دولية‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬رفضوها‭ ‬حين‭ ‬صدرت،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬فوات‭ ‬الأوان‭. ‬ولقد‭ ‬سمحوا‭ ‬للعالم‭ ‬بأن‭ ‬يضحك‭ ‬عليهم،‭ ‬فيما‭ ‬كانوا‭ ‬يقيمون‭ ‬أنظمة‭ ‬استبدادية‭ ‬مخافة‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬الحرية‭ ‬بضياع‭ ‬قضيتهم‭ ‬المركزية‭ ‬الأولى‭.‬

‭ ‬أجلوا‭ ‬الحياة‭ ‬الحقيقية‭. ‬وحرمت‭ ‬الأنظمة‭ ‬شعوبها‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬عند‭ ‬الحد‭ ‬الأدنى‭ ‬من‭ ‬إنسانيتها‭ ‬بسبب‭ ‬رغبتها‭ ‬في‭ ‬التفرغ‭ ‬للقضية‭. ‬كبلوا‭ ‬أنفسهم‭ ‬بالأصفاد‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬فلسطين‭. ‬وكان‭ ‬السؤال‭ ‬الحائر‭ ‬‮«‬أيمكن‭ ‬للمستعَبد‭ ‬في‭ ‬وطنه‭ ‬أن‭ ‬يقاتل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تحرير‭ ‬الآخرين‭ ‬في‭ ‬بلاد‭ ‬أخرى؟‮»‬،‭ ‬كانت‭ ‬فلسطين‭ ‬شعارا‭ ‬اُستنزفت‭ ‬من‭ ‬أجله‭ ‬ثروات‭ ‬شعوب،‭ ‬عاشت‭ ‬تنتظر‭ ‬على‭ ‬أمل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تحريرها‭ ‬نهاية‭ ‬لما‭ ‬تعيشه‭ ‬من‭ ‬ذل‭ ‬وهوان‭ ‬وإفقار‭ ‬وتخلف‭.‬

كانت‭ ‬الشعوب‭ ‬تكذب‭ ‬على‭ ‬نفسها‭. ‬فالأحزاب‭ ‬التي‭ ‬استباحت‭ ‬دولا‭ ‬بأكملها‭ ‬وكانت‭ ‬فلسطين‭ ‬رايتها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬في‭ ‬حقيقتها‭ ‬إلا‭ ‬مدارس‭ ‬للإرهاب‭ ‬الذي‭ ‬يُمارس‭ ‬برعاية‭ ‬القانون‭. ‬فمنذ‭ ‬أن‭ ‬احتلت‭ ‬فلسطين‭ ‬وأُقيمت‭ ‬الأنظمة‭ ‬الوطنية‭ ‬العربية‭ ‬توقف‭ ‬العقل‭ ‬العربي‭ ‬الناشئ‭ ‬عن‭ ‬التفكير‭ ‬وانتهى‭ ‬الأمل‭ ‬بولادة‭ ‬نهضة‭ ‬عربية‭ ‬جديدة‭ ‬وانقطعت‭ ‬صلة‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬بالعالم‭. ‬‮«‬أنت‭ ‬تسأل‭ ‬والحزب‭ ‬يجيب‮»‬‭.‬

أما‭ ‬حين‭ ‬انتقلنا‭ ‬إلى‭ ‬زمن،‭ ‬انتهى‭ ‬فيه‭ ‬الكفاح‭ ‬الوطني‭ ‬الفلسطيني‭ ‬حين‭ ‬اختارت‭ ‬منظمة‭ ‬التحرير‭ ‬الفلسطينية‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬جهة‭ ‬سياسية‭ ‬مفاوضة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬قوة‭ ‬مسلحة‭ ‬تتفاوض‭ ‬مع‭ ‬عدوها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فوهة‭ ‬البندقية،‭ ‬فقد‭ ‬سحب‭ ‬العرب‭ ‬أوراق‭ ‬دفاعهم‭ ‬عن‭ ‬القضية،‭ ‬لكن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬صار‭ ‬أمنهم‭ ‬القومي‭ ‬مخترقا‭ ‬وصار‭ ‬في‭ ‬إمكان‭ ‬أي‭ ‬عابر‭ ‬سبيل‭ ‬أن‭ ‬يرسم‭ ‬في‭ ‬الهواء‭ ‬خططا‭ ‬لتحرير‭ ‬فلسطين‭ ‬ليمزجها‭ ‬بطين‭ ‬مزاجه‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي،‭ ‬بغض‭ ‬النظر‭ ‬عن‭ ‬الثمن‭ ‬الغالي‭ ‬الذي‭ ‬يدفعه‭ ‬البشر‭ ‬الذين‭ ‬وصلوا‭ ‬إلى‭ ‬مرحلة‭ ‬اليأس‭ ‬وهم‭ ‬يرددون‭ ‬الأناشيد‭ ‬الوطنية‭. ‬

ذلك‭ ‬ما‭ ‬فعله‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬الله‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬حقيقته‭ ‬مترجم‭ ‬مُحلف‭ ‬لكلمات‭ ‬الولي‭ ‬الفقيه‭ ‬في‭ ‬إيران‭ ‬عام‭ ‬2006‭. ‬فإذا‭ ‬كانت‭ ‬ضرورة‭ ‬وجود‭ ‬ذلك‭ ‬الحزب‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬عام‭ ‬2000‭ ‬بتحرير‭ ‬الجنوب‭ ‬اللبناني،‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬الحزب‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬مليشيا‭ ‬مسلحة‭ ‬قد‭ ‬وجد‭ ‬في‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬المزاد‭ ‬الفلسطيني‭ ‬مناسبة‭ ‬لاستعادة‭ ‬شرعيته‭. ‬هي‭ ‬شرعية‭ ‬مضللة‭ ‬مارس‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الحزب‭ ‬هيمنته‭ ‬على‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وصولا‭ ‬إلى‭ ‬تحويله‭ ‬إلى‭ ‬بلد‭ ‬منزوع‭ ‬السيادة،‭ ‬تابع‭ ‬بطريقة‭ ‬أو‭ ‬بأخرى‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭.‬

هناك‭ ‬مَن‭ ‬يقول‭ ‬‮«‬لقد‭ ‬أخطأ‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬ركوب‭ ‬الحصان‭ ‬الفلسطيني‮»‬‭. ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬ضعف‭ ‬تاريخية‭ ‬جُرد‭ ‬الفلسطينيون‭ ‬من‭ ‬قضيتهم‭. ‬كل‭ ‬الأنظمة‭ ‬السياسية‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تاجرت‭ ‬بفلسطين‭ ‬كانت‭ ‬قد‭ ‬مهدت‭ ‬للتضليل‭ ‬الذي‭ ‬تمارسه‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬التابعة‭ ‬إلى‭ ‬إيران‭ ‬باسم‭ ‬فلسطين‭.‬

لقد‭ ‬كشفت‭ ‬حرب‭ ‬غزة‭ ‬أن‭ ‬جمهورا‭ ‬لا‭ ‬يُستهان‭ ‬بنسبته‭ ‬من‭ ‬العرب‭ ‬صار‭ ‬يؤمن‭ ‬بأن‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬محور‭ ‬المقاومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬إيران‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يملك‭ ‬مفتاح‭ ‬الحل‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الكيان‭ ‬المغتصب‭ ‬وأن‭ ‬إيران‭ ‬هي‭ ‬القوة‭ ‬التي‭ ‬ستعيد‭ ‬للفلسطينيين‭ ‬حقوقهم‭ ‬فيما‭ ‬فشل‭ ‬العرب‭ ‬بذلك‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬ذلك‭ ‬الجمهور‭ ‬إلى‭ ‬تأليف‭ ‬أطول‭ ‬معلقة‭ ‬في‭ ‬هجاء‭ ‬العرب‭. ‬وهي‭ ‬المعلقة‭ ‬التي‭ ‬تفوق‭ ‬الشاهنامة‭ ‬طولا‭.‬

ما‭ ‬نعيشه‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ليس‭ ‬حقيقيا‭. ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬الجماعات‭ ‬المسلحة‭ ‬التي‭ ‬وجدت‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬مناسبة‭ ‬لاستعراض‭ ‬عدائها‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬لا‭ ‬تجرؤ‭ ‬على‭ ‬توجيه‭ ‬صاروخ‭ ‬واحد‭ ‬في‭ ‬اتجاه‭ ‬إسرائيل‭. ‬ذلك‭ ‬موقف‭ ‬إيراني‭ ‬صارم‭. ‬ليست‭ ‬فلسطين‭ ‬قضيتها‭. ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬زعماء‭ ‬تلك‭ ‬المليشيات‭ ‬ضرورة‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬فلسطينيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الفلسطينيين،‭ ‬بقدر‭ ‬شعورهم‭ ‬بضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬إيرانيين‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬الإيرانيين‭.‬

‮ ‬{‭ ‬كاتب‭ ‬عراقي

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا